نخب تتوارى, وأخرى إيجابية تفقد القدرة على الرؤية, وثالثة انتهازية يهمها أن تكسب, ورابعة تتآمر وهي لا تعلم ذلك, وخامسة تتآمر وتجاهر غير مكترثة بنوع النتائج, ونوع سادس, قليل العدد, يصر على أن يقف مع الوطن في هذه اللحظات الحرجة متحملاً ما يُقال عنه, فهو يدرك ضرورة الثبات والتصبّر حتى تتوصل أطراف الصراع إلى اتفاق سياسي يخرج الوطن من محنته. وثمة بطل في هذه المأساة تدور كل تلك الأنواع النخبوية حوله وتصغر حركتها وفاعليتها السلبية أو الإيجابية أمام حركته وفاعليته.. هذا البطل هو الجمهور.. شعب يتألف من قرابة 30 مليوناً يشكل اليوم شخصية البطل الذي يواصل صناعة الحياة في الوقت الذي تنمو فيه مشاريع الموت والمؤامرات الكونية لإغراقه في وحل الحرب الأهلية. هذا الشعب يواصل اليوم صناعة الانسجام والتعايش والثقة المتبادلة في وقتٍ لم يعد باستطاعة النخب أن تصنع مثل هذا الانسجام والتعايش والثقة المتبادلة. إنهم اليمنيون.. جمهور بمواصفات نخبوية نادرة.. كثيراً ما تصمه النخب بالعشوائية والبدائية وقلة الوعي, وهو في حقيقة الأمر وحده المنظم المتحضر الواعي.. انظروا إلى واقعنا اليوم ستجدون شعباً تسير حركته اليومية بصورة طبيعية, وهو بدون قيادة, بدون حكومة وفي ظل محدودية النشاط الأمني للأجهزة المختصة مقارنةً بحضورها وهيمنتها التي كانت عليها قبل بضع سنوات. هل يستطيع شعب من شعوب العالم المتقدم أن يعيش هادئاً في ظل كل هذا الفراغ الدستوري والحكومي والأمني؟.. إن غياب الأمن لساعات في مدينة من مدن دولة مثل أمريكا كفيل بسقوطها في يد عصابات النهب والإجرام ومافيا الاحتيال والنصب الإلكتروني, فأنتم ترون أن هذه العصابات تداهم المحلات في أمريكا لتقتل وتنهب وتختفي على الرغم من فاعلية الأنظمة الأمنية هناك وتطورها المتسارع, ونحن اليمنيين نخسر العشرات من مغتربينا في أمريكا بفعل هذه العصابات, وتقول الأخبار: إن قرابة 10 مغتربين يمنيين في أمريكا قتلوا خلال العام المنصرم فقط, برصاص عصابات سرقة تداهم المحلات التجارية, ناهيك عن حالات القتل التي تتعرض لها الجاليات الأخرى والأمريكيون أنفسهم. اليوم يعيش اليمنيون كما لو أنهم شعب اسكندنافي مرفَّه, يحظى بكل الخدمات الأساسية المتطورة, لديه مستوى مرتفع من الدخل, ولا يعاني من قسوة الظروف الاقتصادية, وصلف النخبة التي تبدد الأموال في الصراع والتناحر الذي أوقف عجلة التنمية وأربك حركة السوق. لا أنكر أن اليمني يعاني.. لكنه يصر على تخليق الفكاهة من رحم الأزمة, وتخصيب الهدوء في مفاعلات الفوضى, وصناعة غير واحد من المواقف الحضارية التي يعجز أن يتمثلها كثير من النخب التي تعيش اليوم في قمة أزمتها وأمراضها النفسية المستعصية. أيها المواطن اليمني البسيط - سواء أكنت تاجراً أم فلاحاً أم عاملاً أم موظفاً أم عاطلاً عن العمل, أياً كنت فأنت النخبوي الحقيقي.. أنت الصفوة.. أنت الوطن.. أنت الأمل, ومهما ساءت الظروف السياسية وآل الوضع إلى الفراغ المتعدد فالوطن بوجودك لا يعيش الفراغ.. إنه مكتظ بالحركة, بالإيجابية, بالحياة. [email protected]