القمع معضلة اجتماعية مركبة، لأنه متنوع ومتعدد الأشكال يطال مختلف أنواع الأنشطة الاجتماعية (الاقتصادية والسياسية والفكرية).. ، ولا يتوقف عند أحدها.. ومن أشكاله: القمع الاقتصادي: هو سيطرة وهيمنة الفئة السلطوية وبطانتها على ثروات الشعوب الاقتصادية لتحقيق مآربها المختلفة، ومنها قهر المعارضين لها في الحكم، وفرض إرادتها عليهم.. ومعناه أيضا استغلال النظام لحاجات الناس وضرورياتهم للحياة الكريمة من خلال التضييق الاقتصادي عليهم لكتم أنفاسهم، وكبح إرادتهم، وإذلالهم وإخضاعهم لإرادته. ومن أهم مظاهر وآثار القمع الاقتصادي بصفة عامة ما يأتي: السيطرة على معظم الثروات الوطنية الخاصة بالشعب. انتشار الاحتكار الاقتصادي من قبل ذوي النفوذ السياسي وهيمنتهم على الأسواق والأعمال، وشيوع ظاهرة غسل الأموال والفساد الاقتصادي بكافة صوره. سيطرة البطانة على مواقع اتخاذ القرار الاقتصادي للاستفادة منها. وحصولها على مزايا ومكافآت اقتصادية بحجة دعم وحماية الحاكم، دون حق، ودونما أي اعتبار للآخرين.وحرمان المعارضين من المشاركة في التنمية الاقتصادية، والاعتداء على أموالهم, وتغليب مبدأ الولاء للحاكم على الكفاءة والخبرة. اتساع ظاهرة الفقر وتفقير المجتمع، الناتج عن انتشار البطالة. وتفشي الفساد الاقتصادي، مثل: الرشوة والاختلاس والسرقة والتكسب من الوظيفة والوساطة والمحسوبية وعدم تكافؤ الفرص، والتهرب من الاستحقاقات. هروب الاستثمارات إلى خارج الأوطان بحثاً عن الأمان والأمن.وانخفاض قيمة العملة مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.وارتفاع عبء الضرائب غير المباشرة على الطبقة الفقيرة. وبالتالي الغلاء المستمر لأسعار السلع، ولاسيما الضرورية. توقف بعض المشروعات وتسريح العاملين بها وحدوث.وانخفاض معدلات التنمية مما يترتب عليه التخلف الاقتصادي والفساد الاجتماعي. القمع السّياسي: هو الّذي يمنعنا من طرح أفكارنا السّياسيّة ما لم تتوافق والسّياسة العامة.. وتطلق عبارة القمع السياسي على الأعمال والممارسات الموجهة من قبل الدولة أو منظمات سياسية ضد الأفراد والمجموعات.. والتي تحرص على أن تكون وسائل الإرهاب متوثبة، وإشاعة حالة من الشعور بالخوف والذعر عبر القتل والاعتقال، وتضييق فرص الأمان.. واستخدام القوة المفرطة لقمع الشعب وكسر إرادته وحرمانه من أبسط حقوقه المشروعة في التعبير السلمي عن الرأي. وينقسم من حيث الممارسة إلى نوعين رئيسيين: مباشر وغير مباشر. من أشكال القمع السياسي المباشر: القتل المتعمد أو الإصابة البالغة أو المعيقة أو المزمنة. الضرب والتنكيل والإهانة عن طريق التوقيف، منع الحركة، مداهمة البيوت، الخ. هدم البيوت والتشريد.و مصادرة الأراضي والممتلكات. انتهاكات ضد المعتقلين في السجون وأماكن الاحتجاز كالحرمان من الرعاية الصحية أو التغذية السليمة أو من الزيارة والخروج من الزنازين. ومن أشكال القمع السياسي غير المباشر: خلق جو عام من عدم الأمان أو عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي، مما يدفع بالعديد من السكان المحليين إلى المغادرة والهجرة. استخدام المعلومات الخاصة لمعرفة معلومات شخصية قد تساعد في إيذاء شخص ما أو وضعه تحت تهديد معين. سلبية أجهزة الوقاية والتدخل المختصة وإهمال الحاجات المجتمعية والمدنية، والتغاضي عن جرائم ومخالفات خطيرة. اعتماد مجموعة من أساليب التفرقة العرقية والدينية، ونشر آفات اجتماعية خطرة، وتغذية الخلافات العائلية أو القبلية أو العرقية، وخلق وقائع على الأرض تسهم في تعزيز الاغتراب أو الاضطرابات الاجتماعية، وتعقيد حلول المشكلات. تهميش قطاعات السكان المحليين وحرمانهم من تمثيل أنفسهم في المؤسسات الحساسة التي تدير أو تحكم شؤون حياتهم، والتقصير في مجال تقديم الخدمات الأساسية. ويترك القمع السياسي بشكليه المباشر وغير المباشر مجموعة من الآثار النفسية والاجتماعية الخطيرة والمؤلمة على الفرد والأسرة والجماعة والمجتمع، حيث يجرد الفرد من إنسانيته، ومن الشعور بالأمان الضروري للتطور النفسي والاجتماعي السليم، ويؤثر بطرق مختلفة على تماسك الأسرة، وغياب الحد الأدنى من الحماية والدعم الاجتماعي المباشر واللازم للحيلولة دون تصدعها وتفككها.. والتغريب الذي يهدف إلى خلق فجوة ثقافية وحضارية بين الفرد وثقافته الأم بالإضافة إلى طمس الهوية الوطنية العامة والجامعة. القمع الفكري: هو الذي يحيلنا إلى الأعراف والتّقاليد البالية الّتي لم تعد تتناسب وعصرنا الحالي.. أو يفرض تطبيق الدين وفق فهم المجتمع أو القبيلة، الأمر الّذي يخنق في داخلنا كلّ التّساؤلات الّتي تجول في خاطرنا بغية الوصول إلى الحقيقة. والخلاصة، إن القمع بالنسبة للمقموع: يولد القهر والعجز وانعدام الضمانات المستمرة - ماضياً وحاضراً - ويصبغ المستقبل بالتشاؤم، فتنسد آفاقه، ويفقد الثقة بإمكانية الخلاص، ولذلك فإن قلق الحاضر ومصاعبه يأخذ طابعاً متأزماً، اتكالياً، ومستكيناً.. يصاحبه الإحساس بأبشع أنواع الاضطهاد والقمع، والشعور بأنه يعيش داخل بلده وأرضه، وفي كنف مجتمعه وأهله في سجن كبير يحول حياته إلى جحيم. والقمع بالنسبة للقامعين: الاعتقاد أنه لا يمكن حكم البلاد والشعب إلاّ بالقهر. الخشية من حدوث مظاهرات أو ثورات لتغيير نظام الحكم، وبالقمع يمكن التصدي بشدة للتيار المعارض وإسكاته. وضمان توريث نظام الحكم، دون خشية المحاكمة من الثوار. وينتج عن القمع بصوره المختلفة على كليهما، احتمالين: إما أنه سيأتي يوم يثور فيه المقموع على هذا القمع وينتفض، ولا يفيق القامع من غيبوبته إلا بعد أن يجد نفسه في عزلة عن شعبه منفياً، أو في السجون أو في القبور.. وإمّا أن يموت المقموع خانعاً خاضعاً بسبب الخوف والرّعب الّذي يفرضه الأقوى، ليتمكّن من السّيطرة والتّحكّم. وختاماً، يقاس القمع والاستبداد، بالاستناد على مؤشرات مختلفة، منها: احترام حقوق الإنسان.. استقلال القضاء.. احترام حرية التعبير.. احترام حرية الصحافة.. احترام حرية الاعتقاد.. احترام العملية الانتخابية، والتعددية السياسية والحزبية والفكرية، إلخ. [email protected]