في كل حالة نزاع محددة، يمكننا تمييز المراحل التالية: الموقف ما قبله، وبداية النزاع المكشوف (تصعيد النزاع، ذروة النزاع أحياناً)، وختامه (حله أو تجميده). ومن المناسب تناول مراحل تطور النزاع بصورة متتابعة, كما يعرفه كل منا, من خلال تجربته الشخصية. أولاً- الموقف ما قبل النزاع: ويدل عليه ظهور الشعور بالانزعاج.. وقبل تحليل الموقف, حري بنا أن نبدأ بتقويمه عاطفياً، حيث يصعب التعبير بالكلمات عما يزعجنا بالذات. لكننا نشعر أن الوضع ليس على ما يرام. هنا, ينصح خبراء النزاع بالإصغاء إلى مثل هذا الشعور، وعدم إهماله, بل محاولة فهم أسبابه، وإذا لم يتم إدراك الشعور بالانزعاج في الوقت المناسب، يبدأ سوء الفهم بالظهور في تواصلنا: كالحدة في الكلام، أو الصمت, وعدم الرغبة بالكلام، وما شابه ذلك، وكثيراً ما تظهر علامات سوء الفهم بسب أشياء تافهة، بسبب عدم التعبير الدقيق عن الفكرة، أو القلق, أو الانزعاج المؤقت.. كما أن التوتر العاطفي, أو المزاج السيئ, أو التعب والإرهاق قد يشوه عملية استيعاب الموقف وإدراكه, ويؤدي إلى الفهم الخاطئ. إذا كانت حالات سوء الفهم تظهر بتكرار واضح بين أشخاص معينين، فإن علاقات هؤلاء الأشخاص ذاتها تصبح مصدر قلق, وقد يصل موقف ما قبل النزاع إلى مرحلة التوتر (نشوء صعوبة في التواصل).. إن عدم رغبتنا بفهم أسباب سلوك الشخص الآخر وعدم الإصغاء لمشاعره قد يدفع بنا إلى الدخول في نزاع كامن, خفي, محتمل. إن مرحلة ما قبل النزاع تختتم بحادثة الصراع المكشوف الأول لطرفي النزاع، الإعلان عن النزاع. وقد يبدو سلوك أطراف النزاع للمراقبين غير المشاركين، غريباً وغير متوقع, لكنه مفهوم, من حيث منطق التطور الكامن للنزاع, باعتباره تفريغاً انفعالياً للطرف البادئ بالحادثة. وإذا ما نشأ النزاع بين أشخاص عرضيين, لا يرتبطون بعلاقات طويلة الأمد، تنشأ الحادثة المسببة نتيجة إشعال شخص ما شرارة، النزاع (كلمات، أفعال يمكن أن تؤدي إلى نزاع). والمهم هنا، الانطباع السلبي والاستجابة السلبية من جانب الشخص الآخر, الذي وجهت الشرارة نحوه. فإذا ما تصرف الطرف الذي خضع للعاطفة الأولى، بصورة انفعالية، فسوف يستمر تبادل شرارات النزاع. ولا بد هنا من أن نتذكر, أن كل شرارة جوابية من شرارات النزاع تكون أقوى من الشرارات السابقة، حسب قانون التصعيد (اتجاه النزاع نحو النمو الذاتي). ثانياً بداية النزاع المكشوف: تظهر عندما يصبح فقدان الصلة بالطرف الآخر واضحاً. ويتخذ كل من الطرفين خطوات معينة: فتبدأ المماحكات الكلامية، وتضعف الرقابة على الانفعالات, ويتخلى الطرفان عن قواعد السلوك المرعية، ويلجآن إلى القوة (المتخيلة أو الواقعية). فيحدث اتساع النزاع وتصعيده.. وقد يكون التصعيد مستمراً: (ازدياد دائم لتوتر العلاقات وقوة الضربات).. أو متموجاً: (تعاقب المجابهة والتهدئة، وتحسن مؤقت في العلاقات).. أو انحدارياً: (مظاهر عدائية واضحة).. أو خاملاً: دائماً, بفتور. ثالثاً ختام النزاع المكشوف: إن تطور الموقف في مرحلة النزاع المكشوف يؤدي إلى نقطة انعطاف أو إلى الذروة. وقد تكون هذه الذروة عدداً من الخطوات المتتابعة, أو «انفجاراً» واحداً يحل الصراع ويضع نهاية له. وتكون نقاط الذروة خطيرة جداً على نحو خاص في النزاعات الطويلة الأمد، وكما يقال «بين الحب والكراهية خطوة واحدة». وقد يختتم النزاع المكشوف دون مرحلة انفجارية. حيث يحدث انعطاف العلاقات تدريجياً, مع إدراك الطرفين لضرورة التوقف عن زيادة توتر العلاقات (حد الصبر والاحتمال، أو هذا لن ينتهي على خير). رابعاً- ما بعد النزاع: مرحلة نزاعية تأتي, حسب تعريف النزاع, بعد ختام المواجهة المكشوفة. وقد تكون هذه المرحلة «تحطيم الخصم», أو قبول الطرفين بهدنة رغماً عنهما, أو «تجميد النزاع»، وتضييق حدوده, عن طريق تضييق مجال الاحتكاك بين الطرفين (عدم التطرق إلى المسائل الحساسة، أو سنتصرف بصورة عقلانية كي لا يسبب أحدنا الألم للآخر). كما أن ذروة النزاع قد تغير بصورة تدريجية العلاقات بين الطرفين. يستخدم خبراء حل النزاعات المعاصرين, لوصف موقف ما بعد النزاع, مصطلحي الربح (ر) والخسارة (خ). وعلى عكس التصور التقليدي لنتيجة النزاع وفقاً لمبدأ (ر خ), يعد الخبراء المبدأ الأنسب هو (ر ر) أي التركيز على التعاون. فالحل الإيجابي للصراع يتطلب مراعاة مصالح الطرفين والبحث عن الطرق المقبولة لتلبيتها. وسنشير هنا إلى بنية النزاع: والتي تبرز من خلال عناصرها الآتية: أولاً طرفا النزاع: وهما أفراد التفاعل الاجتماعي المتأزم، الذي بلغ مرحلة النزاع, وكذلك كل من يقف معهما بصورة واضحة أو غير ظاهرة (المتعاطفون, المستفزون، المصالحون، وغيرهم). ويلحق بطرفي النزاع ضحاياه. ثانياً- موضوع النزاع: ويحدده صراع الطرفين، أي سبب نشوئه. ويصعب عادة تحديد موضوع النزاع بمدلول واحد (مثال: ما هي ذريعة بداية الحرب: الطمع في الثروات أو الأراضي, الأمل بالانتقام, الكراهية الشخصية بين زعماء متصارعين، إلخ؟). إن الادعاءات المصاغة كلامياً, والتي قد تبدو فارغة، تعكس في حقيقة الأمر الاختلافات العميقة (سبب الحدث وذريعة نشوء النزاع). ثالثاً منطقة الاختلاف: نظراً لعدم وضوح موضوع النزاع, حتى بالنسبة للمتخاصمين أحياناً فيعرف ب(منطقة الاختلاف). وحدودها اصطلاحية ومتبدلة للغاية. ورغم أن النزاع ناتج عن ادعاءات جوهرية, فإن شكل التعبير عنها قد يزيد من توتر العلاقات بين المتنازعين. فإذا ما تم التعبير عن المطالب بصورة انفعالية مفرطة، واعتبرت هذه المطالب من الطرف الآخر إهانة، يظهر أثر آلية العدوى: حيث ينسى الطرف الآخر المطالب ذاتها, ويشرع بالدفاع عن كرامته. والعكس صحيح, فالموقف الهادئ والتوجه العملي يساعدان على إيجاد حل للمشكلة. وعندما يتمكن طرفا النزاع من تحقيق اتفاقات جزئية، فقد تضيق منطقة الاختلاف. رابعاً دوافع النزاع: وهي القوى الداخلية لطرفي النزاع التي تحدد وترسم صورة الموقف النزاعي وتدفعه إلى المواجهة, وتشكل رؤية طرفي النزاع الخاصة للمشكلة وتعكس حاجاتهم ومصالحهم, وأهدافهم ومثلهم العليا وقناعاتهم. خامساً أهداف طرفي النزاع: وهي النتائج التي يتصورها الطرفان ذهنياً, والتي يودان تحقيقها. ويدرك كل من الطرفين جيداً هذه الأهداف, لكنه لا يبوح بها لخصمه إلا بصورة جزئية، وعلى شكل مواقف معلنة. سادساً الخطوات العملية للنزاع: وهي الغلاف الخارجي للنزاع, الذي يمكن ملاحظته مباشرة. فإذا كان لدى الطرفين أهدافاً مختلفة فإن خطواتهما العملية ستؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى المواجهة والصدام. والطرف المعادي, الذي استوعب الموقف بطريقة أخرى سيعد خطوات الطرف الآخر معادية وغير صحيحة. ومن هنا فالخطوات الجوابية (رد الفعل) ستفسر تفسيراً خاطئاً (من وجهة نظر صاحبها)، وبالتالي ستعمل على تصعيد النزاع المكشوف. ختاماً، يمكننا القول: إن أهم الخطوات التي يمكن أن تفسر على أنها عدائية هي: إعاقات مباشرة أو غير مباشرة للخطط التي ينفذها أحد الطرفين.. عدم تنفيذ التعهدات والالتزامات.. استحواذ طرف على ما يراه الطرف الآخر أنه من حقه.. إلحاق ضرر مباشر أو غير مباشر بملكية أو سمعة الطرف الآخر.. الأفعال التي تسيء إلى كرامة الطرف الآخر (الشتائم والإهانات).. التهديدات والأعمال القمعية.. التفسير الخاطئ للأعمال والخطوات التي يقوم بها الطرف الآخر. 1 - ترجمت الفكرة الأساسية من: موضوع النزاع ل(غالينا لوبيموفا). [email protected]