من الحقائق المسلّم بها هي أنه لا حياة بلا سعادة، ولا سعادة دون حضارة، ولا حضارة دون قانون، ولا قانون بلا سيادة القانون، ولا سيادة للقانون دون سيادة العدالة، وحقيقة أن سيادة القانون تشكّل قيمة حضارية، وتعدُّ المقياس الحقيقي الذي يُقاس به تقدّم الدول في عصرنا الراهن، ولا يُقصد بمفهوم سيادة القانون وجود دستور وقوانين، والعمل رسمياً بالصكوك القانونية فحسب، وإنما نعني بسيادة القانون، إحلال الحق محل القوة أي سيادة العدل. لذلك فإن ما يريده اليمنيون هو سيادة العدل، ويؤكد ذلك الحقائق الآتية: 1 - سيتوافر مع سيادة العدل الإقرار بحقوق الإنسان واحترامها على أكمل وجه، ويصير معه الفرد عوناً للسلطة في الحكم وشريكاً لها، وعنصراً فعالاً في المجتمع إذا شعر أنه والآخرين «حكاماً ومحكومين» تحت مظلّة واحدة «سيادة القانون». 2 - من المؤكد أن سيادة للعدل هي التي ستضمن وجود الهوية الواحدة وستنهي المسافات بين اليمنيين والعرب والمسلمين؛ خاصة أن ظاهرة العولمة وأدواتها لمن يعقلون هي المهدّد الحقيقي للهويّة الموحدة للعرب والمسلمين، والمغذّي لاستمرار هذه الصراعات السلبية. 3 - سنضمن مع سيادة العدل تقديم خدمة العدالة بجودة عالية، وحماية حقوق وحريات الإنسان التي تحمي الكرامة وترتقي برسالة الإنسان. 4 - ستؤدّي سيادة العدل إلى تعزيز ثقافة الحوار الحضاري، وتدعم ركائز العدل في المجتمع التي تشكّل أساس الحكم العادل، وستؤدّي إلى تحقيق الفصل بين السلطات، وتفعيل كل وسائل الرقابة القانونية وعدم الافتئات من سُلطة على أخرى؛ كون مبدأ الفصل بين السلطات هو شرط لوجود الحرية. 5 - ستؤدّي سيادة العدل إلى تكافؤ الفرص، وحصول كل فرد على ما هو حق له وقيامه بما هو واجب عليه دون أن يتدخّل بما هو من حقوق الآخرين، وسيكون ضماناً أساسياً لحقوق المواطنين، يؤدّي إلى إخضاع رجال الإدارة أو الحكم إلى القضاء العادي، ويحول دون وجود المحاكم الخاصة أو الاستثنائية أو العقوبات التي تصدر خارج نطاق القانون ويؤدّي إلى تكريس العدالة بين الجميع ويحقّق مفهوم المواطنة. 6 - سيتحقّق مع سيادة العدل قيام مجتمع قوي وسليم معافى، ووجود نظام قانوني يوّفر الثقة والأمان في ممارسة الحقوق والحريات، ويحقق رسالة الدولة، كما سنضمن معه، وبشكل كافٍ تعايشاً اجتماعياً منسجماً، وتطوّراً وطنياً ناضجاً، وحرّية لكل فرد والمجتمع ككل، وتطوير الإمكانيات العملية إلى أقصى حدودها، وسنضمن من خلاله إيجاد نظام حكم ديمقراطي عادل والمحافظة عليه، وسنحقّق معه مقاصد نظام الحياة الإنسانية. ومن ناحية أخرى أن عدم وجود سيادة العدل في المجتمع اليمني سيؤدّي إلى الآتي: 1 - شيوع مفهوم الدولة الاستبدادية الدكتاتورية؛ وذلك سيدفع الفرد إلى التمرُّد والوقوف في وجه الظلم والطغيان، ولعل الشواهد الحاضرة على ذلك كثيرة. 2 - دون سيادة العدل، لا يمكن الحديث عن وجود صالح مشترك أو هدف اجتماعي مشترك، ولا يمكن أن توجد فكرة الحرية والسُلطة التي تحمي الكرامة الإنسانية، وتحقّق الصالح المشترك، وسوف تستمر الانتهاكات الواسعة لحقوق الأفراد وحرّياتهم الأساسية. 3 - في ظل غياب سيادة العدل؛ تسود الفوضى ويلجأ الفرد إلى اقتضاء حقّه بنفسه، أو يقوم بالاعتداء على حقوق وحرّيات الآخرين كردّة فعل لعدم إنصافه وفقاً لمبدأ سيادة القانون، ولا تتحقّق العدالة الاجتماعية والتقدّم الحضاري. 4 - كما أن غياب وظائف سيادة العدل؛ نتج عنه غياب مفهوم الهويّة الموحّدة، لدى اليمني والعربي والمسلم، وهي السبب في وجود هذه الأزمة وكل أزمات المستقبل. 5 - والمؤكد أن غياب وظائف سيادة العدل هو السبب في الثورات، ويؤكد الواقع أنه بسبب تخلّف الحاكم عن واجب حماية سيادة القانون والعدالة وإغلاقه كافة منافذ التغيير القانونية تخرج الشعوب ثائرة من أجل إيجاد التغيير الحقيقي الذي يهدف إلى ترسيخ سيادة القانون؛ أي سيادة العدالة. 6 - والمؤكّد أنه بالرغم من كل الثورات اليمنية؛ فلم تتحقّق سيادة العدل وإنما ما تغيّر هو صورة الحاكم ونتج عن ذلك حتماً استمرار الثورات. الطريق لحماية سيادة العدالة معلوم أنه إذا غابت سيادة القانون والعدالة وتخلّف الحاكم، أو أغلق كافة منافذ التغيير القانونية؛ فإن السؤال الذي يثور هو ما هو الطريق لحماية سيادة العدالة في اليمن..؟ المؤكد أن الوسيلة الأولى لترسيخ سيادة القانون أي «سيادة العدل» هو وجود دستور جديد يضمن سيادة العدالة، والخطوة الأولى في طريق تحقيق التغيير المنشود، وترسيخ سيادة القانون أي سيادة العدالة هو طي صفحة الصراع السلبي، والعودة إلى ثقافة الحوار الحضاري، والبدء في حسم الخلاف حول مسوّدة الدستور الجديد، وفقاً لثقافة الهوية الواحدة، وليس الحوار على فكرة السلطة، وحسم هذا الاختلاف حول مسوّدة الدستور الجديد، حتماً سيحسم أي اختلاف آخر حول سلطة الإنقاذ الذي ستتولّى إدارة شؤون البلاد، وستشرف على تنفيذ كافة استحقاقات المرحلة الانتقالية، حتى تكوين سلطة منتخبة، تحشد طاقات اليمنين وتبنّي مؤسّسات اليمن الجديد التي تحقّق أهداف التغيير. وبسبب الإيمان والتسليم بهذه الحقيقة خلال الفترة الماضية القريبة، استطاع اليمنيون بعد ما يقارب عشرة أشهر من الحوار الوطني من الوصول إلى مسوّدة الدستور، أو مشروع التنظيم الدستوري للمجتمع، بالرغم من كل محاولات المدمنين على القتل والخراب على شق طرق تؤدّي إلى تعطيل هذا الطريق وتؤدّي إلى جلب الأعداء والعداء وتدمير نسيج الخير في الإنسان اليمني. والمفترض في اليمنيين بعد عقود طويلة هو أنهم أصبحوا يدركون حقيقة أن استمرار الصراع المسلّح بينهم أوالإقصاء لبعضهم كوسيلة للتغيير لن يؤدّي إلا إلى الاستمرار في حصد كثير من الأرواح والدماء الطاهرة، وإهدار الأموال والزمن، إضافة إلى الابتعاد عن التغيير المنشود أو عن الطريق لحماية سيادة العدالة. ما الذي يريده أهل الحكمة والإيمان..؟ حتماً يريدون سيادة العدالة وإيجاد دستور جديد، يتحقّق من خلاله وجود الأساس الأول في طريق تحقيق التغيير المنشود، وترسيخ سيادة القانون «أي سيادة العدالة» ويريدون دستوراً نحدّد من خلاله هويّتنا، دستوراً يتوافق عليه اليمنيون، ويريدون أن يكون طريق ذلك هو فكرة الحوار الوطني، والحوار المجتمعي الحضاري وليس الحرب والدمار. وهذه الحقيقة تجعل اليمنيين لا يريدون استمرار هذا النزاع الظالم أو الحرب المدمّرة والتدخّل السلبي من أشقائنا العرب والمسلمين؛ خاصة أن هذا الصراع السلبي غير الحضاري بين اليمنيين يتعارض مع أهداف التغيير، وليس هو طريق أهل الحكمة والإيمان، وليس الطريق الذي سنضمن من خلاله تحقيق الخطوة الأولى من أهداف التغيير المنشود أو سيادة العدالة. كما أن ما يريده اليمنيون هو أن يكون بداية الحل لهذه الكارثة، من اليمنيين وليس من الغير، خاصة أن من أسباب الكارثة التي تعيشها اليمن، هي ثقافة الأحقاد والثأرات، والاتهام المتبادل، وغياب الهويّة الواحدة، والتي نتج عنها حتماً تغييب الوسائل والأساليب الحضارية التي تحقّق التغيير المنشود، إضافة إلى أن استمرار كل الأسباب السلبية دون حل؛ سيؤدّي حتماً إلى الآتي: 1 - زيادة توحُّش المدمنين على القتل والخراب، وقطع الورود؛ أي الأرواح الطاهرة يومياً من بستان اليمن. 2 - زيادة المسافات بين أهل الحكمة والإيمان. 3 - ترسخ ثقافة الفوضى، وضياع وحدة الأرض والإنسان وزيادة الأخطار التي تهدّد سيادة القانون، أي سيادة العدالة. 4 - الابتعاد عن ثقافة الصراع الحضاري. 5 - زيادة مهدّدات هويّة اليمنيين والعرب والمسلمين. لذلك أكرّر النداء لضمير الخير في قادة الأحزاب السياسية وقواعدها جميعاً والمتصارعين سلبياً وأهل الفكر والرأي، وأناشدهم من أجل كل أم وطفل وكهل، ومن أجل كرامة الإنسان التي يهدرها الصراع الجاري، ومن أجل شهادة نبيّنا الإنسان في أهل اليمن، وأعلمكم أن ما يريده أهل الحكمة والإيمان بالإضافة إلى ما سلف ذكره الأمور الآتية: - إعلان وقف الحرب المدمّرة التي تزهق أرواح أبنائنا وتريق دماءهم الطاهرة وتدمّر النفوس، ووحدة الأرض والإنسان وكل مكتسبات اليمن وستدفع ثمنها أجيال متعدّدة، مع الإعلان الصادق بالعودة إلى ثقافة الحوار الحضاري. - العمل السريع على الاتفاق لتشكيل نواة لجيش وطني نضمن معه حلولهم محل المتقاتلين في مناطق الصراع. - وقف تمزيق مكوّنات المجتمع اليمني بين مؤيّدين وصامتين أو مخالفين. - وقف التدهور في العلاقة بيننا وبين إخوتنا في المحيط العربي والإسلامي والإنساني، ودعوتهم من خلال الخطاب الذي يجسّد الحكمة اليمانية والفعل الذي يشجّعهم على القيام بواجباتهم الدينية والأخلاقية تجاه أهل الحكمة والإيمان، وتضمن تحقيق ما يريده اليمنيون من أجل سيادة العدالة. - وقف الخطاب التحريضي ممّن يُفترض أنهم صفوة المجتمع ضد بعضهم البعض والذي يتنافى مع القيم التي جاء بها رسولنا الإنسان ومع الطرق المفترضة لحماية سيادة العدالة. - البدء في حسم الخلاف حول مسوّدة الدستور الجديد، وليس الحوار على فكرة السّلطة، وحسم هذا الخلاف وفقاً لثقافة الهوية الواحدة؛ ولأن حسم هذا الاختلاف حول مسوّدة الدستور الجديد، حتماً سيحسم أي خلاف آخر حول سلطة الإنقاذ الذي ستتولّى إدارة شؤون البلاد، وستشرف على تنفيذ كافة استحقاقات المرحلة الانتقالية، وباعتبار أن التوافق على مسوّدة الدستور يعتبر الخطوة الأولى ومقدّمة ضرورية لتحقيق ما يريده اليمنيون في طريق ترسيخ سيادة القانون أي سيادة العدالة. - البدء في تفعيل الحوار المجتمعي حول مسوّدة الدستور الجديد؛ لأن بناء الدولة الجديدة التي ستحمي سيادة العدالة يبدأ فعلاً من خلال الدستور الجديد للبلاد، ولضمان النجاح في إيجاد هذه الوثيقة المهمّة من المهمّ أن تكون هنالك إرادة سياسية حقيقية وصادقة في الانفتاح على الآراء المخالفة وإرادة حقيقية في إكمال التحاور الجدّي لبلوغ التوافقات وتجنّب الأزمات، فمن المهمّ أن يكون مضمون مشروع الدستور نتاج مسار تفاوضي وتشاركي واسع. ختاماً؛ أوجّه هذا النداء إلى ضمير الخير في كل إنسان يمني وعربي ومسلم وكل إنسان، وأقول إننا جميعاً مسؤولون أمام الله والتاريخ عمّا يجري في بلدنا الغالي اليمن وعن دماء وأرواح أبنائه التي تزهق، وأدعوهم إلى المشاركة الفاعلة بالكلمة الصادقة من أجل تكوين رأي يجلي حقيقة ما يريده اليمنيون. ولأن اليقين الذي لا يدع مجالاً للشك في حالة صدقنا جميعاً في تحقيق الحماية لسيادة العدالة بالوسائل والأساليب المفترضة، فإن الحكمة اليمانية- بإذن الله - لن تؤكّد صدق شهادة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، في اليمنيين فحسب، وإنما ستشكّل البداية لإزالة التشوّهات في هويّة اليمني والعربي والمسلم، وستساعد على ردم الهوّة التي تتسع بين العرب والمسلمين، وبين المسلمين، وسنضمن معها حل الأزمة اليمنية وتحقيق التغيير المنشود الذي يحقّق سيادة العدالة والتقدّم الحضاري، وعدم العودة - مرة أخرى - إلى الوراء مضطرّين من أجل الثورة ضد الطغيان والظلم. [email protected]