أستبعد مستشار رئيس الجمهورية الثقافي الدكتور عبد العزيز المقالح, امكانية ممارسة فعل الحياة على أكمل وجه في ظل غياب مبدأ التسامح, وظهور معالمه لدى الأمم, الا في حال ارتقى أبناؤها أخلاقيا وعلميا. وقال الدكتور المقالح في رقة عرضها بافتتاح ندوة الثقافة وسؤال التسامح التي نظمتها مؤسسة الجمهورية للصحافة والنشر وجمعية النقد الأدبي اليوم الاربعاء في مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء : لا يكفي أن نمتدح التسامح أو نكبر من شانه وفي أعماقنا يرقد التعصب وفي سلوكنا تتجسد الضغائن والفظاظة, منوها بما يزخر به القران الكريم من تعابير تدعو إلى الرفق والتسامح والى تليين الخطاب حتى مع الطغاة . وأضاف المقالح : وليس من شك في أن الأتقى والانقى هو كل من يعمل الخير ويتقي به كل الأحقاد التي تمتلئ بها النفوس الجاحدة المتعصبة تلك التي لا ترى وجودها إلا في غياب الآخر ولا سعادتها إلا في شقائه... مؤكدا ان ثقافة التسامح لم تعد اليوم هدفاً أخلاقياً ودعوة نبيلة ،بل أصبحت ضرورة يقتضيها الشعور بالبقاء. وتابع المقالح بقوله : نحن اليوم أحوج ما نكون فيه قبل الأكل والشرب إلى التسامح ، حتى لا ننقرض وتنقرض معنا ما نتباهى به من كلمة وحضارة قديمة و أحلام بالثورة والديمقراطية والحرية والوحدة والتسامح الذي نتحدث عنه اليوم . اردف قائلا : التسامح المطلوب هو لنا نحن اليمنيين أولا ولأشقائنا العرب والمسلمين ثانيا وللإنسانية جمعاء ، مع التأكيد أنه ليس مع المحتلين والغاصبين الذين احتلوا أرضا عربية وشردوا أهلها ودمروا وما يزالون يدمرون كل ما تبقى . واستطرد بالقول : التسامح ليس قميصا فضفاضا وإنما هو مبدأ يقوم على احترام الآخر الذي تختلف معه في وجهات النظر لصالح الوطن والأمة . والآخر هو أنا وأنت ،قد يكون الآخر اليوم خارج السلطة ،ولكنه سيكون داخل السلطة غدا ومحاولة إقصائه تبرر له غدا إقصاء من يحاول اليوم إقصاءه ". واشار الى ان "الإقصاء المتبادل من أبناء الوطن الواحد لا يحقق إلا الحقد والكراهية وتبديد الطاقات ،فيما لا يعود على أحد بأي نفع يذكر, مؤكدا بقوله " يلاحظ أن فكرة الإلغاء – كما تأتي من فراع وتصدر عن مزاج شخصي فإنها تأتي من مواقف يشيعها الجهل بروح الدين والهبوط بقيم الوطنية وصلبها على مشانق الكراهية والعصبوية والمذهبية والطائفية ، ومحاربة هذه الأمراض لا تكون بمحاربة الأشخاص وإنما بمحاربة أسبابها ومصادر تكونها وإشاعة المحبة والمواطنة المتساوية والتركيز على ثقافة التسامح وإدانة ما من شانه التمكين لمحاولات الإقصاء والإلغاء". وأعتبر الدكتور المقالح الميل الى التعصب من اخطر المشكلات التي تواجه العرب والمسلمين والبشر في هذه اللحظة من تاريخ الوجود الإنساني على وجه الأرض , موضحا ان أفعال البعض بدأت تتسم بالتطرف و رفض الآخر حتى لو كان أخا أو جار أو زميل, فضلا عن ذلك الآخر البعيد والمختلف, وهي حالة خلقتها السياسة وليس العقيدة . واكد المقالح أن غياب التسامح السياسي يعد اخطر ما يعاني منه العالم وذلك لعلاقة السياسي بالسلطة ولنزعة الاستئثار التي يتربص بها وما يترتب علي تلك النزعة اللانسانية من صراعات تصل أحيانا في الوطن العربي خاصة إلى مذابح وكوارث لا مثيل لها . واستدرك المقالح بالقول : ما أروع ما نتواصل مع قراننا وان نداوم على قراءة آيات التسامح وان نطيل التأمل في معناها وان نجعلها تترسب في أعماق الوجدان لكي تتحول إلى مواقف والى فعل يمنع التصرفات المنافية لإنسانية الإنسان وللسلوك البشري الرفيع . ولفت الى أن التسامح هو البديل الوحيد عن الانقراض وبدون الحوار وهو من مفردات التسامح ستكون الحياة على هذه الأرض مستحيلة . وكانت الندوة التي أدارها رئيس جمعية النقد الأدبي الدكتور عادل الشجاع قد استعرضت عدد من الأوراق المقدمة من كل من عبد الباري طاهر والدكتور عبدالكريم قاسم والدكتور احمد عقبات وسلطان عزعزي والحبيب الصلوي محمد شمسان وعبدالعزيز البغدادي وآخرين, اكدت جميعها ان مبدأ التسامح أسلوب حياة ومنطلق رقي ومنهج تطور وسبيل تعايش ونافذة ضوء إلى غد مشرق بالسلام والمحبة والنماء الحضاري. كما أثريت عناوين ومحاور الندوة بمداخلات عدد من الحضور منهم الباحث والشاعر محمد عبد السلام منصور والدكتور خالد الثور وغيرهم . وفي ختام الندوة قال الدكتور عادل الشجاع أنه سيتم تقديم أرواق العمل هذه لعقد مؤتمر تحت هذا العنوان في مدينة عدن, داعيا المختصين والمهتمين والباحثين إلى التفاعل في التحضير للمؤتمر الذي سيكون شاملا متجاوزا ما عجزت الندوة عن الإلمام به ومناقشته حق مناقشته .