- ياسين الزكري أطلق مجهولون النار على وزير الصناعة اللبناني بيار أمين الجميل في بيروت يوم الثلاثاء عندما كان داخل سيارته في أحد الأحياء المسيحية، حيث نقل إلى المستشفى ولكن لم تفلح محاولات إنقاذه. وجاءت عملية الاغتيال وسط أزمة سياسية تمر بها لبنان في أعقاب استقالة ستة وزراء من الحكومة، كما تزامنت عملية الاغتيال مع إقرار مجلس الأمن خططاً لتشكيل محكمة دولية خاصة لمحاكمة المتهمين بقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. يعد الوزير اللبناني المغتال بيار الجميل سليلاً للعائلة اللبنانية المسيحية الأكثر عراقة في العمل السياسي، فهو ابن رئيس الجمهورية اللبناني السابق أمين الجميل، أما عمه فهو رئيس الجمهورية اللبناني الراحل بشير الجميل، والذي تم اغتياله في عام 1982، وحفيد الشيخ بيار الجميل، السياسي البارز ومؤسس حزب الكتائب اللبناني. ويعتبر حزب الكتائب ممثلاً لليمين المسيحي الماروني اللبناني، حيث لعب دوراً رئيساً في الحرب الأهلية الدموية التي عصفت بلبنان خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وللكتائب إرث سياسي مثير للجدل، حيث تحالف مع إسرائيل خلال اجتياح لبنان، ودخل في صراع مرير لكي تبقى المارونية المسيحية مهيمنة على الساحة السياسية اللبنانية. لكن الضربة الكبرى التي وُجّهت للحزب كانت في عام 1982 عندما اغتيل الوريث الكاريزمي للشيخ بيار الجميل على قيادة الحزب بشير الجميل، وذلك في فترة وجيزة من انتخابه رئيساً للجمهورية اللبنانية. وقد خلف بشير في رئاسة الجمهورية أخيه أمين، (والد الوزير المغتال)، ليقع الحزب تحت النفوذ السوري حينذاك. وفي نهاية ولايته الرئاسية عام 1988، اختار أمين الجميل أن يذهب هو وعائلته بما فيهم بيار إلى المنفى الاختياري، وذلك على أمل أن يساعد منفاه الاختياري على حل الخلافات التي كانت قائمة بين الفرق السياسية اللبنانية آنذاك. وعاد أمين إلى لبنان عام 2000 وفي نفس العام بدأ ابنه الراحل بيار عمله السياسي، ودخل البرلمان على أرضية عدائه للوجود السوري. بيار المولود في بكفيا في الثالث والعشرين من سبتمبر/أيلول عام 1972، بدأ حياته السياسية عام 2000 بدخوله البرلمان اللبناني، ليصبح أصغر نائب في البرلمان اللبناني، وقد أعيد انتخابه عام 2005 ليختاره رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة وزيراً للصناعة. الجُميّل الابن الذي تلقى علومه في مدارس الفرير الفرنسية ثم أكمل تعليمه الجامعي في جامعة الحكمة، حيث نال منها إجازة في الحقوق، ينتمي سياسياً إلى تكتل ال14 من مارس / آذار. حادثة الاغتيال أعادت إلى أذهان اللبنانيين صورة لمشهد رأوه ظهيرة ال14 من فبراير شباط 2005م والذي هز لبنان وغيّر مجرى الحياة السياسية لتظهر تحالفات أخرى على حساب تحالفات سابقة. بيروت حاضرة الثقافة العربية التي ما فتئت تلملم جراحها تعود اليوم إلى ذاكرتها الحزينة مأزومة سياسياً ومفتوحة على الانتشارات الأمنية ودوريات الجيش لتقف على حافة جديد ضبابي بعد ثورة الشارع إثر الاغتيال الذي بدأ فيه السخط يتجه صوب العماد ميشيل عون الذي كان بذل جهوداً مكثفة منذ عودته من منفاه الباريسي كي يعود إلى واجهة الفعل السياسي الذي يعتمل في لبنان ما بعد الحريري. سعد الحريري الذي يترأس تيار المستقبل (الأغلبية النيابية) كان كشف عن مبادرة قام بها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة تقضي بألا تعطي الأقلية الثلث المعطل، وفي الوقت نفسه لا تحصل الأكثرية على الثلثين.. مقترحاً وجود وزراء مستقلين يتعهدون بعدم الاستقالة من الحكومة.. وقال في مؤتمره الصحفي: إن لبنان على مفترق طرق، وأن هناك «جهداً يبذل لتطويق التصعيد كسبيل بهدف خرق الجدار السياسي المسدود الذي تصطدم فيه البلاد». كان ذلك قبل دقائق فقط من تلقيه نبأ الاغتيال الذي أُبلغ به في ذات الأثناء ليغدو الكلام السابق شأناً من الماضي، أو هذا ما تبين حين عمد الحريري إلى تعليق المؤتمر الصحفي لتبدأ نوبة الاتهامات والاتهامات المضادة، وليزداد الطريق ظلمة وحلكة، وليصبح الحل الذي كان ربما في المتناول لم يعد بمقدور الحوار السابق بلوغ نهايتها من ذات الطاولة التي قادت نصر الله لإعلان الاستعداد لإسقاط الحكومة عن طريق الشارع الذي تُراهن حكومة الأكثرية عليه أيضاً.