شيع عشرات آلاف اللبنانيين وزير الصناعة بيير الجميل أحد قادة قوى 14 آذار المناهضة لدمشق والذي اغتيل برصاص مجهول الثلاثاء الماضي .ومنذ ساعات الصباح الأولى وقبل ثلاث ساعات من بدء مراسم التشييع، احتشد آلاف اللبنانيين في ساحة الشهداء. وغصت كاتدرائية مار جرجس التي ستشهد مراسم التشييع بالقوى الحكومية اللبنانية والقوى السياسية، وشارك في التشييع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الذي ينظر إليه على أنه وسيط بين الأطراف السياسية اللبنانية ودمشق أكثر من كونه طرفاً في الصراع، كما حضر التشييع وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى. وكان موكب الجنازة قد انطلق في وقت سابق من مسقط رأس بيير الجميل في بكفيا إلى ساحة الشهداء في بيروت.وانتشر الآلاف من أفراد الجيش والشرطة في العاصمة وتوقفت مظاهر العمل، مع إغلاق المتاجر والمدارس والمصارف والمكاتب الحكومية للسماح للجماهير بالمشاركة في الجنازة.وفيما يتعلق بالجهة المسؤولة عن حادثة الاغتيال حمل الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل والد بيير ما أسماه الطابور الخامس في لبنان هذه المسؤولية. من جانبه أعلن وزير الداخلية اللبناني أحمد فتفت أن التحقيق في اغتيال الحريري يتخذ منحى مختلفاً عن "الجرائم" السابقة. على صعيد آخر، وافق مجلس الامن الدولي على ان تقدم لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الاسبق رفيق الحريري, مساعدة تقنية في التحقيق في جريمة اغتيال الجميل، واتخذ مجلس الامن هذا القرار على إثر رسالة من الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان الذي تسلم من رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة طلب "مساعدة تقنية من الامم المتحدة للتحقيق في جريمة اغتيال الجميل". واعلن المجلس في رسالة الى عنان انه "مصمم على دعم الحكومة اللبنانية في جهودها لإحالة منفذي ومنظمي وداعمي اغتيال بيير الجميل وعمليات الاغتيال الاخرى على القضاء. من جانب آخر، كشف رئيس تيار "المستقبل" في لبنان سعد الحريري عن معلومات لديه تفيد أن قتلة الوزير بيار الجميل فتحوا باب سيارته للتأكد من موته بإطلاق النار عليه. وأكد ان المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة المتهمين باغتيال والده سيتم انشاؤها على الرغم من كل محاولات عرقلتها. بيير دفع ضريبة إحياء إرث عائلة الجميل يندرج وزير الصناعة اللبناني بيير أمين الجميل ضمن الجيل الثالث من سلالة آل الجميل، وهي واحدة من البيوت السياسية الرئيسة في لبنان وضمن طائفته المارونية. فهو ابن أمين الجميل رئيس الجمهورية الأسبق بين العامين 1982 و1986 وابن شقيق بشير الجميل رئيس الجمهورية الأسبق المثير للجدل الذي قتل بعد 21 يوماً من انتخابه عام 1982 وهو كذلك حفيد بيير الجميل مؤسس حزب الكتائب اليميني في ثلاثينيات القرن الماضي والوزير والنائب لعدة مرات. دخول البرلمان وقد لفت هذا المحامي الشاب الأنظار عندما دخل البرلمان عام 2000 وله من العمر 28 عاماً بعد فوز لافت بالمقعد الماروني عن دائرة عائلة آل الجميل التقليدية في منطقة المتن الشمالي الواقعة بجبل لبنان الأوسط. وكان دخول الجميل الحفيد إلى البرلمان وقتها إيذانا بدخول الجيل الثالث من عائلة الجميل غمار السياسة اللبنانية مستفيداً من عودة والده من المنفى الذي لجأ إليه بعد أن آلت الأمور في لبنان أواخر ثمانينيات القرن الماضي إلى خصومه المحليين والإقليميين. وجاءت الانتخابات التالية عام 2005 لتؤكد أن مكانة آل الجميل بين مسيحيي الجبل باقية عبر بيير الحفيد. حيث تمكن بيير أمين الجميل وقتها من تسجيل خرق للاجتياح الانتخابي الذي قام به العماد ميشال عون وتياره لأصوات المسيحيين في منطقتي المتن وكسروان. وداخل حزب الكتائب الذي فتكت به الانشقاقات كان بيير امتدادا لنهج والده التوفيقي حيث ترأس ما يعرف بالحركة الإصلاحية الكتائبية، مخالفاً بذلك نهج شقيقه الأصغر سامي الذي انخرط في السياسة بدوره مؤسسا لحركة يمينية مستقلة. بهذا المعنى أحيى بيير الجميل إرث عائلة الجميل السياسي وأعادهم إلى واجهة الزعامة المارونية في معقلهم التقليدي وسط نذر تغيير بنيوي تشهدها هذه الطائفة بوجود تيار العماد عون. الاغتيال غير أن الاغتيال وإن جاء جزءاً من ضريبة تواصل هذه العائلة دفعها, فقد قطع الطريق أمام بيير ليظهر ما لديه من مشاريع وأفكار.فبيير الحفيد هو رابع قتيل يسقط من هذه العائلة بعد ابن عمته أمين أسود (1967) وعمه بشير (1982) وابنة عمه مايا (1980) التي قتلت في عملية استهدفت أباها. إلا أن قتله وهو في الرابعة والثلاثين لا يشبه في شيء قتل عمه بشير الذي قضى وهو في ذات العمر، فيما بدا أن اغتيال بيير هو اختيار عرضي لشخصية لبنانية (وليس مارونية بالضرورة) في لحظة احتقان وطني وطائفي, كان عمه صاحب مشروع سياسي قضى عليه من فرط ما كان متجاوزاً لكل المعايير المحلية والإقليمية والدولية ربما.