- تحقيق عبدالواحد سيف . . سبع عشرة مديرية هي مديريات محافظة شبوة مازالت تتوزعها معاصر السمسم البدائية ،أما في قلب مدينة عتق عاصمة المحافظة ،فإن«70» معصرة لاتزال تفرض حضورها حتى الآن. في قلب مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة تتناثر معاصر السمسم البدائية أو الدهن بلهجة البدو الذي نطلق عليه سليط الجلجل ،وتشكل هذه المادة الطبيعية شيئاً أساسياً لايمكن أن تستغني عنه أي أسرة خصوصاً وأن الأبقار«المصدر الأساسي للسمن البلدي لاتوجد البتة ،ولاتستطع أن تتلاءم مع التضاريس الصحراوية ،ولاتقتصر هذه المعاصر على مدينة عتق فحسب ،بل لاتكاد تخلو منها مديريات المحافظة السبعة عشرة وإن كان معظمهم مازالوا يعصرون جلجلهم بالجمال ،ومع انتشار زراعة السمسم على امتداد المساحات الشاسعة فإن محافظة شبوة تعد الأولى في انتاجه وجودته واستعصاره وإن كانت تستورد كميات محدودة من محافظة أبين وتهامة واثيوبيا فإن ذلك يعود إلى ارتفاع استهلاك الناس له لماله من فوائد جمة لاتعد ولاتحصى أهمها على سبيل المثال خلوه من مادة الكلسترول التي تزخر بها الزيوت التجارية الأخرى. قمنا بتسليط الضوء على اسرار هذه المهنة ،ونشأتها وتطورها مردودها من افواه العصارين. وراثة عن الاجداد الأخ/علي محمد بكران مديحن من مديرية مرخة السفلى بدأ حديثه بالقول: هذه المهنة ورثناها عن الاجداد ولا استطيع أن أتذكر التاريخ الذي نشأت فيه ،لكنني ولدت فيها وكذلك والدي وجدي الذي كان يعمل في معصرة جلجل بعدن السيلة ابان الاستعمار البريطاني حيث انتقلت معه إلى شبوه ،والبداية كانت بالجمال التي تتولى مهمة العصر حتى وقت قريب عندما ابتكر أحد أصدقائنا عصارة السمسم الكهربائية وإن كانت لازالت بدائية وقليلة في انتاجها لكنها أفضل من الاعتماد على الجمال ،لكنني أود أن اشير هنا إلى أن الكثيرين لايرغبون سوى بما تعصره الجمال لكونه أكثر مذاقاً وحلاوة وطعماً وتلذذاً مما تنتجه الماكينة الكهربائية ،ومع كل رجاءات الناس لنا بالعودة إلى الطريقة القديمة إلا أننا أصررنا على الحداثة التي اختصرت الزمن وضاعفت الكمية المنتجة ،وأضاف قائلاً: قديماً وفي عهد جدي كان الناس يأكلون التخ أوالعصار الذي يخرج منه الزيت ويستخدم حالياً للحيوانات.. لأن المجاعة جعلت البشر هنا يتزاحمون عليه ويستمر الزحام حتى وقت متأخر من الليل ،لكن الآن والحمدلله أصبحت كل الأشياء متوفرة ،والخيرات تتدفق من كل الجوانب ،وهذا جعل الكثير منا حتى وقت قريب قبل بضعة سنوات بعتمد على هذه المهنة اعتماداً كلياً ونعول بها أسراً طويلة عريضة ،لكن الآن وبعد أن بلغ سعر كيس الجلجل احد عشر ألف ريال ونصف ،وتجاوز حدود الاسعار المعقولة بأضعاف ،فالدخل أضحى محدوداً والاقبال كذلك محدود العدد ،وهذا شجع الكثير منا على التنازل عن هذه المهنة والانخراط في متاهات الاغتراب ،وعندما سألته عن أجود انواع الجلجل أجاب مفسراً: طبعاً محافظة شبوة تنتشر على اديمها اشجار الجلجل خصوصاً في مديريات مرخة وبيحان ونصاب واطراف عتق بالاضافة إلى ماتمدنا به أبين وتهامة ومانستورده من اثيوبيا الحبشة ،ومن بين كل هذه الانواع تتوزع الجودة التي تتناسب طردياً مع السعر على النحو التالي: مرخة ويأتي جودة جلجلها في المقدمة ويصل سعر الدبة سعة أربعة لترات «4000»ريال ويجاريها في السعر جلجل بيحان وبقية مديريات شبوة. أما بالنسبة للخارجي أقصد الاثيوبي فإن سعره يصل بالكاد إلى نصف السعر للجلجل البلدي ،وبذلك يوزع الدهن إلى درجتين وثلاث درجات احياناً.. واختتم حديثة بالقول: إن مايعوضنا أو يتفادى قليلاً من خسارتنا هو العصارة المستخلصة من الجلجل والتي تستخدم لإطعام الحيوانات ،ويصل سعر الكيس الواحد في أيام الجفاف إلى ألفين وخمسمائة ريال ،بينما يصل سعره في أيام الامطار الغزيرة إلى ألف وثمانمائة ريال ،لكن الخسارة أوالربح القليل الذي نجتنيه لايمكن أبداً أن يثنينا عن مواصلة مهنة ابائنا واجدادنا ،ولايمكن أن يجعلنا نهجر المادة الطبيعية الغنية بالفوائد الكثيرة والتي تستخدم مع المعصوبة«العصيدة» والملوح والدواء كترطيب الحلق بالاضافة إلى أنه يستخدم كدهن للأجسام والشعر وهو من أكثر الهدايا التي يتداولها أبناء المحافظة سواء على مستوى اليمن أوعلى مستوى دول الخليج ،كذلك يستخدم للأطفال حيث يخلط مع الحليب كونه يقيهم من الكثير من الامراض. الخبرة تزيد الانتاج الأخ/سلطان محمد عبدالله أبوشنيب.. ابتدأ حديثه شارحاً تركيب الماكنة الحديثة: البداية كانت المعاصر بالجمال ،وهذه بالطبع المرحلة الأولى ،أما الآن فتكوينها يتكون من الآتي: المعصرة عبارة عن عود خشبي كبير أو بالأصح عبارة عن ساق شجرة ضخمة يجوف بمهارة فنية وهناك مبدعون متخصصون في هذا المجال ويكون التجويف بشكل مخروطي يتسع في الاسفل ولابد أن يكون هناك ميول في التجويف حتى يتم استخراج الدهن باسلوب دقيق ويبقى العصار جانباً ومنفصلاً عنه ،ولايتأتى ذلك إلا بمتابعة الدوران ،واضافة الماء أسفل حبات الجلجل حتى يسهل عصره وبمقادير معينة ،ثم يضاف الماء فوق الجلجل بكمية ضعف الكمية التي وضعت أسفله ويستمر العصر من ساعة إلى ساعة ونصف ،وهناك بعض المعاصر ذات السعة الأكبر تأخذ في العصرة الواحدة ساعتين ويخرج منها حوالي ستة كيلو من الدهن بل وأكثر من ذلك قد يصل إلى سبعة كيلو ،ويتم استخراج العصار بواسطة سيخ حديدي يشبه عكازاً معقوفاً «سبرة» وأضاف قائلاً: إن العمل على هذه المعاصر يعد صعباً على كل مبتدىء ،ولكن مع أننا قد رضعنا هذه المهنة فإننا نتعامل معها كأصدقاء حميمين رغم دقتها مع أن مظهر المعصرة الخارجي يوحي ببساطتها وسهولتها إلا أنها في حقيقة الأمر معقدة ،وإذا لم يكن الشخص مختبراً ممارساً للمهنة فإن فضلات الجلجل تزيد على دهنه ويذهب الربح هباءً في مهب التعب ،ومن المكونات للمعصرة هذه الثقالة التي تزيد من هرس الحبوب واستحلابها ،وإذا زاد الثقل أكثر فإنه يفسد كل شيء كما قال المثل«إذا زاد الشيء على حده انقلب إلى ضده» فهو إما أن يحرق الدهن أويخلط الدهن مع العصار ويتحول إلى نيس لاهو بدهن ولا هو بعصار أما إذا كانت المقادير المائية عشوائىة فإنه يتسبب بذلك ،وتختلف المعاصر من حيث استيعابها فبعضها يأخذ عشرين كيلو من الجلجل والبعض خمسة عشر كيلو والبعض الآخر عشرة كيلو والمقاييس متفاوتة وأضاف في سياق حديثه: بعد مرحلة الجمال جاء: الدينامو والديفرشن وعجلة كبيرة بالاضافة إلى الاكياس الثقالة وجاء هذا التصميم من عدن وهو يعمل على الكهرباء بعد أن كان يعمل على الديزل ،وظهر حديثاً ومنذ عام فقط تصميم جديد ومتقن بحيث لاتدور هذه الثقالة وإنما يدور الجذع المجوف ولكن هذا التصميم مازال بكميات محدودة لأشخاص محدودين لايتجاوزون الاثنين مع أن مبتكرها أحد أقاربنا ويعيش في أبين واسمه عبدالله سالم بكران ومع ابتكاره هذا فإنه لم يلاق أي تحفيز أوتشجيع لعدم الاهتمام بهذا الجانب مع أنه وفر التكلفة والمساحة والخفة و التقنية ،وعندما سألناه عن عدد المعاصر في عتق أجاب: معاصر الجلجل منتشرة في كل مديريات شبوة كبيحان وغيرها ،ويصل عدد المعاصر في عتق إلى حوالي «90» معصرة ويصل انتاج المعصرة الواحدة في اليوم إلى خمسة عشر رطلاً ،وتصل اجرة العامل إلى ثمانين ريال في العصرة الواحدة وكل واحد وشطارته مع التكفل بأكله وشربه ،لكن مع غلاء المعيشة صرنا نعمل بأيدينا خصوصاً مع زيادة العرض وقلة الطلب وأضاف: مواسم الجلجل في السنة «موسمان ربيع وخريف» ويختلف مذاقهما حيث يشكل الأول أكثر مذاقاً من موسم الخريف إلا في منطقة أبين يكون العكس فمذاق الخريف أجود وأحلى من مذاق الربيع ،وتنفرد مديرية مرخة بكل شيء.. معاصرها الكثيرة وجودة جلجلها واشتغال أغلب أهلها بهذه المهنة.