قبل سنوات مضت كانت زبيد فيها معصرة وتعتبر المنصورية- المراوعة الحسينية- الحديدة- حيس أبرز المناطق تميزاً في صناعة الزيوت التقليدية «معاصر الجلجل» إحدى المهن العريقة والمتأصلة ولكن اليوم أضحت هذه المهنة مهددة بالانقراض وربما زوالها آجلاً أم عاجلاً.. هل تصمد هذه المعاصر أم أنها تصبح مجرد صورة للذكرى؟ ف «حب» السمسم «الجلجل» يتحول إلى زيت طبيعي نقي خالٍ من المواد الحافظة ويستخدم في تحضير المأكولات ويقدم أحياناً كوجبة للضيوف والناس يتسابقون ويتفاخرون: بشرائه.. فما أوضاع وواقع هذه الصنعة التقليدية لإنتاج أجود الزيوت الطبيعية الخالية من الكسترول هذا كله بالاستطلاع الآتي: مديرية المراوعة مصنع لإنتاج الزيوت، وتشتهر منطقة الحسينية- مديرية بيت الفقيه- بمعاصر الجلجل.. لا يوجد مصدر تاريخي يؤرخ فترة ظهورها بالضبط.. هاأنا أقف أمام معصرة بمدينة حيس في حالة تعجب على دوران جمل المعصرة بشكل دائري حول المعصرة المصنوعة من حجر الحبش الأسود في استخلاص عصارة النبات.. ما أدهشني اكتشاف جودة ودقة ومهارة التصنيع لأجود الزيوت الطبيعية الخالية من الكسترول والتي عادة ما يتم في عملية استخراج الزيوت تغطية عيني الجمل بحيث يتركز نظره على الأرض ويعتقد بأنه يقطع مسافة طويلة ولا يتنبه إلى دورانه حول المعصرة، بينما يتم شد وثاقه بقطعة خشبية متصلة في أخرها بقطعة حجرية كبيرة يتم تصنيعها محلياً لهذا الغرض وتشبه في شكلها وطريقة عملها «الرحى» ينبثق منه مكان لإدخال النبات وأخر للزيت المستخرج منه. نكهة!! ولكن مع ظهور المصانع الحديثة للزيوت، تراجع إقبال الناس على الزيوت «الجلجل» مما أدى إلى اختفاء وإغلاق معاصر «الجلجل». أما الاهتمام بهذه المعاصر لم يتجاوز كونها موروثاً يجب الحفاظ عليه أو من أجل الذكرى وأخذ الصور مع السياح لجمل المعصرة. حكى لنا الأخ/ شريف سعيد صاحب معصرة في الحسينية في بيت الفقيه بصوت خشن ونظرة حزينة من التذمر والاستياء الشديدين قائلاً: نحن نمشي على بركة الله وصلت ذات مرة لمرحلة الإحباط وفكرت بإغلاق المعصرة، بصراحة ركود والعمل عندنا موسمي احياناً يكون هناك طلب كبير، ولكن انحسر الإقبال علينا ونخاف من القادم. ويشكو الكثير من عصاري عروس البحر الأحمر من ركود السوق، العصارون يشكون من ارتفاع سعر محصول السمسم نظراً لارتفاع أسعار «الديزل» والذي أعاق المزارعين عن زراعة هذا المحصول كما قال المزارع غالب عميرة من زبيد. وقد بلغ سعر «القدح» السمسم ب300 ريال بينما سعر اللتر الواحد من منتج الزيت بلغ 700 للتر الواحد وهذا ما أدى إلى تردي المنتج وعدم الإقبال عليها في السوق المحلية. ومما يعاني منه العصارون ارتفاع سعر الجمال التي يعتمدون عليها في صناعة الزيت فإذا مات البعير «الجمل» توقفت المعصرة فلا يمكن للعصار شراء بعير غيره لأن قيمة الجمل تجاوزت مائة ألف والعصارون بحاجة إلى جمعية تحمي مهنتهم من عملية الانقراض. أسرار المهنة! في السوق لا توجد معاصر كثيرة تعمل بالكهرباء إلا في شارع صنعاء- فالاعتماد دائماً على البعير لأن الكهرباء يصعب التحكم فيها وتؤدي أحياناً إلى فساد المنتج وفقدانه نكهته التي ينفرد بها عن غيره من الزيوت، فالجمل بطيء في حركته أثناء العمل ولكن منتجه رائعاً ومتميزاً، الطعم والرئحة والنكهة الخاصة هي ما يميز منتج الحسينيه، فالجمل يعطي المنتج مذاقاً فريداً ورائحة مفضلة من قبل المستهلك الذي يدقق كثيراً في مواصفات السلعة. دعوة إن هذه المعاصر تدعونا بضرورة المحافظة على بقائها كجزء من مكونات النسيج الحضاري والتاريخي والسؤال يطرح نفسه :ماهي الوسائل والمعالجات للحفاظ على هذه المعاصر؟!