عادل الصلوي- اليمن اليوم .. مشادة كلامية سرعان ما تحولت إلى اشتباك مسلح أثار هلع المارة وذعرهم فيما كان أفراد دورية أمنية يهرولون بالاتجاه المعاكس لموقع الحادث تحاشيا للأعيرة النارية العشوائية التي تبادلها مسلحون من على متن سيارتين تمكنتا من الفرار مخلفة ورائهما زوبعة من رعب . .الحادث شهده احد الشوارع الرئيسية بالعاصمة صنعاء قبل أيام لكنة بدأ كإسقاط سلبي متكرر لواحدة من أبرز الظواهر الاجتماعية المرتبطة بثقافة حمل وحيازة السلاح في اليمن والتي ظهرت خلال العشر سنوات الماضية بشكل ملفت ودرج على تسميتها بظاهرة " المرافقين المسلحين " والذين يشكلون عادة مظهر ا مكملا لديكور الوجاهة والنفوذ والقوة التي تحرص كبار الشخصيات السياسية والعسكرية والوجاهات القبلية على إبرازها كمظهر معبر عن الوجاهة والسلطة وكاحتراز أمني للحماية الشخصية . المرافقون المسلحون تشير الإحصائيات الأمنية الرسمية إلى وجود ما يزيد عن (45-50 إلف )مرافق مسلح يتبعون كبار الشخصيات السياسية والعسكرية والقبلية في اليمن وان ما يقدر ب 70% من هؤلاء يحصلون على أجور شهرية منتظمة من المؤسستين الأمنية والعسكرية بمن في ذلك مرافقي الشخصيات القبلية والمشائخ ووفقا للسجلات الجنائية اليمنية فقد شهد العامان المنصرمان ما يزيد عن " 186" جريمة جنائية تتفاوت بين القتل والسطو المسلح والتهجم قام بها مسلحون يتبعون شخصيات قبلية ووجاهات اجتماعية حيث يتخذ الجناة من نفوذ مخدوميهم وسيلة للتخفي والتملص من قبضة السلطات الأمنية التي عادة ما تضطر للدخول في مفاوضات مع الآخرين لإقناعهم بتسليم مرافقيهم المتورطين في جرائم جنائية ولم تتمكن المحاولات الحكومية المتكررة في الحد من الإفرازات السلبية لظاهرة " المرافقين المسلحين" على أمن واستقرار العامة أو حتى إحاطتها بضوابط قانونية منظمة يكون من شأنها التخفيف من المشاكل والقلاقل الأمنية التي يسببها هذا النوع من الحراسات الشخصية وبخاصة "البودى جارد" القبلي الذي لا يرتبط بمؤسسات أمنية وإنما يكون حقا مكتسبا للوجاهات القبلية التي تقوم باختيارهم وإلحاقهم بخدمتها من أوساط العناصر القبلية المقربة القادرة على الاستخدام المتقن للسلاح دون مراعاة اكتسابهم للحد الأدنى من أدبيات التعامل الأمثل مع الآخرين. ويرجع المقدم احمد الأشول والذي يعمل رئيسا لأحد أقسام الشرطة بالعاصمة صنعاء ارتفاع معدل الجرائم التي ترتكب من قبل المرافقين المسلحين خلال السنوات الخمس الماضية إلى جملة من الأسباب لخصها بالقول " من يقتل أو حتى يطلق النار في الأماكن العامة ويخالف القوانين السائدة وهو يعلم أن هناك من سيحميه أو يتستر عليه ويخفيه لن يتردد في فعل المزيد .. لدينا لوائح منظمة لقضية الحراسات أو المرافقين المسلحين لكنها للأسف لا تطبق .. كثير من المرافقين يحملون أسلحة غير مرخصة .. وهذا سبب آخر للتشجيع على ارتكاب الجريمة " مسئول في البحث الجنائي اليمني - فضل عدم الكشف عن هويته أكد من جهته في تصريحات ل "اليمن اليوم " أن الحراسات الشخصية المسلحة المرافقة للشخصيات والوجاهات القبلية هي الأكثر نزوحا صوب العنف وتورطا في ارتكاب الجرائم الجنائية قائلا في هذا الصدد "المرافقون المسلحون وبخاصة الذين يتبعون المشائخ والشخصيات القبلية هي الأكثر إثارة للمشاكل ..هؤلاء أعدادهم كبيرة جدا ومعظمهم ليسوا جنوداً لدى الدولة ولكن يقوم الشيخ أو الشخصية القبلية باختيارهم من بين أبناء منطقته وفي حال ارتكابهم لأي جريمة يلجأون إلى شيخهم لحمايتهم وإخفائهم والبعض من المشائخ فقط من يتعاون مع أجهزة الأمن ويقوم بتسليم المدان بارتكاب جريمة من مرافقيهم للسلطات. " ثقافة حمل السلاح وحيازته المتخصصون في علم الجريمة يرون بدورهم أن شيوع ظاهرة حمل وحيازة السلاح في أوساط المدنيين في اليمن وعدم وجود أجرءات حكومية جادة في مناهضة هذه الظاهرة يعد احد الأسباب الرئيسية لتحول مشهد التجوال بالأسلحة من قبل الأفراد أو الجماعات في الساحات والأماكن العامة منظرا مألوفا لدى السواد الأعظم من الناس الأمر الذي أسهم في تشجيع الظهور الملفت لظاهرة " الحراسات الشخصية المسلحة " ..ويرى الدكتور كمال الجماعي الأكاديمي اليمني المتخصص في علم الجريمة أن ظاهرة "المرافقين المسلحين " قد تحولت بالفعل إلى احد الأسباب المثيرة للقلق والتوجس في أوساط المعنيين بمناهضة الجريمة بمافي ذلك السلطات الرسمية المختصة ،مشيرا الى ذلك بالقول " هناك نظام حماية شخصية متعارف عليه في كل دول العالم ويعرف باسم " السكورتي " أو" البودي جارد " وهؤلاء يلتحقون بخدمة الشخصيات الاعتبارية والحكومية وكذا بعض الوجاهات الاجتماعية والاقتصادية المهمة وفق ضوابط قانونية يلتزمون بها بدءاً بالأسلحة المرخصة وانتهاء بطبيعة التحركات الأمنية المسموح بها ..أما لدينا في اليمن فهناك جيش من المسلحين معظمهم لا تعرف عنهم الدولة شيئاً ولا عن أسلحتهم وهؤلاء يمثلون " نظام حماية شخصية " لكن بدون أي ضوابط قانونية منظمة، لذلك تحولوا في اليمن إلى ما يشبه الظاهرة المزعجة المحامى اليمني عبد الرؤوف احمد سفيان يرى من جهته "أن من ابرز أسباب تفاقم إفرازات هذه الظاهرة غياب تشريع قانوني حازم ينظم ظاهرة حمل السلاح وبخاصة في المدن الرئيسية ويكون قادرا على فرض آليات ملزمة على الوجاهات القبلية التي تمارس ضغوطاً شديدة لعرقلة صدور مثل هذا القانون الذي لا يزال حبيس أدراج البرلمان اليمنى". مشايخ ووجاهات قبلية جرائم المرافقين المسلحين عادة ما تتسم بكونها الأكثر جرأة فمن إطلاق النار في وضح النهار الى اقتحام مسلح لمحلات تجارية ومصالح خاصة الى السطو تحت تهديد السلاح وهي ثلاثة أنماط من الجريمة ارتبطت في السجلات الأمنية اليمنية بوقائع برزت فيها " الظاهرة " كواحدة من أبرز سلبيات شيوع حمل وحيازة الأسلحة في البلاد وتواضع الإجراءات الحكومية في مواجهة هذه الظاهرة حيث ترجع تواضع الإجراءات المتخذة لضبط ظاهرة المرافقين المسلحين الى جملة من الأسباب تتمثل في وجود صعوبة حقيقية تواجهها الأجهزة الأمنية في ضبط من يدانون بجرائم ويكونون مرافقين لمشائخ أو لمسئولين في الدولة حيث تفضل بعض الوجاهات القبلية التستر على جرائم مرافقيهم وربما يقوم البعض بتهريب الجاني وللموضوعية فإن الدولة فرضت قبضتها في السنوات الأخيرة بمعني انه تم التعامل بصرامة في القضايا التي يتورط فيها مرافقون لأي شخصية كانت يطلب منه التعاون وتسليم الجاني فإن رفض يتم التعامل معه بصرامة اما ما يخص صعوبات الضبط فيلخصها احمد الاسعدي وهو باحث اكاديمي في علم الجريمة بالقول "اعتقد أن كون المرافقين أصلا مسلحين ويعتقدون ان لديهم ظهراً يحميهم يجعل أي شخص منهم يتم ملاحقته يتصرف بعنف واندفاع ولا يراعي أن هناك قوانين يجب أن تحترم ." دماء وضحايا ..وأرقام وبالرجوع إلى السجلات الأمنية اليمنية فإن العديد من الجرائم التي تم رصدها خلال العامين الماضيين وقدرت ب "186" جريمة تتفاوت بين القتل وإطلاق النار في أماكن عامة والتهجم والسطو المسلح قد تم رصدها ومن ابرز تلك الجرائم ما قام به عدد من المرافقين المسلحين الذين يتبعون شخصية قبلية مرموقة وواسعة النفوذ من عملية سطو مسلح لأحد المطاعم السياحية الكائن بحي "الجراف " بضواحي العاصمة صنعاء حيث داهم المسلحون في ساعة متأخرة من الليل المطعم قبل أن يشهروا أسلحتهم في وجوه عماله مطالبين بتسليمهم كافة الأموال المتواجدة في خزنه المحل " المغل " ألا أن نجاح بعض العمال في مباغتة المهاجمين وإشهارهم للسكاكين في وجوههم دفع بالأخيرين الى تفضيل الفرار، ذات الحي شهد مطلع العام الماضي جريمة قتل بشعة أقدم عليها مسلحون آخرون يتبعون شخصية قبلية أخرى حيث اقتحم المسلحون محلاً لبيع البقالة اعتاد مالكة السهر حتى وقت متأخر نظرا لكون المحل يقع على الطريق المؤدي لمطار صنعاء الدولي وهو ما يدفع بالكثير من المسافرين الى التوقف لشراء بعض المرطبات والحاجيات وبالرغم من أن مالك المحل عرض عليهم أن يأخذوا كل مافي غلته الا أنهم طلبوا منه الى جانب ذلك خنجراً تقليدياً كان الرجل يتقلده " جنبيه صيفاني " وهو ما دفع الرجل الى محاولة مقاومتهم ليتم قتلة من قبلهم قبل أن يلوذوا بالفرار باتجاه منزل شيخهم،الأمر الذي كاد أن يتحول الى حرب قبلية بين عشيرة القتيل والقبيلة التي يتزعمها ذلك الشيخ المتنفذ لولا تدخل السلطات الأمنية وإقناعها الأخير بتسليم القتلة للعدالة. بداية تحرك حكومي وزارة الداخلية بدأت مؤخرا اجراءت هي الأولي من نوعها تستهدف حصر اعداد المرافقين المسلحين سواء الذين يتبعون شخصيات قبلية أو مسئولين في الدولة حيث اكد مصدر مسئول بالوزارة أنه قد تم تشكيل لجنة من الجهات المعنية لحصر جميع الجنود المرافقين للمسئولين وغيرهم من الشخصيات الاجتماعية موضحا أن عملية الحصر تهدف إلى التحقق من أعداد المرافقين ومقارنتها بالبيانات الموجودة لدى الوزارة للتأكد من أعدادهم الحقيقية وإلغاء الأسماء الوهمية والمقيدة كمرافقين لبعض المسئولين . اتخاذ الداخلية اليمنية لمثل هذا الإجراء الذي وان لم يعن بقضية تقليص اعداد المرافقين المسلحين أو وضع الضوابط القانونية لتحركاتهم وكذا إلزامية حملهم لتراخيص رسمية بحمل السلاح ألا أنه وبحسب ما أكدته ل اليمن اليوم مصادر أمنية بالوزارة يعد بداية تدريجية لمعالجة الظاهرة بالقول " سيتم حصر اعدادهم في الوقت الراهن لأن اعدادهم أصلا غير معروفة،هناك الكثير من الأسماء الوهمية التي يجب الوقوف على حجمها واعدادها .. واعتقد أن العامين القادمين على أكثر تقدير سيشهدان اختفاءً تدريجيا للمظاهر المسلحة سواء في العاصمة صنعاء أو عواصم المحافظات الأخرى ".