- د. عمر عبد العزيز .. كثيراً مايثير مفهوم العلمانية الجدل واللغط في الأدبيات العربية، فالبعض يجيره على العلم منطلقا من الثورة العلمية الاوروبية التي اعتمدت المنطق البرهاني الجبري واستبعدت الميتافيزيقا .. وبهذاالمعنى تكون العلمانية عتبة أولى للإلحاد أو عدم الاعتراف بالدين . البعض الآخر قرأ المصطلح من مصادره معتبراً العلمانية مجيرة على العالم .. أي على تلك الرؤية التي تقول بتعدد الثقافات وتنوعها على قاعدة وحدة الانساق ضمن البنية المدنية للدول .. هنا نذهب إلى بعد آخر تماما حيث تكون العلمانية متباعدة عن الدين ولكن دون إلغاء حدي للدين ودوره في حياة الافراد .. وجل ما يفعله النظام العلماني هو الفصل بين الدين والدولة . من الناحية المنطقية كان لأوروبا أسبابها الخاصة في الفصل بين الدين والدولة خاصة وان الدين المسيحي الاكثر انتشارا هناك ليس دين تشريع بل توجيهات اخلاقية .. كما ان الكنيسة الاوروبية لعبت دورا سلبيا في أوروبا الاقطاعية عندما كانت بمثابة رأس حربة للقوى الرافضة للتطور وحتى العلم .. فالمعروف ان كنيسة القرون الوسطى في اوروبا حاكمت العلماء واعدمتهم ورفضت الابحاث العلمية باعتبارها تجديفا على القوانين الالهية . وبالنسبة للعالم الاسلامي تبدو المسألة مختلفة من الناحية التاريخية حيث ان الشريعة الاسلامية تنطوي على ابعاد حياتية تشريعية،كما ان المؤسسة الدينية الاسلامية لم تكن دوماً في صالح السلطة الغاشمة بل ناوأتها أحيانا مستبدلة فقه الطاعة بفقه المقاومة للحاكم الظالم .. كما انتشرت الادبيات الدينية الداعية الى الشورى والتعارف بين الامم والشعوب .. وهذا التعليم الاسلامي ينطوي على بعد عالمي واضح يتجاوز مفهوم الحوار الى مفهوم التعارف . والفرق بينهما ان المفهوم الاول يستقيم على تحاور طرفين متباينين . اما الثاني فيتوق الى تجاوز الحوار الى ماهو ابعد منه .. أي الى التماهي الكامل على أساس التعارف ،وهو الأمر الذي أكسب الاسلام بعداً عالميا لامجال لانكاره او تخطيه . بهذا المعنى يمكننا ملاحظة وجه التشابه بين العلمانية بمفهومها المجير على العالم، والاسلام بوصفه رسالة عالمية .. لكن ذلك لا يعني التطابق، فالعلمانية الاوروبية تستبعد الدين إجرائياً ومفهومياً معتبرة الدين امراً خاصا بالمجتمع لا الدولة فيما الاسلام ينطلق من ان الدين والدولة وجهان لعملة واحدة .. كما ان العلمانية المعاصرة تنطوي ضمناً على تسيد المشروع الامريكي العالمي بوصفه رأس الحربة لنتائج المذاهب المادية الجبرية وهذا يتقاطع سلباً مع أماني الدول الصغيرة وتوقها للانعتاق من هيمنة الكبار .. وفي هذا الباب تندرج البلدان الإسلامية . [email protected]