- د. عمر عبد العزيز .. اتفق الكبار في الكونجرس ومجلس الشيوخ منذ فترة على تكريس كونداليزا رايس وزيراً للخارجية الأمريكية، وكان الاتجاه العام في الكونجرس لصالحها استناداً إلى طبيعة التركيبة الحالية للمجلس، واندفاعه الملاحظ وراء مخططات الإدارة الخاصة بمكافحة الإرهاب عنواناً، وإيجاد خارطة جيوسياسية جديدة جوهراً. تتقمص كونداليزا رائيس دور المخلب الأكثر عجافة وإيذاء في إدارة المحافظين الجدد، من خلال تصريحاتها النارية ونزعتها الموصولة بفكرة الضرب المباشر وتأييد مركزية القوة الكاسحة. لقد أدلت بجملة من التصريحات قبل أن تصبح وزيراً للخارجية، والآن يتحدث الرافضون لها عن كونها نموذجاً أقصى للشراسة غير المبررة. خرجت رايس من تضاعيف المعاناة الإنسانية الأولى للزنوج، عندما كانت ستينيات القرن المنصرم في الولايات المتحدة تجيز التفرقة العنصرية بأشكال متعددة، غير أن كونداليزا ابنة الارستقراطية الزنجية وجدت مساحة للعيش في (منزلة بين المنزلتين) كما يقال، فيما اقتربت أكثر من النموذج الأبيض الأكثر استغراقاً في الأنا الجامحة، حتى إنها تعتبر (البيضاء الزنجية) تماماً كما هو حال بيل كلنتون في الطرف الآخر والموسوم بوصفه (الزنجي الأبيض) !! وما أبعد الفرق بين رايس وكلينتون. من المسميين يتضح الفارق الجوهري بين الزنجي الأبيض كلنتون، والبيضاء الزنجية رايس، فالأول عاش لثقافة الملونين، وتشرّب فضاءات البشر بأنواعهم المختلفة، فيما عاشت كونداليزا رايس زمن الارستقراطية المتغطرسة، وعزفت على آلة البيانو كعادة أبناء الذوات، وواصلت دراساتها العليا، ثم باشرت الاهتمام بالملف السوفيتي الذي كان الأكثر حيوية في الاهتمامات العالمية للولايات المتحدة، وهاهي الآن تباشر دور القائد العملي للسياسة الخارجية الأمريكية، وبإجازة ناجزة من أساطين المحافظين الجدد. من المؤكد أن الإدارة الأمريكية اختارت كونداليزا بعناية، وأدركت أنها الحصان المطلوب في الظروف الراهنة، لأنها تجمع بين الذكاء والاعتداد المتعجرف، بين التركيبة الزنجية جينياً، والبيضاء ثقافياً (نسبة إلى البيض الأقحاح) لا الأسوياء من عامة الناس في الولايات، كما أنها إلى ذلك تعيش وهم الدور الإلهي للكيان الأمريكي الذي يباشر مهمة تاريخية لصالح البشرية جمعاء!!. تلك النزعة التوراتية تتقمصها رايس كغيرها من ترويكا القوة الكاسحة في الإدارة الأمريكية، ولهذا السبب بالذات يتوقع المراقبون أن تشهد الخارجية الأمريكية عهداً أكثر راديكالية من عهد سابقها الزنجي كولن باول، لأن (باول) برغم تماهيه الحقيقي مع ثقافة الأقحاح الانجيلكانيين يتمتع برؤية استراتيجية عسكرية تحدّ كثيراً أو قليلاً من التهور. [email protected]