تعد المناسبات والأفراح فرصة كبيرة بالنسبة ل« نادية» ومثيلاتها للترويج لبضائعهن، وتتهافت الكثير من النساء لشراء سلع مختلفة منها، حيث تعمل نادية في مجال التجارة المتنقلة أو ما يطلق عليها شعبياً «الدِلالة» وتبيع بضائعها عبر التنقل داخل البيوت مقابل عمولة بنسبة تزيد نوعاً ما عن السوق. تعمل المرأة «الدلالة» لمساعدة النساء اللاتي ليس بإمكانهن النزول للأسواق لشراء لوازمهن على شراء كمية من البضائع بحسب الطلب واستلافها من أحد التجار «تجار الجملة» ومن ثم أخذها والترويج بها في البيوت وقد تتأخر الزبونة في الدفع المسبق «قيمة السلعة التي تشتريها منها» وتتفق معها على دفع ثمن السلعة في وقت لاحق. إنها واحدة من المهن التي اشتغلت فيها المرأة اليمنية، حيث برزت في عدة مجالات منها المرأة الطبيبة، المهندسة، والقاضية والمحامية، المحاسبة، والخبيرة، وضابطة الأمن، والشرطية، وغيرها من العناوين التي كان من الصعب الحديث عنها قبل التسعينيات، لكنها اليوم جزء من واقع حياة معاشة. ومما يتبادر إلى الذهن الآن هو ما مدى استفادة المرأة الدلالة من هذه التجارة المتنقلة وما هي المشاكل والصعوبات التي تواجهها من خلال عملها بالدلالة، وكم تعيل الدلالة من الأسر وما مدى تقبل المجتمع لفكرة الدلالة.. أجابت "نادية" بعد أن أطرقت صامتةً للحظات: أنا بداية كنت أعمل في أحد المراكز الصحية في العاصمة صنعاء «فراشة في المركز» ذلك بعد مرض زوجي والذي أصيب بشلل نصفي وأصبح قعيد الفراش ولدي ولد وبنت، فأصبحت مسؤولة عنهم جميعاً وعن إعالتهم ومأكلهم ومشربهم، فصبرت كثيراً في المركز الصحي حيث كان راتبي قليلاً جداًً ولا يذكر فاشتغلت لفترة سنة ونصف فيه ومن ثم تم الاستغناء عني بعد أن حدثت بيني وبين إحدى الطبيبات مشكلة فوجدت نفسي بين نارين زوجي وأولادي، فمكثت فترة أبحث عن عمل ولم أجد فألهمني الله عز وجل أن أذهب إلى احد أهل الخير من التجار فأسلفني بضاعة لأبتاعها في البيوت وأستقيت بها أنا وأسرتي.. وأستطردت قائلة: "وكانت البداية من هنا حيث اشتغلت دلالة وأقوم بترويج السلعة لكي أبتاعها وآخذ عمولة لإيصالي السلعة إلى البيوت، والحمد لله تحسنت أوضاعنا كثيراً عما كانت عليه، واشتريت قطعة أرض صغيرة لأبني عليها عش الزوجية الصغير الذي أحلم به منذ فترة طويلة ليأويني أنا وأسرتي وبدأت الآن ببنائه وسأنتهي قريباً من البناء إن شاء الله. أما عن نظرة المجتمع لها كونها دلالة فقد عبرت برأيها :" الدلالة عبارة عن تاجرة وانا أفخر بنفسي كثيراً وأثق بنفسي لأن التجارة مش عيب وأعتقد أنها أهون من أن أمد يدي للناس أو «أمشي في الطريق البطّال» وقد أعطاني الله الصحة فلماذا لا أمارس العمل الذي سيرفع من شأني وأسرتي ولأكون نِعم الزوجة الصالحة التي تعين زوجها وتقف معه في الحلوة والمرة.. أما عن الصعوبات والمشاكل التي تواجهها فبحسب قولها إنها لم تتعرض لأي مشاكل طيلة مشوارها في الدلالة وذلك لأنها مؤخراً أصبحت تبيع السلع في بيتها معززة ومكرمة وذلك بعد أن أصبحت معروفة فتقوم بشراء البضائع وتضعها في البيت وتأتي النساء للبحث عنها وللبيع والشراء. ومما لا شك فيه أن العمل يجعل المرأة أكثر قوة وأكثر قيمة في مختلف النواحي الواقعية والمعنوية، وتغادر المرأة مربع الكائن الضعيف ذا القدرات المحدودة والذي لا حول له ولا قوة. وقال أحد تجار القماش «صالح العنسي» والذي يقوم بتسليف عدد 10 دلالات عدداً من الأقمشة المتنوعة والتي يسلفها للدّلالات التي تقوم بوضع ضمان من أي نوع كان يساوي ثمن ما ستأخذه منه من بضاعة ليضمن هو حقه وتضمن "الدّلالة" استمرار التعامل مع التاجر. ويؤكد العنسي أن الإنسان بلا عمل يصيبه الخمول والكسل والضياع والقلق.. فهو يشجع ويحترم النساء العاملات في الدِلالة خصوصاً ذوات الحالات المالية الصعبة ممن يموت زوجها أو يجور عليها الزمن وماعدا ذلك من النساء والتجارة شطارة. الزبون له الخيار في اختيار السلعة المناسبة له، زبونة تتعامل مع الدّلالة «آمال» تقول إن الزبون له الخيار في اختيار السلع المناسبة لذوقه ويطلبها من الدلالة فتحضرها له الى داخل البيت بثمن محدد وبنسبة تزيد قليلاً عن نسبة السوق والذي تعتبرها الزبونة بدل المواصلات إلى السوق، فبدلاً من الذهاب إلى السوق والتعرض للمضايقات والمعاكسات في الباصات أو الأسواق تتحاشى ذلك وتتعامل مع الدلالات والتي تحضر لها كل ما تريد. وللعمل أشكال متنوعة.. وهناك العمل العضلي والعمل الفكري والعمل المنزلي والعمل خارج المنزل.. الدّلالة أصبحت جزءاً من هذه الأعمال فهي كالتجارة وتحتاج إلى الصبر والحرص فتقول أم ابراهيم "دلالة" إن الدِلالة تحتاج الى صبر وشطارة فهي تواجه الكثير من الشرائح في المجتمع التجار والزبائن، لأنها أحيان كثيرة تُجهد في جمع ثمن السلع التي باعتها، فمن النساء من تدفع لها في الوقت المحدد بينهن ومنهن من تصبر عليهن شهوراً وقد تطول الفترة إلى سنة وأكثر ولم تدفع لها وبذلك تخسر رأس مالها في شراء سلع أخرى لحين سداد المبلغ الأول للتاجر.. فهذا بحد ذاته معوق لدى الدلالة لأنها تعيل أسرة، ومع ذلك الحمد لله أنا أبيع وأكسب وأحاول التعامل مع زبائن أوفياء.