ليست المسمّيات الأدبية فرمانات تحل محل الإبداع وتحاصره في نوع بذاته، ففي العالم العربي نتحدث عن الشعراء، والتشكيليين، والمسرحيين، والموسيقيين، وغيرهم من المبدعين في سياق لا يضع في الاعتبار ان الشاعر الرائع لابد له ان يكون مثقفاً عضوياً وبالمعنى الشامل الذي قال به غرامشي، وأرنست فيشر وجورج لوكاش. وان يكون الفنان شاملاً أمر يدخل في باب الشرطية المسبقة للولوج الى عالم الابداع الواحد، فالشاعر الكبير ليس بوسعه ان يكون كبيراً إن لم يتمتع بثقافة شاملة وبمعرفة ذوقية ملموسة للعديد من الانواع الفنية هنا تسقط الجدران المفتعلة بين الأنواع الفنية، ويمكننا تبعاً لذلك ان نقول: ان التشكيلي الرائع انما هو ذائقة موسيقية رائعة، ومعرفة ذوقية وجمالية تطال الأنواع الأدبية المختلفة. وإذا تتبعنا مسيرة الفنان الشاهد على النصف الأول من هذا القرن (بيكاسو) سنرى كيف تنقل في ضروب الممارسة الفنية المختلفة، حتى وإن تمظهرت في أساس الفن التشكيلي.. ونفس الامر سنجده عند سان جون بيرس الشاعر، أو سلفادور دالي التشكيلي، اولبرتومورافيا الروائي. في كل هذه النماذج سنكتشف دون ادنى صعوبة ان الصفة المعلنة والكاسحة لم تكن سوى إظهار آخر لدلالات ثقافية وقابليات إبداعية متنوعة، ولهذا السبب بالذات اصبح هؤلاء علامات فارقة في تاريخ الإبداع الإنساني. وإذا كان هذا التعميم هو أصل فيما سبق وساد فإنه للآن يتحّول الى ضرورة قصوى بالقدر الذي يبحر فيه الانسان صوب أنماط من المعلومات المتمازجة والثقافة البصرية الكاسحة والغنائية المغايرة لتلك التي كانت قبل حين. [email protected]