تؤكد الانتخابات الرئاسية الفرنسية مجددا حضور مسلمي فرنسا على الساحة السياسية. وقد جرى توظيف هذا الحضور سلبيا مع اندلاع أحداث العنف والإرهاب في الجزائر منذ مطلع التسعينيات مرورا بأحداث 11 سبتمبر 2001 والعراق وصولا إلى أحداث الضواحي في خريف عام 2005م. ولا توجد إحصائيات دقيقة عن أعداد مسلمي فرنسا نظرا لأنه من المحظور قانونا إجراء تعداد للسكان يأخذ بعين الاعتبار الواقع العرقي أو الديني. وتفيد تقديرات عدد من معاهد البحث وكذا مسؤولين حكوميين أن عدد المسلمين يبلغ 6 ملايين نسمة يمثلون نحو 10% من إجمالي عدد السكان ممثلين ثاني أكبر طائفة دينية فرنسية بعد الكاثوليك. لكن تقديرات المسؤولين في المؤسسات الإسلامية تتراوح بين 7 و8 ملايين مسلم، الأمر الذي يزيد من ثقلهم السياسي مع حلول استحقاق انتخابي مهم مثل الانتخابات الرئاسية. ويقول الباحث والناشط الإسلامي غازي وهبي للجزيرة نت إن "التقديرات شبه الرسمية استقرت منذ عشر سنوات عند 4 ملايين مسلم مقابل 6 ملايين كتقدير من جانب المؤسسات الإسلامية". والأرجح أن هذا العدد من وجهة نظره بلغ حاليا مابين 8 و10 ملايين مسلم من مختلف الجنسيات المغاربية والأفريقية والآسيوية والأوروبية فضلا عن ذوي الأصول الفرنسية. وأعرب عن تقديره أن هناك 4 ملايين مسلم يحملون الجنسية الفرنسية من بينهم نحو المليونين لهم حق التصويت نظرا لبلوغهم السن القانونية، علما بأن إجمالي أعداد الناخبين الفرنسيين يبلغ 41 مليون ناخب. وتحمل مكونات خريطة المسلمين في فرنسا تنويعات تبعا لأكبر المؤسسات الناشطة دينيا. واعتبر باحث في شؤون المسلمين الفرنسيين طلب عدم ذكر اسمه أن مسجد باريس هو الأكثر شهرة بين هذه المؤسسات من حيث عراقته، مشيرا إلى أنه محسوب سياسيا على الجزائر التي تقوم بتمويله بالكامل بميزانية سنوية تقدر بنحو 10 ملايين يورو تشمل تمويل عشرات الدعاة القادمين من الجزائر. وأضاف المصدر نفسه أن مسجد باريس والمؤسسات الأخرى التابعة له محسوبة على اليمين الفرنسي قائلا إن ذلك يبدو واضحا في قربه من التيار الديغولي ثم الاشتراكي. ويتردد أن دليل بو بكر عميد جامع باريس يتمتع بصلة جيدة بنيكولا ساركوزي مرشح حزب الأغلبية الاتحاد من أجل حركة شعبية حسب ما يقول المصدر. ويعد الأخير المرشح الرئاسي الوحيد الذي زار الجزائر ضمن حملته الانتخابية والتقى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في مباحثات على انفراد استمرت ثلاث ساعات. أما المرشحة الاشتراكية سيغولين رويال التي تدرك مثل منافسها ساركوزي أهمية الصوت الفرنسي ذي الأصل الجزائري، فقد أوفدت معاونها وزير الثقافة الأسبق جاك لانغ في نفس المهمة. من جانبه قال محمد البشاري رئيس الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا ثاني أكبر المؤسسات الإسلامية في البلاد "نحن بصدد إعداد مسودة لتوزيعها قريبا تطالب باستقلالية المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية عن الأحزاب، لكي يقوم بدوره على نحو أفضل وليخرج من الحسابات الضيقة " لهذا الحزب أو ذاك. وذكر البشاري الذي تتبع فدراليته نحو 500 جمعية و400 مسجد أن "الاشتراكيين أظهروا تاريخيا إنصافا أكثر للمسلمين وهناك تعاون مع منتخبيهم على مستويات عدة". ونبه البشاري في تصريحات للجزيرة نت إلى "تبني الفيدرالية موقفا معارضا للمرشح اليميني نيكولا ساركوزي في أحداث الضواحي وإهانته للشباب المنحدرين من أصول مهاجرة، فيما أصدرت مؤسسات أخرى فتاوى صبت في مصلحة وزير الداخلية السابق". يذكر في هذا الصدد أن البشاري المغربي الأصل يلقى رفضا من الحكومة المغربية، الأمر الذي وقف وراء محاولات فاشلة من داخل الفيدرالية لإقصائه عن رئاستها. أما اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا الذي تتبعه 200 جمعية ويوصف بالأكبر من بين نظرائه فقد أيد صراحة المرشح الرئاسي فرانسوا بايرو. وقال مصدر مسؤول بالاتحاد للجزيرة نت "عرف الرجل تحولا في مواقفه تجاه المسلمين الفرنسيين وباتت آراؤه أكثر نزوعا إلى التحلي بروح المسؤولية التي تفرضها عليه متطلبات المنصب الرئاسي" في حال نجاحه.. وأضاف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه "نحن ننتمي فكريا للإخوان المسلمين باعتبارهم مدرسة دعوية لكننا لا ننتمي لهم تنظيميا". وعاد المصدر ليشير إلى أن بايرو يمثل "أخف الضررين كما أنه يمثل بشكل أو بآخر امتدادا للرئيس جاك شيراك بمواقفه ذات الأصول الديغولية الأقرب من غيره لحقوق العرب". يشار في هذا الصدد إلى أن الاتحاد وجه نداء للمرشحين الثلاثة الكبار ساركوزي ورويال وبايرو يدعوهم فيه إلى أخذ هموم ومشاكل المسلمين بعين الاعتبار.