يحي اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بالتعاون مع مركز الدراسات والبحوث اليمني اليوم أربعينية الفقيد الشاعر الكبير/محمد حسين هيثم بإقامة مهرجان يتناول التجربة الإبداعية للفقيد.. صفحة أدب وثقافة تنشر بالمناسبة عدد من القصائد للفقيد ومحبيه حين رأيته قبل عامين مشاركا في مهرجان الشعر العماني الرابع الذي أقيم في ولاية صور كأحد أعضاء لجنة التحكيم كان الشاعر اليمني المبدع محمد حسين هيثم , الذي رحل في صنعاء صباح الجمعة الجمعة 2/3/ 2007 عن عمر يناهز 49عاما إثر أزمة صحية,يسند جسده الثقيل على عصا يتنفس بصعوبة من فرط التعب , احتضنته وقلت " هيثم مابك ؟هل أنت متعب ؟ هل تعاني من شيء ؟ "فابتسم مؤكدا انه بخير "وماهذه؟ " أشرت الى العصا فأطلق ضحكة عالية مبددا مخاوفي وقلقي , وقال ضاربا الهواء " أهش بها على غنمي "عندها عادت الى قلبي طمأنينته «قليلا» , فقد كانت الأخبار الواردة من صنعاء تنقل لي بين حين وآخر أنباء مقلقة عن تدهور حالة قلبه الصحية، لكنه كان ينفي هذه الأخبار مؤكدا ان المسألة ليست أكثر من تعرضه لإجهاد بسبب ضغوطات العمل فقد كان يجهد نفسه كثيرا، فإلى جانب اشتغالاته على مشروعه الشعري الذي أسفر عن العديد من أعمال الشعرية ومن بينها :الحصان وإكتمالات سين ومائدة مثقلة بالنسيان ورجل ذو قبعة و وحيد ورجل كثيرواستدراكات الحفلة كان باحثا نشيطا في مركز الدراسات والبحوث اليمني حيث يعمل نائبا لرئيس المركز الدكتور عبدالعزيز المقالح وكان الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين حيث شهد الاتحاد طباعة أكبر عدد من الأعمال الأدبية وأوسع عملية نشر للكتاب،وإقامة أماس ونشاطات عديدة وحين نطلب منه اراحه نفسه محذرينه من الوقوع في حفرة الموت يضحك مرددا أبيات قصيدته التي رثى بها الشاعر الكبير عبدالله البردوني والتي يقول فيها : كيف أشق حنيني بين مرارات الروح و أنت تروح و حواليك ملائكة ينعون سماءك لكنك ترجع كالعادة و الفضة حبرك و غناؤك سلسال بين أقاحٍ و بيوتْ و العكفة* حول الياقوتْ و الثكنات تنوء بخطوة رجل أعمي ينسى كيف يموتْ " ويقول مازحا : " أنا أيضا أنسى أحيانا كيف أموت "!! لكنه نسي وعده حين باغته الموت فقطف زهرة هذا الشاعر الجميل الذي حين نتحدث عن مكانته الشعرية فلا نجد أفضل من شهادة الدكتور عبدالعزيز المقالح الذي قال عنه "هو أشعرنا جميعاً دون مبالغة.. ولو كان في اليمن عشرة شعراء كبار - في الابداع لا في السن - لكان محمد حسين هيثم واحداً منهم، ولو كان هؤلاء الكبار خمسة لكان واحداً منهم ايضاً. فقد استطاع محمد ان يفك شفرة القصيدة منذ وقت مبكر تجلى ذلك في محاولاته الأولى، كما استطاع ان يمتلك - منذ تلك البدايات - لغته الخاصة وصوته الخاص.. ومنذ مجموعته الاولى (اكتمالات سين) وهو الشاعر الجديد الأجد الذي تتصاعد وتيرة شاعريته دون أن تعرف الوقوف أو التراجع" نص هيثم يتميز بالكثافة اللغوية وقوة السبك فتأتي جملته الشعرية متراصة مضغوطة الى أقصى ما تستطيع اللغة من الايجاز والثراء الموسيقي جامعا بين التراث برموزه والمنجز اليومي كونه واحدا من الذين احتكوا بالشاعر سعدي يوسف خلال سنوات اقامته في عدن وأخذ منه الكثير من دروس الصنعة الشعرية ,يقول في قصيدته (المتنبي ): تلك منازلُ لم تتنزل من قتبانَ و لم تعبرْ قرب الأيكة في نيسابورْ تلك منازل كانت من نورْ حاجبها سيف الدولة و أميرتها خولة و المخصيّ بها كافورْ تلك منازل لم تجلس تحت النخلة في سامرّاء و لم ترجع من أقصي الصحراء بسوى رأس المتنبي محشوراً في صرّة جنديٍّ مدحورْ تلك منازل تنأى في وردة هذا المتنبي أو تزهو بين محاريب الحورْ و يتداخل في تجربة هيثم الذي ينتمي لجيل السبعينيات الشعري اليمن الهم الذاتي بالهم العربي العام، مستخدما الرمزية في التعبير عن هذه العوالم الذاتية مطلقا تساؤلاته المفتوحة : مرّ علي دجلةَ هولاكو و رمي في النهر رؤوساً لا عدّ لها كتباً لا تحصي و تواريخَ بلادْ فلماذا بعد قرونٍ عاد إلي دجلةَ ثانيةً هولاكو هل نسيَ كتاباً لم يغرقهُ ؟ هل ضيّعَ خاتمهُ ؟ فأتي ليبعثرَ أشلاء أبي نوّاسْ و يمزِّقَ أحشاء النهرينْ هل قالت عرّافته أن السرّ هنالكَ في قاع ال أينْ ؟ فمضي يشطب إيقاعاتِ المدنِ النهريةِ أو يلغي البصرةَ أو ينسف كل هواءٍ في بغدادْ أم أنّ حنيناً شبّ به فأتى ليزلزلَ هذا العالم كي يسمعَ منتشياً ثانيةً صرخاتِ الأولادْ: هولاكو عادّ. ورغم براعته في كتابة قصيدة التفعيلة الا انه كتب قصيدة النثر وأبدع فيها بل انه كتب القصيدة الشعبية وله ديوان مطبوع . على المستوى الانساني كان من أدفأ الناس وألطفهم في التعامل اليومي ..كان شاعرا نصا وسلوكا يحمل في صدره قلبا يسع الجميع , هذا القلب رغم انه توقف عن الخفقان الا ان نبضاته ستظل تعطر المكان بحضوره الأثيري .