بدأت بعض المساجد في أمانة العاصمة بتنفيذ إجراءات حظر التسول الذي بات يشكل ظاهرة مسيئة لا تقلق المصلين في بيوت الله فحسب، إذ عادة ما يعقب الصلوات الخمس الجامعة متسولون تتعدد وسائلهم وتختلف أساليبهم وطرق عرضهم لحاجاتهم وحالاتهم وتقنيات الاستلطاف والاستشفاق التي يستدرون بها رحمة الجيوب ووحدة الاحساس بالألم والانسان. عشرات من المتسولين لا يخلو منهم مسجد ولا جامع وهم يتنقلون بينها كسفراء متجولين للتسول العلني لا يقر لهم قرار ولا يفوت عليهم محراب يقفون فيه أمام الناس ويغادرونه رابحين غانمين. وحيث وجدت مجتمعاً وجدت متسولين في أية دولة على ظهر الأرض حتى تلك الغنية والقوية اقتصادياً انما تختلف النسب ونوعية المتسولين والحاجات الدافعة للتسول. وما لا يحصل عليه المتسول العابر للمحال والبيوت أو الطرق والأسواق العامة قد يحصل عليه اضعافاً مضاعفة في بيوت الله حيث القلوب المؤمنة والرحمات تتنزل وحيث يختفي الضجيج والانسانية وتتغلب رطوبة الروح على جفاف المادة لذلك فهذه البيوت الطاهرة بيئة خصبة وناجحة لاغراض التسول وقضاء الحاجات. ولا أظن ان ثمة موانع شرعية أو نصوصاً قانونية تحول دون حق المتسولين في التسول عبر محاريب المساجد ومقدمة صفوفها والظن ذاته في ان كثيراً من هؤلاء هم فعلاً معوزون وأولو حاجة ماسة خاصة في ظل تصاعد الاسعار وغياب الدخل أو قلته وكثرة مطالب الحياة الآن. لم يكن الأمر مقلقاً إلى هذا الحد قبل زمن وجيز فنادراً ما كان يتسول أحدهم المصلين من مقدمة الجامع إذ أغلبهم يقصدون الأبواب والساحات لحظات خروج المصلين من صلاتهم تزايدت الاعداد بأرقام فاجعة تبعث على الأسف والريبة وقد حدثت مصادفات كثيرة لحالات تسول واصناف متسولين ليسوا إلا نصابين ولصوصاً على وضوء وفي قعر بيوت الله وليس آخرها ما حدث في جامع «بلال» في بيت معياد بأمانة العاصمة إذ ابكى شاب وسيم في زهرة العمر الأنيق قلوبنا وهو يذرف دموع حاجته الكذوب المتعلقة بمرض أمه بالفشل الكلوي وعجزه عن دفع أجور العلاج لمستشفى الثورة وبعد ان تدافعت الأيادي إليه بما استطاعت من مال مغيث عرض عليه أحد المصلين «حسب طلب الشاب» الذهاب معه إلى المستشفى وتبني الموضوع مالياً ليفر الشاب النصاب تاركاً أوراقاً مزورة عن حالة أمه التي اخترعها ونجح في ترويجها واستحلاب الرحماء ليتضح لنا جميعاً ان المتسولين ليسوا كلهم متسولين ولا حول ولا قوة إلا بالله. مثل هذا يتكرر كثيراً هنا وهناك وقد باتت الآن «ظاهرة» تقلق وتثير الاشمئزاز والقئ كما بات من الضروري الآن اتخاذ تشديدات لازمة في حظر ومنع التسول داخل المساجد ولا نجد مانعاً لحظرها خارج المساجد وعند الابواب فثمة من يريق وجهه مضطراً ولا يجيد التمثيل السينمائي ولباقة السؤال الفقير .. ثمة من يتسول بحق لأن واقعه في حالة خطرة وجيبه أبيض .. ثمة من أمه أو أبوه في فقر ومرض لكن ليس بالفشل الكلوي وفي مستشفى الثورة الذي لم نسمع انه طرد مريضاً من سريره لأنه عجز عن الدفع .