«عدن، عدن، يا ريت عدن مسير يوم» في ذلك اليوم الأغر 22 مايو1990م، وتحت سماء مدينة عدن ثغر اليمن الباسم وحضن اليمن الدافئ ارتفع خفاقاً علم دولة الوحدة اليمنية المباركة، ورددت الجبال الشماء نشيد الفرح والحب ولقاء الاخوة بعد فراق وشتات طويل. في ذلك اليوم اختزلت عدن كل المسافات الطويلة، وترددت في أعماق كل اليمنيين في الداخل والخارج أصداء ذلك النداء القديم الجديد «لابد من صنعاء وإن طال السفر» فالتقت عدن وصنعاء بالأحضان وأحلى القبل، فيما أطلقت كل المدن اليمنية زغاريد السعادة والبهجة. كان ذلك اليوم فريداً ورائعاً بكل المقاييس وألوان قوس قزح، ومعطراً بالفل والورد والكاذي والبخور العدني لينثر شذاه وأريجه وسحره في كل بقعة من يمننا الغالي. ومن شواطئ وخليج عدن حملت أسراب كثيرة من طيور النورس رسالة للدنيا قالت فيها: أتاكم أهل اليمن في جسد وثوب ولسان واحد، وقد أعادوا منجز تحقيق وحدتهم، وتشابكت أياديهم، وجاءوا بالمدد والخبر اليقين. أتاكم أهل اليمن يبنون من جديد وبالوحدة سدهم المنيع، وحضارة أرض الجنتين، ويضعون على رأس بلقيس تاجها المرصع بالياقوت والمرجان والعقيق اليماني، جاءوا ليبنون ألف شبام وشبام لتعانق وفي كبرياء وشموخ السحاب وهامة المجد. وحقيقة لم تكن إعادة منجز الوحدة مجرد علم ونشيد واحد، وإزاحة لبراميل «الشريجة» الفاصلة بين التراب والجسد اليماني الواحد، بل كانت أهدافها ونتائجها على أرض الواقع أبعد من ذلك، فبالوحدة جاءت الديمقراطية وغدت خياراً ونهجاً لا تراجع عنها؛ تجسدت ساطعة وجميلة في انتخابات نيابية ورئاسية ومحلية وحضور ومشاركة لقوى وأطياف السلطة والمعارضة، غايتها التبادل السلمي للسلطة، وعبر صناديق الاقتراع، وفي انتخابات حرة ونزيهة شهد لها الأشقاء والأصدقاء. وبالوحدة جاءت التعددية السياسية، واحترام حقوق الإنسان، وحرية الصحافة، واحترام الرأي والرأي الآخر، وقيام منظمات المجتمع المدني، وأصبحت المرأة شقيقة الرجل في ميادين العمل والبناء والعلم، ولتطل اليمن على العالم من نافذة المدنية والحضارة. ثم من فيض خير الوحدة تحققت وفي كل محافظات الجمهورية الكثير من المشاريع والمنجزات وعلى مختلف الأصعدة، وغدت ورشة عمل كبيرة ومعطاءة. وبعيداً عن أرض الواقع، شكل قيام الجمهورية اليمنية وفي ظل الوحدة عامل أمن واستقرار للمنطقة، تمثل في حل وإنهاء وإغلاق مشاكل ملفات الحدود مع دول الجيران، وجعل منها دروباً وفضاءات رحبة للتعاون والشراكة، ودنت اليمن كثيراً للدخول والاندماج في منظومة مجلس دول التعاون الخليجي نظراً لأهميتها وموقعها الاستراتيجي، ناهيك عن روابط الدم والقربى والتاريخ. فيما غدا لليمن حضور ومشاركة فاعلة في الإطار العربي والإقليمي والدولي وعلى قاعدة راسخة من الاحترام والتعاون.