صنعاء/سبأ.. .. دخلت جزيرة سقطرى مرحلة جديدة من التحولات التنموية والاجتماعية الكبيرة التي شهدتها خلال السنوات الماضية في كل المجالات مع تزايد أهمية موقعها الاستراتيجي في المحيط الهندي وتنوعها الحيوي النباتي والحياتي لأنواع نادرة من الأشجار والحيوانات والحشرات والطيور التي تنفرد ببعضها على مستوى العالم. وشهدت الجزيرة طفرة تنموية شاملة حولتها من جزيرة كانت في الماضي أرضاً نائية ومعزولة إلى منطقة جذب سياحي وبيئي وبحثي ودراسي تستهوي السياح والباحثين والمهتمين، وأصبحت محط أنظار العالم وموضع اهتمام المنظمات الدولية والمحلية، ومازالت مشاريع التنمية والبنى التحتية تشق طريقها إلى الجزيرة على قدم وساق وفقاً للتقارير والإحصائيات. ورغم اهتمام شعوب العالم منذ القدم بجزيرة سقطرى وإدراكهم أهميتها الاستراتيجية والتجارية من خلال محاولات السيطرة عليها وحيازتها فقد ظلت لسنوات طويلة تعاني العزلة والحرمان، وزاد من تلك العزلة الظروف الطبيعية والمناخية الموسمية القاسية التي تحيط بها الجزيرة خلال الفترة من يونيو حتى سبتمبر من كل عام، حيث تهب على الجزيرة رياح شمالية عاتية تتسبب بعزلة طبيعية للجزيرة طيلة تلك الأشهر خاصة أن وسائل المواصلات في السابق كانت بسيطة وبدائية مع عدم وجود مطار فيها ولسان بحري لاستقبال السفن. إن من إيجابيات تلك الظروف خلال العصور السابقة أنها ساعدت على الحفاظ على طبيعة الجزيرة البرية والبحرية وتنوعها الحيوي دون تدخل بشري، حيث لاتزال الجزيرة تمثل أهم منطقة ذات تنوع حيوي على مستوى العالم، وكانت ولاتزال جنة خضراء أبدعها الخالق عز وجل وسط محيط مائي متلاطم الأمواج. نقطة التحول حاولت الدولة منذ العام 1990م بعد إعلان الجمهورية اليمنية إخراج سقطرى من تلك العزلة ومنحتها مزيداً من الاهتمام مع الأخذ في الاعتبار المحافظة على تنوعها وخصوصيتها الحيوية المتفردة عالمياً، ومثّل مطار سقطرى الذي تم افتتاحه عام 2001م بوابة التحول النوعي كونه أهم المشاريع التي كسرت حاجز العزلة للجزيرة وفتحت لها نافذة إلى العالم الخارجي ناهيك عن الوطن، كما يعتبر من أهم المشاريع الخدمية البارزة داخل الجزيرة بعد إعادة وحدة الوطن وإعلان قيام الجمهورية اليمنية، حيث كان المطار الترابي الصغير سابقاً لا يستقبل سوى الطائرات الصغيرة وبرحلات محدودة جداً تتوقف خلال الفترة ما بين يونيو وسبتمبر من كل عام،وبلغت الكلفة الإجمالية للمطار الحديث بحسب أحمد حمود طارش/مدير عام المطار مليارين وأربعمائة مليون ريال، ويبلغ طول مدرجه 3400 متر يسمح بهبوط أربع طائرات في آن واحد ويستقبل وفوداً سياحية من جميع أنحاء العالم بمعدل ثلاث رحلات في الأسبوع الواحد. ويحتوي المطار الذي يشغله نحو خمسين موظفاً على سبعة أقسام إدارية هي: "الحركة الجوية والأرصاد الجوية، الإطفاء الفني، الحسابات، الخدمات، والإيرادات" كما تم الانتهاء من ترميم صالات المطار بتكلفة مالية بلغت 152 مليون ريال. وإضافة إلى المطار تم إنشاء لسان بحري بطول 3590 متراً وعرض /15متراً يستوعب أكثر من /1500/ طن من الأسماك إضافة إلى اعتماد ميناء للجزيرة بمنطقة ديمحيص بكلفة مليار ريال يمني. محمية طبيعية وبعد أن كانت عملية التنقل بين قرى الجزيرة المتباعدة تتم بصعوبة ومشقة كبيرة قبل الوحدة اليمنية نظراً لغياب الطرق الاسفلتية وحتى المعبدة منها التي تربط بين مناطق الجزيرة، واعتمدت الدولة أكثر من 518 كيلومتراً من الطرقات الرئيسية والفرعية نفذ منها حسب أحمد جنة العواضي/رئيس المجلس المحلي لمديرية حديبو 350 كيلومتراً ربطت بين مدينتي حديبو وقلنسية، وبين أكثر من 200 قرية وحي سكني في كل اتجاهات الجزيرة وعلى امتداد سواحلها وعمق مناطقها الوسطى، ووفقاً لحديث العواضي لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) فإن تكلفة الطرق التي نفذت والأخرى قيد التنفيذ في سقطرى تبلغ 7 مليارات ريال يمني.. ولكن زيادة وتيرة النمو الاقتصادي والسكاني في الجزيرة خاصة خلال ال17 عاماً الماضية جعل الدولة تدق أجراس الإنذار المبكر تنبهاً منها بخطورة تلك التطورات على بيئة الجزيرة الهشة التي لا تتحمل التدخل الإنساني غير المنظم والمبرمج الذي يراعي التنوع الحيوي داخل الجزيرة. واستجابة لذلك سارعت الحكومة في إعداد الدراسات العلمية للكائنات الحية النباتية والحيوانية المستوطنة داخل الجزيرة بهدف الحفاظ على المنظومة البيئية فيها. وتزامن ذلك مع إصدار قرار في العام 1996م لحماية التنوع البيولوجي في أرخبيل سقطرى، وأنشأت مكتباً حديثاً لحماية البيئة داخل الجزيرة ومكتباً آخر للمختبرات العلمية، بهدف تجنب أي تدهور في البيئة الطبيعية للجزيرة وحماية الأنواع والمواقع الحساسة بيئياً بما يكفل استدامة التنمية فيها بشكل متوازن في ظل معادلة صعبة للحفاظ على مناطق المحميات الطبيعية، حيث يشكل الإنسان داخل الجزيرة سواء المقيم أم الوافد أهم عناصر تلك المعادلة. وتتويجاً لتلك الجهود أعلنت الحكومة في27 سبتمبر عام 2000م جزيرة سقطرى محمية طبيعية مستقلة بتلك الطبيعة الساحرة والتنوع الحيوي الفريد الذي وضعها على قائمة مستودعات الطبيعة البكر على وجه المعمورة حسب مرفق البيئة العالمي (جي.إف. أي) وقد مثل تسلم وزارة المياه والبيئة مؤخراً شهادة إدراج أرخبيل سقطرى ضمن الشبكة العالمية لمحميات المحيط الحيوي الذي تم إقراره من قبل برنامج الإنسان والمحيط الحيوي (ام.بي.إيه) التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) اعترافاً صريحاً بالجهود الطيبة التي بذلتها الحكومة اليمنية لحماية جزيرة سقطرى وخطوة جيدة للوصول إلى قائمة التراث العالمي إلى جانب /490/ موقعاً تتكون منها الشبكة العالمية لمحميات المحيط الحيوي. كما اعتمدت الحكومة 23 محمية طبيعية داخل سقطرى تم استكمال خمس محميات منها هي"دوطح ديحمري وحومهل وسكان دعبلهن" وبقية المحميات في طور التجهيز، وبلغت كلفة هذه المحميات /10 /ملايين دولار مقدمة من مرفق البيئة العالمي (جي.إف. أي) التابع للأمم المتحدة. كما يقوم برنامج صون وتنمية سقطرى مع صندوق صون سقطرى برعاية ودعم إنشاء مشتل في الجزيرة وتحديداً في منطقة (دإشلهنيتن) شرق حديبو ويسمى مشتل أديب، استطاع صاحبه أديب عبدالله وهو خبير نباتي محلي أن يزرع فيه آلاف الشتلات من النباتات السقطرية النادرة من بينها دم الأخوين، وتريمو، وسبرة وإميعرو، كما يقوم هذا المشتل الذي اعتمدته الحكومة بالحفاظ على النباتات من الرياح الشديدة لاسيما في فصل الخريف.