لا وجود لمستوى آمن للتعرض لدخان التبغ كما يظن البعض، ولا يمكن بالتهوية أو بتنقية الهواء بأي منهما أو بكليهما التقليل من مستويات هذا التعرض في الأماكن المغلقة وما شابه إلى المستويات المقبولة المحدودة الآثار والأضرار على الصحة. ففي تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية مؤخراً بعنوان «لا للتدخين في الأماكن المغلقة» بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التدخين والذي يقام سنوياً في «31مايو/آيار»...قدر نصف اطفال العالم تقريباً يستنشقون هواءً ملوثاً بدخان التبغ.. أي نحو «700مليون» طفل، جلهم يستنشقون هذا الهواء الملوث في المنازل. وليس فقط يعد التعرض اللا إرادي لدخان التبغ نوعاً من الإزعاج لغير المدخنين فبانبعاث وانتشار دخان التبغ، لاسيما في الأماكن المغلقة وما شابه، يمتزج بالهواء باثاً سمومه، فيستنشقها جميع من هم على مقربة من المدخن والمحيطين به، ولغير المدخنين على وجه التحديد يطلق على هذا التعرض .. تدخيناً قسرياً. إن التدخين في الأماكن المغلقة تحديداً لا يلقى ترحيباً بين غير المدخنين، وهو رأي أجمع عليه ايضاًَ كثير من المدخنين بحسب آخر الدراسات والأبحاث فمن خلال نتائج المسح العالمي للتبغ حول الشباب الذي اجرته منظمة الصحة العالمية ومراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة في الفترة من «1999 2005م» على طلاب في الفئة العمرية من «13 15عاماً» في «132» بلداً.. تبين أن «43.9%» من الطلاب يتعرضون لدخان التبغ في المنازل، بينما يتعرض له «55.8%» في الأماكن العامة، ووجد أن «76.1%» منهم محل المسح يؤيدون حظر التدخين في الأماكن العامة..كما تشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى وفاة نحو «200.000» عامل في كل عام جراء التعرض لدخان التبغ في أماكن العمل، معظمهم يعملون في المطاعم والأماكن الترفيهية والقطاعات الخدمية، عدا عن أن هذه المشكلة تسري على كل المهن..إذن لن يجدي نفعاً سوى تهيئة بيئة خالية من دخان التبغ «100%» لحماية غير المدخنين من خطر التعرض قسراً للتدخين.. إذ يحتوي دخان التبغ على جسيمات «جزئيات» وغازات، من المؤكد تعذر التخلص منها على نظم التهوية مهما بلغت من الكفاءة. وبالتالي يتم استنشاق هذه الجسيمات أو قد تتراكم على الملابس والأثاث والجدران والأسقف وما إلى ذلك، قبل أن يتم تهويتها. وعلى الرغم من أن زيادة معدل التهوية يقلص من تركيز الملوثات داخل الأبنية بما في ذلك ملوثات دخان التبغ، إلا أنه ولو من قبيل السيطرة على الرائحة، لابد من توافر معدل تهوية يفوق المعايير العادية بنحو «مئة ضعف» كذلك التخلص من السميات يلزمه معدل تهوية أكبر. فضلاً عن الحاجة إلى العديد من نظم تغيير الهواء لتنقيته من السموم التي يحملها دخان التبغ، مما يمثل حلاً غير مريح، صعب التحقق وعالي الكلفة. ويؤكد العلماء أن التدخين اساساً يقلل من كمية الأكسجين التي يستفيد منها الدماغ الذي يتطلب في العادة «25%» من حاجة الجسم للأكسجين بتخفيضها إلى النصف، ويقلل أيضاً من كفاءة الدورة الدموية إلى حوالي الثلث على الأقل. وإذا ما استعرضنا المركبات الضارة التي يتكون منها التبغ ودخان التبغ، فلن يتسع المجال لذكرها، وذلك انها تربو على «أربعة آلاف» مركب كيماوي ضار، منها «خمسون» مركب يسبب السرطان، ومجموعة من تلك المواد والمركبات الكيماوية المهولة مصنفة بأنها من مسببات الإصابة بالأمراض القبيلة الوعائية والعديد من أمراض الجهاز التنفسي وحالات الربو والاختناق، ناهيك عن رائحة دخان التبغ المثيرة لضيق ونفور غير المدخن. وتذكر معلومات منظمة الصحة بأن من جملة أضرار منتجات التبغ الفموية غير القابلة للإشعال مسؤوليتها عن الإدمان بدرجة عالية، وتسببها أيضاً بسرطان «الحلق، العنق، الرأس، المريء» وإحداث آثار سلبية ضارة بالفم والأسنان، مثل تراجع وتآكل اللثة وتلون وتآكل الأسنان والعظام المجاورة لها. إنه بالفعل يسهم بشدة في العبء العالمي للأمراض.. تجمع على ذلك آخر الدراسات والأبحاث. بالتالي، وحدها البيئات الخالية من الدخان ممن التدخين بنسبة «100%» وسيلة الوقاية الفاعلة البعيدة كل البعد عن مضار التدخين القسري. وفي بحث أجرته جامعة الملك عبدالعزيز للأساتذة الدكاترة عن الشيشة «الأرجيلة» في جده بالمملكة العربية السعودية «عام 1988م» تبين أن تأثيرها من جهة أول أكسيد الكربون الغاز ذي سمية عالية يتحد بخضاب الدم «هيموجلوبين الدم» مما قد يسبب ارتفاع الكولسترول ولزوجة الدم وبالتالي زيادة الجلطات، وتبين أيضاًَ أن تأثير الشيشة «الأرجيلة» يبلغ ضعف تأثير السجائر، على النقيض تماماً مما عرف في القدم وعلى عكس الاعتقاد الشائع..فالجلسة النموذجية لتدخين الشيشة تمتد لفترة ساعة من الزمن يستنشق المدخن خلالها ما يعادل «100 200» ضعف ذاك الحجم الذي يتم استنشاقه من تدخين سيجارة واحدة..كما أن الدخان المنبعث من الشيشة أساساً يحوي الكثير من المواد السامة المعروفة بتسببها في الإصابة بسرطان الرئة وأمراض القلب وأمراض أخرى، وكذلك استنشاق النيكوتين المسبب للإدمان، شأنها شأن بقية منتجات التبغ..وحتى بعد مرور دخان الشيشة في الماء تظل مصادر الحرارة الشائعة المستخدمة لحرق التبغ، كجمرات الخشب والفحم محتوية على نسبة عالية من المواد السامة عند اشتعالها، أبرزها أول اكسيد الكربون، المعادن الثقيلة، المواد الكيميائية المسببة للسرطان. .وبالإضافة إلى الأمراض ذات الصلة بالتدخين، يؤدي الاشتراك في تدخين الشيشة إلى زيادة خطر انتقال مرض السل والأمراض الفيروسية مثل «الهربس» والتهاب الكبد الفيروسي. أما التشارك في استخدام القطعة الفموية «المشرب» في الشيشة الواحدة بين عدة أشخاص، فيمثل أيضاَ خطراً عالياً في الأمراض السارية، كالسل والتهاب الكبد الفيروسي..ويذكر تقرير منظمة الصحة أيضاً بأن السجائر تحوي إلى جانب التبغ، العديد من المواد والمركبات الإضافية، مثل مبيدات الآفات الزراعية والأسمدة والمعادن الثقيلة «الزرنيخ» و«السيانيد» وسموم اخرى واسعة الضرر. ختاماً.. لابد أن يضع المدخنون اعينهم على الحقائق والثوابت حول حقيقة عادة التدخين الكريهة وما في التبغ من مكونات بالغة الضرر بالصحة، تقود بالمدمنين عليه إلى الانتحار البطيء، وتضر بصحة غير المدخنين الذين يستنشقون دخان التبغ، وبالتالي لحمايتهم لن يجدي نفعاً سوى تهيئة بيئة خالية تماماً من التدخين لحماية غير المدخنين من خطر التعرض قسراً للتدخين. - المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني