ثمة مثل شعبي يقول: »الأعور في بلاد العميان آية..«. ولا أدري لماذا يتكرر هذا المثل في ذاكرتي كثيراً، وأنا أقف أمام ملصق إعلاني ملون ومصقول، يتحدث عن مدربين ودورات وأمسيات ومحاضرات في مجال التنمية البشرية، وكل ذلك خصيصاً لليمن وهذا الصيف. الحديث عن التنمية البشرية ومجالاتها المتعددة ليس بهذه البساطة ألبتة، فهذا المجال مازال غائباً إن لم يكن مجهولاً في المجتمعات العربية والإسلامية عموماً، هذه المجتمعات التي مازال يعاني أغلبها الفقر والأمية، ولا تفكر إلا في خبز يومها وكيف يمكن لها أن تعيش حياتها كفافاً مادامت تحت خط الفقر وما دون ذلك بكثير؟!!. هرج ومرج إعلانمي »إعلان + إعلام« باهظ التكلفة حتماً، لكنه بلا شك وسيلة ناجعة للتأثير واستحلاب جيوب كثيرين ممن يبحثون عن المستقبل والثراء والنجاح عبر تنظيرات المحاضرين وتخطيطات المدربين، هؤلاء الذين يهبطون علينا زرافات ووحداناً، ولهم في الصيف سوقهم الأكبر والأكثر أرباحاً. للصدق، نحن بحاجة إلى سبر أغوار هذا المجال الحيوي المهم والحساس جداً، ودون التنمية البشرية المعنية بصناعة كينونة الإنسان أولاً، لا يمكن لنا أو لأي مجتمع كان النهوض مهما كانت مقدراته الاقتصادية ودرجة رفاهيته. والسؤال المثير للحيرة هو عن طبيعة الأسماء وخلفياتها الثقافية والفكرية »دعك من مؤهلاتها« لهؤلاء المدربين والمحاضرين الذين يفدون من دول الخليج وبخاصة السعودية الشقيقة وتتراوح تخصصاتهم »إن كان ثمة تخصص« ما بين البرمجة اللغوية للأعصاب والتنويم المغناطيسي وكل ما يتعلق باكتشاف الذات وصناعة المستقبل والمهارات النظرية بكيفية الثراء والنجاح والقيادة. وبالتأكيد فالمجتمع الخليجي هو واحد من المجتمعات النامية في عالمنا الثالث، ومازال رغم ما يعيشه من رفاهية وطفرة اقتصادية الأحوج إلى مفاهيم ومبادئ التنمية البشرية التي لا أظن أنه قد تجاوز الفصل الأول من مرحلتها الابتدائية. وهذا ما جعلني أتعاطف كثيراً مع مقولة أحد الزملاء بعد أن وقع في فخ الإعلان الملون والمصقول؛ والدفع مقدماً، مقابل الحصول على حفنة كلام ودردشة من أحد المدربين، الأنيق للغاية!!. وقد قال هذا الزميل: إن اليمن سوق حراج كبير حتى للكاسدين من الناس في البلدان الأخرى، وإن هؤلاء الذين ينظّرون ويحاضرون بأسمائهم الطازجة على الذاكرة، جلهم يعاني عقدة الفشل ويبحث عن ذاته الضائعة في وجوه الحالمين الصغار بمستقبل أفضل ومريح.