عدن مدينة ساحلية عتيقة يعبق التاريخ والأصالة والمجد في هوائها وجبالها وشواطئها وبيوتها ويلفح بها ساكنيها البسطاء الكرماء الذين تختلف لهجاتهم ولغاتهم ومناطقهم وبلدانهم. فعدن باعتبارها مدينة ساحلية مزدهرة منذ القدم قد استقطبت سكانها من شتى انحاء اليمن وخارجها ، فقد توافد إليها وسكنها الانجليز والهنود والفرس والصوماليون إلى جانب يهود اليمن وبعض الجنسيات الأخرى فكانت شوارعها وحواريها تضج بحركة اقدامهم ، يعيشون في توافق وانسجام يقل مثيله وبطبيعة الحال فأية مدينة ساحلية في أي بقعة من العالم دائماً ما تستقطب مجموعات مختلفة من البشر ، ولكن عدن الحبيبة تميزت بموقعها الجغرافي الجميل الذي تحتضنه الجبال برفق وكأنها تحميها من الأعداء الغزاة الطامعين ، هذه عدن فهي قادرة على التحدث عن نفسها دون الحاجة لمن يتحدث عنها فهي تقف بعزة وكبرياء واحباؤها ينحنون لها بكل اجلال واحترام لهذه المدينة الباسلة التي استعصت على الأعداء عبر كل الأزمان ، من مناطق عدن نأخذكم في جولة قصيرة تعريفية إلى منطقة القلوعة التابعة لمديرية التواهي. فهذه المنطقة تقف خلفها سلسلة جبال شمسان الشامخة الممتدة من مديرية المعلا ، والقلوعة عرفت منذ ايام المستعمر البريطاني بحي الثورة ، حيث كانت تسود فيه الحركات الثورية والتحررية ضد المستعمر البريطاني ، واسم المنطقة تغير منذ سنوات إلى اسم منطقة الروضة ولكن اسم القلوعة يبقى الطاغي والمهيمن ، ويرجع أصل الكلمة القلوعة ، إلى اللغة الصومالية وتعني الخط الدائري ، فهذه المنطقة تجاورها مديرية التواهي ومديرية المعلا وهي تتبع الأولى فالقلوعة بنيت أيام المستعمر البريطاني وسكنها فئة العمال التابعين أكثرهم لمصافي البيربي فكانت تمتاز بقلة ساكنيها ، وتنوعهم ولكن مع ازدياد النمو السكاني لمدينة عدن بشكل عام أصبحت القلوعة تمتاز بتعدد سكاني كبير إذ انها الآن منطقة شعبية تتمتع بحركة دينامكية متواصلة صباحها مثل مسائها المضاء بأعمدة النور الساطعة حتى ساعات الفجر الأولى ، إذ ترى بعض ساكنيها يطيب لهم السمر والسحر مع بعضهم البعض وبعض المحلات والكافتيريات التي لاتغلق ابوابها فالقلوعة اشبه بعين لاتنام ، اما في أيام شهر رمضان فأنها تضج بالحركة والحياة من اطفالها وشبابها ونسائها وكبار السن عبر مساجدها وحواريها وتبادل الزيارات بينهم البين ، والخروج للتنزه في الشواطئ والتسوق حتى موعد آذان الفجر.. والقلوعة هي الطريق الثاني بعد منطقة التواهي المؤدي إلى شاطئ جولد مور الجميل ، ولابد قبل بلوغك الشاطئ من القلوعة إلا وأن تعبر نفقها الكبير الرائع الذي يحوي السحر والجمال الخلاب اثناء الليل باضاءة الأنوار ، فسكان عدن عامة لديهم مايشبه احدى التقاليد التي استحدثوها وهي احتفالية عرس يقيمونه إذ لابد لهم من الخروج والمرور بسياراتهم واطلاق ابواقها ودق الطبول واطلاق الزغاريد وصيحات الفرح من النساء والشباب والأطفال والوقوف لفترة قصيرة في هذا النفق الرائع رغم مايتعرضون له من تحذيرات ومداهمة افراد الشرطة باعتبار هذا تعطيل لحركة السير والمرور ، وفي العقيقة فإن المرور بالنفق وزفة العرس لها ميزة خاصة لدى سكان عدن رغم وجود نفق صغير بمنطقة التواهي إلا أن نفق القلوعة هو الأكبر والاقرب إلى أكبر عدد من مناطق عدن ، فالمطقة عند دخولك لها يستقبلك خط مترا من الابنية المسمى بلوكات ومفردها «بلوك» وجامع كبير فنحم يمتاز بمئذنة رائعة خاصة أثناء المساء فهي تتزين بالأنوار المتعددة الألوان والفضل الكبير في بنائه يعود لمجموعة هائل سعيد أنعم بعدها يستقبلك مفترق طريق إلى اليمين شارع الرصافي وإلى اليسار شارع الزيتون ، ومفترق الطريق المؤدي إلى النفق يسمى شارع الروحي ،حيث يوجد بريد القلوعة ، ونظام البيوت الأساسي في القلوعة البلوكات وبعض العمارات وبيوت مستقلة تصطف على مرتفعات الجبال التي تحيط بالمنطقة ، أما عن بيوت البلوكات مفردها «بلوك» ولكل بلوك رقم محدد فهي تتواجد بشكل أكبر في القلوعة وفي منطقة الكبسة مديرية المعلا وفي كريتر عدن بعدد بسيط ، والبلوك عبارة عن اربع ابنية كل بناية تواجه الأخرى وتتلاصق مشكلة حوش كبير وفي كل بناية ثلاث طوابق وفي كل طابق شقتان ، والشقة تضم عند دخولك لها حمام ومطبخ بقرب المدخل ثم صالة صغيرة يليها غرفتان صغيرتان فهذه البيوت اشبة بالباص ، وبذلك يتشكل البلوك من 24 منزلاً ، وكذلك توجد بيوت البي بي فهي عبارة عن صالة صغيرة وغرفتين صغيرتين وحمام ومطبخ ولكن تصميمها يختلف عن البلوكات إذ انها عبارة عن خط متراص من الابنية مكون من شقق أرضية وطابق واحد وتواجه كل بناية الأخرى ممتدة من المسجد الكبير حتى مصنع الطحين ، فالقلوعة لديها حراك ثقافي ورياضي وفكري بين أواسط ساكنيها إذ انها حالياً تم فيها تطوير وتحديث نادي الروضة فأصبح مواكباً للاحداث الرياضية بشاببه المميزين إلى جانب أن نادي الروضة الذي يوجد في شارع الزيتون يشهد حالياً تطوراً ملحوظاً وكبيراً في إنماء الحركة الثقافية لدى شبابه عبر عقدالحوارات واللقاءات والندوات وخاصة ندوة كل اربعاء من نهاية كل شهر ، فالقلوعة تضم نخبة كبيرة من المثقفين والمبدعين والتربويين والصحفيين أمثال نجمي عبدالمجيد وعبدالرحمن نعمان ، إلى جانب الفن والمسرح امثال المممثلين القديرين قاسم عمر وسالم العباب ، هذا موجز بسيط جداً عن منطقة القلوعة التابعة لمديرية التواهي ، اتمنى أن اكون قد اوفيت للقلوعة حقها للتعريف بها كأحد اجزاء مدينة عدن الخالدة.