حين كانت الجبال تمحو بظلها آخر خصيلات أشعة الشمس حطًّ حاج* النسور على صخرة قريبة ... وقد بلغ من الكبر عتياً ، لكنه لايزال مفتول العضلات قوي الشكيمة تهابه أسراب النسور . لم يكن باسم قد عرف أسرابها إلا حين [ حُرمت بقرة جدته حفيظة ] ظلت البقرة مرمية خلف القرية ... تكاثرت النسور على قمم الجبال ... تجمع الأطفال على مقربة من مكان الفريسة ، وصاح الجميع : حلال ياحاج النسور ... حلال ياحاج النسور ...!! لاح في الأفق البعيد للقرية ، ينظر الى مكان المأدبة ... لم يجد أثراً لأي نسور آخر ... قطيعة هو الوحيد الذي انفرد ببقرة حفيظة ... إتجه يسابق الريح ، خبط أجنحته تملأ المكان ، لم يدرك الأطفال قدومه إلا من خلال ذلك . عبر منازل القرية فوق رؤوسهم ليحيط على مقربة من الفريسة ، وقف لبعض الوقت على صخرة ينظر إلى الأطفال يجس نبض المكان استعداداً لاستدعاء بقية أفراد القطيع ، إتجه مهرولاً بخطى متأرجحة إلى اليمين واليسار نحو الفريسة يطلق أصواتاً ... يوجه عنقه كالسهم في إتجاة الفريسة . تساربت الغارات الأولى تلو الأخرى الى المكان أخذت الجماعات الصغيرة أماكنها في مواقع مختلفة ... لم يجرؤ أحد بالتقدم ليشاركه ( نهش ) الفريسة ... باسم لايزال يراقب تلك الأعراف النسورية ، أوحى له هذا النظام أن تلك الأسراب من النسور تحرس حاجًّها على مضض ... لم يقف باسم ذلك الصبي الصغير متفرجاً ، فقد استغل لحظة غياب رأس حاجًّ النسور في أحشاء البقرة وامسك برجله مبتعداً به عن الفريسة قائلاً : ماذا تبقى لتلك الأمهات والصغار ... وَ...وَ... اتركني فأنا الذي امنحهم الفريسة وهم يمنحوني القوة . تستطيع أن تكون قوياً حين تحقق أحلامهم المتساوية في سلطنة النسور . كيف ؟ أن نترك كل نسر يسلك طريقة بنفسه بالطريقة التي يرغب : فقط أن توفر لكل نسر في سلطنة النسور الأمن والعدل . لكنني أحافظ على فرائسهم من الصقور . الصقور ..آه ..آه إنها لا تأكل الموات هي تحب الاصطياد في البراري ... ولا تأكل نفايات القرى . تجمعت بعض النسور الناشئة بعيداً عن الفريسة يدلقون أحلامهم على صخور الجبال الجافة ، ظهر في الأفق البعيد كعلبة الصلصة يحفّه سرب آخر ...فرك باسم عينية لتوضح الرؤية ،هبط على الصخور القريبة من البقرة الميتة ، تقدم إليها بحركة جمبازية خفيفة ، باسم مازال على حالته ...يمسك بتلابيب صخرة صغيرة وبجواره عدد من أترابه أطفال القرية . سأله أحدهم .. هل توجد نسور في المدينة؟ ابتسم قبل أن يجيب حتى ظهرت سنه المخلوع : النسور في كل مكان... بل إن نسور المدينة أكثر نهماً لأكل الموات . تقدم ذلك النسر الأصغر الى البقرة ... دار في خاطر باسم انه نسر لاتزال اظافرة طرية وفقاره لم تشتد بعد ، هل سيأخذ شيئاً من الطعام أمام هذا الحشد ؟ !! كانت النسور على كثرتها تتناوب نهش البقرة بانتظام ... فجأة ثار حاج النسور امتلأت أوردته بالدم الأسود تطاير الغبار من شدة الجوقة ... لم يدرك ذلك النسر الصغير الذي كان يمد عنقه بحذر لخطف نتفٍ من جسم البقرة حتى قُذف به الى أحشائها ، حاول غير جاد الخروج من هذا المأزق ، لم يستطع، استقر به المطاف بحالة المكدود . بدأت النسور تلتهم لحم البقرة بعشوائية وتفرقت مطوقة جسدها تنهش جميع الأعضاء ... عينيها ... أذنيها ... لسانها ... عنقها... أطرافها ، ارتفعت أصوات النسور لتملأ المكان ، الصغيرة لايزال يتجول داخل أحشائها ، في المعدة ... الأمعاء الغليظة ... الأمعاء الدقيقة ... لامس الحجاب الحاجز دلف الى القفص الصدري ... تحسس قلبها لعلة يجد سبباً لوفاتها ركز في تشخيصة على القطع المهمة ... القلب الكبد وجد عدداً من (الحوانيت ) قد فتحت أبوابها في القرنية سكنها أفراد يبيعون القبلات ... والأحلام ... والزمن المنمق ! اجبرتة طبيعته الغريزية على الطيران في الفضاء والتحليق حول العالم أراد أن يخرج من ذلك المأزق المحوصل في القفص الصدري للبقرة ... تقدم الى الأمام تراجع الى الخلف أخرج رأسه من بين أضلعها لم يستطيع الخروج ولم يجد بداً من أن يشاهد العالم والكائنات من حولة وهو محبوس داخلها !!!