حافظ على مكانته بين جميع فئات الشعب اليمني لم يصطدم بالموضة، بل تناغم مع خيوطها، فأضفت عليه لمسة جمالية وأكسبته مسحة شعبية كبيرة، جعلت منه اللباس المفضل لنحو 80 في المئة من اليمنيين.. إنه «المعوز» الزي الشعبي الأكثر شهرة وانتشاراً في اليمن. والبادي للعيان أن المعوز الذي يلفه اليمني عادة على خصره تاركاً للجزء الأكبر منه أن ينسدل إلى ما تحت الركبة هو العنوان الذي يميزه عن غيره ويعرف به على مر التاريخ. فالنقوش الأثرية والرسوم الأثرية للحضارات اليمنية القديمة كلها تعطينا صورة نمطية للزي اليمني الذي حافظ على مكانته عبر التاريخ. ومع أن هذا الإزار ظل أكثر انتشاراً في المناطق الجنوبية الحارة للبلاد، إلا أنه اليوم يكاد أن يكون اللباس الأوسع شعبية وانتشاراً في كل مناطق اليمن. ويتطور هذا اللباس دوماً محافظاً على شعبيته، فقديماً كانت المعاوز تحاك من خيوط القطن البيضاء المنسوجة محلياً وأطلق عليها «المئزر» أو «الكساء» فتلبس بلون واحد هو الأبيض أو الأسود. وهذا الأخير كان يصبغ بالنيلة، أما اليوم فإنها بألوان وأصناف كثيرة يحرص صناعها على التفنن في حياكتها وتزيينها بنقوش شتى تلبية لاختلاف أذواق الناس واستمالتهم لشراء هذا اللباس فتعددت أنواعه وأشكاله. ويقول علي عبده الأصابي صاحب محل لحياكة وبيع المعاوز: هناك أنواع وأشكال مختلفة تلبي الرغبات والأهواء حسب السن، منها الصافي أو ما يسمى باللهجة المحلية «السادة» ويكون بلون واحد غير ناصع تماشياً مع الأذواق الرجالية المقبولة اجتماعياً وهذا النوع يلاقي إقبالاً من الكبار وبعض الشباب الذين لا يميلون للفت الانتباه ثم هناك القدا وهو منسوج من لونين وتطريزاته قليلة ويحظى برواج بين كل الأعمار، ثم المنقوش وهو بلون واحد تتخلله نقوش من لون أو أكثر ويكون سميكاً مقارنة بغيره من الأنواع الأخرى. وحول المواد التي يصنع منها يقول علي عبد الخالق: ل«البيان الاماراتية» قديماً كانت المعاوز تصنع من خيوط قطنية بيضاء تنتج محلياً لكن تلك الخيوط ظلت على ما هي عليه في العقود الأخيرة ولم تستطع توفير الألوان والنعومة المتوافرة في مثيلتها المستوردة من الخارج خاصة من اندونيسيا والهند والصين. لذلك وأمام المنافسة والحرص على الجودة أصبح جميع صناع وحائكي المعاوز يستخدمون الخيوط المستوردة من الخارج في إنتاج هذا اللباس اليمني الفريد لكنهم بآلاتهم التقليدية ينسجون أحسنها وأكثرها جمالية. ويقول علي البتول بائع معاوز في العاصمة صنعاء: إن الإقبال على هذا الزى الشعبي يعزى إلى أنه يساير الموضة، حيث أدخلت عليه ابتكارات ونقشات جذابة علاوة على انه رخيص ويعمر كثيراً مقارنة بغيره من الملابس كالأثواب والبنطلونات.. وكذلك فهو يناسب البيئة اليمنية خاصة في المناطق الحارة التي يصعب فيها ارتداء ملابس ضيقة كل ذلك جعله اللباس المفضل عند اليمنيين قديماً وحديثاً. ويرجع العديد من المتابعين الانتشار الواسع للمعاوز عند اليمنيين إلى التشجيع الذي يلقاه صناع هذا اللباس في السنوات الأخيرة من قبل الصندوق الاجتماعي ووحدة تمويل المنشآت الصغيرة التي تقدم قروضاً ميسرة للمشتغلين في إنتاج هذا اللباس، وبالتالي بقي سعره في متناول اليمنيين يتراوح مابين 3 إلى 4 آلاف ريال. .وثمة من يرى أن ولع اليمنيين بالمعاوز له أسباب ومبررات كثيرة اقتصادية واجتماعية ومهنية وحسب هذا الرأي فهم يفضلونه لأنه الأنسب لأعمالهم وأنشطتهم اليومية، فالمجتمع اليمني زراعي بامتياز ومازال حتى يومنا هذا يغلب على نشاط سكانه الفلاحة فحوالي 78 في المئة من السكان يعملون في الزراعة. وكما هو معلوم فإن الاشتغال قي هذه المهنة يتطلب حراكا وانتقالا من مكان إلى آخر وكذا ملامسة التربة وتسلق الأشجار الأمر الذي يعرض ملابس المزارع للأتربة والطين. ولهذا فالمعاوز واختيار ألوانها لم تكن بعيدة عن الظروف التي يشتغل فيها السكان لاسيما إذا ما علمنا ان طبيعة الأنشطة التي يزاولها الناس لا تحدد فقط ملابسهم بل وألوان تلك الملابس، وهو ما يتوفر في هذه القطعة اللصيقة بالحركة والشغل الذي يمارسه المزارع اليمني وعامل البناء.. فهي تختار بعناية فائقة تلائم حاجة الفلاح اليمني وتتوافق مع الظروف التي يعمل فيها لابسه.. فرفع المعوز إلى الركبة يصبح كما لو أنه (شورت) قصير يخفف عنه شدة الحرارة ويعطيه حرية كافية للحركة دون أن يعرضه لمعوقات قد تربك حركته. ولذلك فهو مناسب للعمل في مناخ حار وبوضعيات مريحة. وعموماً، وعلى رغم العلاقة العملية والتاريخية الضاربة في القدم بين هذا اللباس اليمني ومرتاديه فإن ذلك يشجع على تطوير المنتجات القطنية اليمنية بالقدر الذي يجعلها تنتج النسيج الضروري لهذه الصناعة بدلاً من استيرادها من الخارج وهذا أمر ممكن لأن البلاد لديها منتوج وفير من القطن وينقصها فقط تحسين وتطوير إنتاجه حتى يصبح هذا الزي يمنياً خالصاً إنتاجاً وارتداء لاسيما انه كان ينتج في السابق بمواد وأياد يمنية صرفة.