(8) لوي باستور (1822- 1895): اُعتبر باستور، قبل رحيله عن هذه الدنيا سنة 1895م، واحدًا من كبار الطليعيين في علم الأحياء (البيولوجيا)، وأحد كبار المحسنين إلى البشرية جمعاء. عُرف لوي باستور، الذي مُدح في تأبينه بأنه "الرجل الأكثر كمالاً الذي دخل مملكة العلم"، في آن معًا بأنه حلاّل معضلات ،عمليّ وعبقرية نظرية. وقد اكتشف هذا العالم الكيميائي الفرنسي أن الحرارة سوف تقتل المتعضيات غير المرغوب فيها، التي كانت تحوّل النبيذ مرًّا. وسرعان ما طُبّقت طريقة "التعقيم" (البسترة) على أغذية وأشربة كثيرة. إن اكتشاف باستور الميكروب الذي كان يصيب بيوض دود (القزّ) والقضاء عليه، يُعزى إليه الفضل في إنقاذ صناعة الحرير الفرنسية. وساعد، إذ أدرك أن معظم الأدواء تتسبب عن المتعضيات المجهرية، على وضع النظرية الجرثومية. وباستخدامه ميكروبات مضعّفة في اللقاحات لإنماء المناعات ضد الجمرة (وهو مرض مهلك من أمراض الماشية) وأمراض أخرى، أنقذ باستور حيوانات لا يحصرها عدّ، وحسّن علم المناعة. بدأ باستور، عقب ما بدا أنه انطلاقة عنيدة ومتصلّبة، الدراسة الجدية للكيمياء في جامعة السوربون سنة 1843م، ونال شهادة الدكتوراة في العلوم سنة 1847م. وقد اشتغل في استقطاب الضوء بالمركّبات الكيميائية. وقد عُيّن سنة 1848م أستاذًا للفيزياء في مدينة ديجون، واستدعي في السنة التالية إلى استراسبور لتدريس مادة الكيمياء. وبات سنة 1854م عميدًا لكلية العلوم في جامعة ليل. ومن سنة 1857م إلى سنة 1867م كان مديرًا للدراسات العملية في دار المعلمين العليا. وقد أصبح عضوًا في الاكاديمية الطبية الفرنسية سنة 1873م، وخصّص له المجلس النيابي الفرنسي، في السنة التالية، مرتّبًا سنويًا مدى الحياة. في سنة 1879م، اكتشف مع كلّ من شامبرلان و رُو، وهم يدرسون كوليرا الدجاج، مبدأ اللقاحات الوقائية بالميكروبات الملطّفة حدّتها. ومع تويليه، درس ميكروب حصبة الخنزير، وتبيّن في هذا الصدد التعديلات في حدة الجرثوم الذي يمرّ عبر متعضيات مختلفة الأنواع. وفي سنة 1881م، شرع مع رُو في البحوث حول داء الكَلَب، وقد أدّت سنة 1885م إلى الحصول على لقاح يُستخدم على الإنسان عقب أن يعضّه حيوان مسعور، ويكرّس هذا الاكتشاف الذي يثير الخصام ما بين المؤيدين (الأنصار) والخصوم للنظريات الجديدة، مجد باستور. وفي سنة 1882م أُنتخب عضوًا في الأكاديمية الفرنسية (مجمع الخالدين الأربعين)، وسنة 1885م استخدم للمرة الأولى اللقاح ضد السعار (داء الكَلَب). وتأسس في سنة 1888م "معهد باستور" في باريس، وقد ترأسه حتى وفاته سنة 1895م.