الأصل أن الإيمان- كالعلم- رحم بين أهله، والإسلام يجعل المسلم أخاً للمسلم: لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله، وهو ينهى عن العصبية نهياً شديداً، ويمقت المتصفين بها. ومع ذلك، فإن من عوامل ضعف تأثير الصحوة الدينية المعاصرة ما ابتلئ به كثير من أبنائها من التعصب الأعمى لمن دخل معهم في جماعتهم، والتعصب الأعمى على من لم يشاركهم في هذه الجماعة. وهؤلاء لا يرون لإخوانهم في جماعتهم خطأً قط، ولا يعيبون عيوبهم، ولاينهون عن مناكر القول والعمل، لأن الإنتماء إلى «جماعتهم» سببٌ كافٍ لغض البصر، وإغماض العين عن كل خطأ وخطيئة. وهم في الوقت نفسه لا يرون فيما يفعله غيرهم من خير أو بر أو تعاون على طاعة وهدى شيئاً، يجب أن يحمد ويشكر ويؤازر بل هم يتربصون بأولئك «الآخرين» ليلتقطوا أية بادرة هفوة أو كبوة، وينصنعوا منها مأخذا عظيماً تلوكه ألسنتهم، ويمشون بقالة السوء عنه بين الناس، غير حافظين لأخوة الإيمان حقها، ولا لصلة الإسلام ما هي جديرة به. وهذا التعصب المقيت هو الذي ذمه ابن تيمية حين سئل عن قوم يتجمعون ويسمون أنفسهم حزباً، ويتخذون لهم رئيساً، هل عملهم هذا جائزاً شرعاً؟... فكان جوابه أن هذا التجمع إن كان على ما أمر الله به ورسوله، فهو خير، وإن زاد أصحابه فيه ونقصوا، كالتعصب لمن دخل في حزبهم بالحق أو الباطل، والتعصب على من لم يدخل في حزبهم بالحق أو الباطل، فهو تجمع مذموم لأنه من التفرق الذي نهى الله ورسوله عنه «المصدر: الرسائل والمسائل ج1، ص152- 153». والذين يصنعون هذا الذي وصفت من التعصب ل «إخوانهم» والتعصب على الذين لم ينضووا تحت لواء «جماعتهم» يقعون- أو يوشكون أن يقعوا- في مثل الذي وقع فيه بنو إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصواوكانوا يعتدون، كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون»- سورة المائدة- الآيتان 79978». والأمر في الإسلام على خلاف ما كان عليه اليهود، فالمؤمن، مرآة أخيه، والدين النصيحة، وهي واجبة لكل مسلم على كل مسلم، والموافقون في الرأي أو في الإنتماء الفكري أو السياسي أكبر حقاً من غيرهم، وليس من الأخوة الصحيحة غض الطرف عن أخطائهم أو خطاياهم. والكوت عن هذه الأخطاء أو الخطايا تعصباً للإنتماء المشترك يؤدي خسائر أكثر مما يحقق من منافع حتى على مستوى الجماعة الواحدة، فضلاً عما يؤدي إليه من تشويه صورتها وصورة المنتمين إليها في نظر الناس عامة..