عادات وتقاليد فرائحية بها يستقبل أبناء حضرموت الوادي والصحراء مناسبة العيد، وربما تختلف تلك العادات والتقاليد نسبياً عما هو حاصل في بعض مدن وأرياف اليمن.. منذ الصباح الباكر والناس يتهيئون للغسلة وارتداء الملابس الجديدة والذهاب إلى مصلى العيد.. وبعد أداء الصلاة ينتفضون جميعهم في ساحة المصلى يتبادلون التهاني «عيد مبارك» فالعبارة «من العائدين والفائزين» هي الأكثر تداولاً في حضرموت الوادي والصحراء.. فيهل العيد ويحل الفرح ويبتهج الجميع بقدومه كمناسبة دينية عظيمة. تبادل التهاني وبعد الفراغ من أداء الصلاة وتبادل التهاني يذهب أبناء حضرموت الوادي والصحراء كما هي عادتهم إلى زيارة القبور، لأن في ذلك تذكرة وموعظة حسب قول نزار باحميد الذي يبدي اهتماماً أكبر بالموروث الثقافي والشعبي في وادي حضرموت، ويشير إلى أن الناس يخرجون من المساجد إلى زيارة القبور لتذكرهم بالآخرة، ولهذا فهم حريصون على زيارتها حتى لاتطغى عليهم فرحة العيد وينسون الآخرة، وخلال زيارتهم للمقابر يتذكرون أمواتهم ويقرأون الفاتحة على أرواحهم. زيارة المقابر وما إن تنتهي زياراتهم للقبور يعودون إلى منازلهم، ومن ثم يبدأون بزياراتهم المتبادلة لتقديم التهاني والتبريكات بمناسبة العيد فيما بين الأهل والأقارب والجيران وسكان الحي، وعادة ماتكون هذه الزيارات في أوقات قصيرة لأن هناك التزامات أخرى كما أشار لنا عبدالله بلفاس من سكان مدينة سيئون وقال: خلال تلك الزيارات المتبادلة يتناول الزوار مع أهل البيت، الشاهي والحلويات بأنواعها والمكسرات. لم الشمل وفي يوم العيد يحرص الحضارم على تقديم وجبة الغداء في وقت مبكر على غير ميعادها المحدد في بقية الأيام ويكون ذلك قبل الظهر.. وبعد أن يأدوا صلاة الظهر ومن ثم يأخذون استراحتهم حتى وقت العصر وخلال تلك الاستراحة يفد الأصهار والأرحام إلى بيت كبير العائلة ليقدموا المباركة والتهاني بالعيد، فيجتمع الأصهار والأعمام والأخوال والأهل عموماً في بيت كبيرها فيلتقون جميعهم في جو تملؤه البهجة والسرور ويتبادلون الأحاديث العائلية وشئونهم ويتناولون حينها المكسرات والحنظل والشاي واللوز والحلويات والعصائر. تناول الشاي وبحسب نزار باحميد معد برامج في إذاعة سيئون أن الضيف في أيام العيد لايدري أين يذهب بأكواب الشاهي التي تستاق إليه من كل اتجاه وقال ربما يتناول الضيف أو الزائر للبيت مايقارب عشرة فناجين، لأنه كلما دخل بيتاً وجد الشاهي بانتظاره ولأن اليوم يوم عيد لايستطيع الضيف رد ذلك فيضطر إلى شرب الشاهي جبراً للقلوب والخواطر. العواد وفي بعض المناطق من وادي حضرموت لاتزال طريقة المعاودة أو «العواد» قائمة حتى اليوم وهي أن يزار كل بيت من بيوتات الأسرة الكبيرة التي قد تفرخ منها منازل عديدة حيث يزور الفرد منها كل بيت من بيوت أفراد العائلة والتي قد تصل إلى 20 بيتاً ولذا يحرص الجميع على القيام بهذه الزيارة والتي تستغرق أحياناً يومين أو ثلاثة أيام وفي هذا «العواد» العائلي أبرز مايقدم البخور وعادة مايقدم في نهاية المطاف أي قبل المغادرة ووفقاً للمثل الحضرمي «لاقعود بعد العود» أي لاجلسة بعد أن يأتي البخور، فالبخور تختتم به المجالس حتى تبقى الرائحة جميلة على ثبات الزوار عندما يخرجون إلى مكان آخر.. واستغلالاً لهذا الجو الفرائحي يعيش الجميع من العائلة مشاعر الألفة والترابط والصلة مليئة بالبهجة والسرور فيتناوبون في إلقاء القصائد الشعرية والأناشيد وغيرها من المشاركات التي تلطف الجو وتضعهم في جو فرائحي كبير. في الماضي يقول المؤرخ الحبيب/ جعفر باحليقة «السقاف» كان السلاطين «قديماً» يخرجون في أيام العيد هم وجنودهم لهم أناشيد خاصة يرقصون ويشهرون السيوف ويطلقون الأعيرة النارية، وكان السلطان يخرج في موكب مهيب يتقدمه العلماء، فإذا وصلوا إلى مسجد الجامع دخلوه، وكان السلطان لايخرج من الجامع إلا بعد أن يخرج العلماء ويكون هو وراءهم.. ومن حسن الحظ أن هذه الطقوس التي كانت تؤدى أيام العيد في عهد السلاطين في وادي حضرموت مازالت موثقة في أفلام سينمائية لدى المؤرخ الحبيب جعفر باحليقة آخر من كان من السلاطين السلطان حسين بن علي الكثيري، وكان يذهب بموكبه إلى قصره وأمامه فرق الرقص من الجنود لهم رقصة خاصة، ومنهم آل ربيع لهم رقصة خاصة أيضاً يذهبون إلى السلطان يتبادلون معه التهاني بالعيد ويشربون القهوة ثم ينطلقون. طقوس فرائحية ومن عادات العيد في الثلاثة الأيام هذه تؤدى رقصة «الطيالة» وهي رقصة خاصة بالسلطان ورقصة «الغياض» وهي خاصة بالمساكين ورقصة الزوربادي الخاصة بالطبقات الأخرى، السادة والعلماء والمشائخ، وكل له رقصته الخاصة وتؤدى هذه الرقصات لمدة ثلاثة أيام في أوقات العشية، حينها يخرج الناس كباراً وصغاراً يرقصون في الساحة المحددة للاحتفال بالمناسبة، وتتخذ النسوة من شرفات المنازل مكاناً لمشاهدة الرقص وإطلاق الزغاريد وكل واحدة تشاهد زوجها أو ابنها أو أباها وتكون مشجعة له وتطلق الزغاريد إعجاباً برقصه. حضور المرأة المؤرخ جعفر باحليقة قال: في الماضي كان هناك نوع من الحرية للمرأة حيث كانت مشاركتها من قبل هذه المناسبات الاحتفالية فعالة، وفي البادية كانت المرأة ترقص مع الرجل في المناسبات، فكانت الأعياد في الماضي مليئة بالفرح والابتهاج، مبدياً أسفه على اختفاء مثل هذه الظواهر التراثية الفرائحية. رقصة الشبواني ومن الألعاب الشعبية التي يؤديها الكبار في مثل هذه المناسبات، «المطلع الشبواني» الذي اشتهرت به حضرموت وبشكل كبير وهي من الألعاب الشعبية سواء في الوادي أو في الساحل وهي عبارة عن رقصة شعبية تستخدم فيها المراويس والطوس والهاجر والدف ولها أشعارها وألحانها الخاصة وايقاعاتها وحركاتها المتميزة، ولايجيدها إلا من هو بالفعل فارس في هذا المجال وهي رقصة تعبر عن مدى تلاحم الجميع وتكاتفهم في وقت السلم والحرب على السواء وفيها يعبرون عن رفضهم للظلم والاستبداد والاحتلال وحبهم المتنامي للحياة السعيدة. وتتكون هذه الرقصة من صفوف منتظمة من الراقصين يصل عدد الصفوف إلى خمسة أو أكثر ويحمل كل راقص منهم «عصا» لايزيد طولها عن متر ويضعون على رؤوسهم مايسمى ب «الرُمَّان» وحينها يقدم الشعراء الذين يقفون إلى جانب الراقصين أشعارهم والتي تحكي عن المناسبة التي يحتفون بها، ويردد الراقصون هذه الأشعار على ألحان منتظمة بالإيقاعات الشعبية وبشكل منتظم ومنسق يتحركون في المساحة المحددة للاحتفال والشارع القريب منها، ويقود هذه اللعبة الشعبية شخص يسمى «المقدم» وهو المسئول الأول عن توجيه الراقصين من جميع النواحي الخاصة بالرقصة والمتحدث الرسمي لهم أمام الآخرين، هذا ما أكده لنا الأخ نزار باحميد وبتوضيح أكثر من الشاعر محمد قحطان الذي شاهدناه وهو يقود الراقصين ويوجههم أثناء تأدية «المطلع الشبواني» في احتفالية تكريم مدينة شبام بجائزة الآغا خان للعمارة الإسلامية، وذلك في ساحة «السدة» البوابة الرئيسة لمدينة شبام والشارع المجاور لها حيث جرت رقصة الشبواني هناك. الحرص على المشاركة ونظراً للاعجاب بهذه الرقصة تجد كثير من الناس يحرصون على المشاركة ليس في الرقصة نفسها ولكن في الاستمتاع بأدائها ومشاهدتها والاستمتاع لما يقال أثناءها من الشعر حيث يتبارى الشعراء فيها ويناقشون موضوعاً ما أو يعبرون عن فرحة أو مناسبة وإلى جانب ذلك تؤدي رقصات أخرى، الشرح وبعض رقصات خاصة بالنساء، وهناك أيضاً بعض الاحتفالات ظهرت في الآونة الأخيرة لإحياء بعض العادات والتقاليد التراثية القديمة هنا في وادي حضرموت وبخاصة في سيئون حيث تقام بعض المهرجانات الثقافية الشعبية، في أيام العيد بهدف إحياء هذا التراث كالسناواة في الزراعة وبعض العادات التي اختفت كالرقصات المختلفة والتي تم إعادة توثيق مايقارب 50 رقصة بالاضافة إلى إعادة إحياء ألعاب الأطفال في مثل هذه المهرجانات التي تتزامن مع احتفال الناس في وادي حضرموت بأيام العيد. وجبات عيدية متنوعة وفي العيد يكثر أبناء وادي حضرموت من إعداد الوجبات المتنوعة الخاصة بهذه المناسبة وتكون الوجبة المفضلة والبارزة عن غيرها من الوجبات هي وجبة الأرز مع اللحم الغنمي، بالاضافة إلى بعض الجماليات التحسينية للوجبات الجمبري،البسباس بأنواعه وأشكاله و«البلاشان» ويحضر اللحم بطرق مختلفة فهناك، المكشكش والمقرمش وهذه شغلات يجيدها الطباخون أكثر وتظهر في البيوت في أيام العيد والمناسبات الأخرى كالزواج وغيره، ومع كثرة وتعدد الوجبات يأخذ كل فرد حريته في الاكل من الطعام والشراب.. بالاضافة إلى ذلك هناك وجبة العصيد الحضرمي وهي تختلف عن ماهو في المحافظات الأخرى فهي بالتمر و«الصليط» والسمسم وتؤكل حارة وتضاف إليها مادة لغرض تليينها تسمى «الحيدوان» والسكر، فهي من الوجبات المفضلة أيام البرد وأيام عيد الأضحى. عيد الأطفال للأطفال عادتهم في العيد وهم عادة مايكونون مصطحبين الكبار وجعلوا لأنفسهم «عواد» خاص فيذهبون إلى البيوت على شكل مجموعات ويقدم لهم أهل البيوت الحلويات، والشوكالاته بأنواعها والبعض يقدم لهم النقود وحينها تكبر فيهم الفرحة وهم في كامل زينتهم وأبهى حللهم وملابسهم الجديدة، بهذه الصورة يشعر الأطفال بفرحة العيد وأحياناً يعبرون عنها بترديد الأهازيج الخاصة بالعيد ويشعلون المفرقعات. يقول الحبيب/جعفر السقاف «مؤرخ» إن الاطفال يجتمعون ماقبل يوم التروية في المدارس ويصنعون لهم لعبة وهي عبارة عن قصب من «سنابل الذرة» ويستخرجون منها أعواد على شكل «قراطير» ويغنون عليها ويرقصون ويسمونها لعبة «التام تام ماشي تعلام» يعني عطلة مدرسية مافي مدرسة.. ومن ثم يخرجون من مدارسهم يرقصون على هذه الأغنية ويذهبون إلى سفح جبل وهناك يطبخون أكلهم ويسمون هذه «عيد الأطفال». يوم الحج الأكبر ويتجمعون في يوم عيد الحج الأكبر في تريم هناك يتجمعون في محل سفح الجبل وكأنهم في «عرفات» ويقرأون الأدعية وهم صائمون يوم التاسع وفي اليوم الثاني وهو اليوم العاشر «العيد»يعمل الأطفال على اعداد «القراصيع» في الليل وهي أشبه بالمفرقعات ويأتون بمادة متفجرة من البارود ويضعونه في حجر وعليه مسمار ويضربون به على حجر آخر فيحدث الانفجار ويدوي الصوت، ويستخدمون ذلك بدلاً من «القراصيع» المستورد. وفي اليوم نفسه تبدأ مراسيم العيد بعد أداء الصلاة والزينة كل واحد يذهب ليذبح ضحية ويوزعها على المحتاجين الذين ليس لديهم أضاحي العيد، فالأضحية توزع للفقراء والمحتاجين. يوم مطلع الحطب الأطفال في مناطق وادي حضرموت لهم فرحتهم الخاصة بهذه المناسبة ويوم «مطلع الحطب» وهو اليوم السابع من شهر ذي الحجة يردد أطفال مدينة تريم «الغناء» أغانيهم معبرين عن أفراحهم بالعيد وينتظمون في صفوف ويسيرون في مسيرة في الشوارع الرئيسية وبالطبول والأغاني،ويقول الباحث أحمد بن ضياء إن كثيراً من هذه العادات قد بادت،وأشار إلى أن الأطفال في الماضي وبخاصة في مدينة تريم كانوا يرددون في مسيرتهم الفرائحية في يوم «مطلع الحطب» بقدوم عيد الأضحى مبتدئين من بيت المعلم باغوث ومعهم بعير الزواد «جمل» يحمل تمرهم للغداء واللحم والأرز للعشاء، وهم يسيرون في مسيرة جميلة مروراً بشارع «دمون» الرئيسي بالطبول والأغاني الطفولية فأول رجز يقولونه: ياتواب تب علينا وارحمنا وانظر إلينا حتى إذا مشوا خطوات قالوا: معلمنا معلمنا جزاك الله خير وبعد الخير بعد الخير جنات النعيم ثم بعد خطوات يقولون: قال الفتى الشاعر مني سلام الله مني سلام الله على معلمنا عمر وعبدالله عمر وعبدالله ثم يقلبون المصرع فيقولون: عيد عرفة مشرق، والرز من كل عينه والمضابي تعكوش والعصيد الثخينة ويستمرون في أغانيهم وطبولهم قاصدين شعب لوسط ومعهم معلموهم وضيوفهم في ذلك المهرجان الطفولي فيظلون يمرحون في الشعب، وبعد أداء صلاة الظهر يأخذ كل واحد تمرة وحصته من اللحم المشوي ويتغدى ثم يعودون إلى ألعابهم حتى قرب العصر وبعد الصلاة تقدم لهم وجبة العشاء من الأرز المطبوخ بمرق اللحم ومعه بعض العظام والهرابيش مجموعة من الأمعاء والرئة والكبد وغيرها قطعاً صغيرة فيأكلون يتهيأون للرجوع وما إن يصلوا إلى مشارف دمون حتى تدق طبولهم ويعودوا إلى أراجيزهم السابقة صباحاً إلى أن يصلوا إلى بيت المعلم فيهتفوا بالدعاء. معلمنا معلمنا جزاك الله خير وبعد الخير بعد الخير جنات النعيم ثم يصيحون: ياالله بالعيادة ويذهبون إلى بيوتهم قرب المغرب ويشير أحمد بن شهاب إلى أن يوم «مطلع الحطب» هو ان الشباب وغيرهم يذهبون في ذلك اليوم ليجمعوا من الجبال والشعاب أكواماً من الحطب لبيوتهم في أيام العيد فيذهبون إلى الشعاب لجمعها ويحملون معهم غداءهم وماءهم ويعودون قرب المغرب حاملين ما استطاعوا ان يجمعوه من الحطب ثم تطور ذلك إلى جماعات يعملون لهم غداء ويمرحون ويعودون بالحطب أو قد لايعودون به وإنما قصدهم المرح في الجبال والشعاب. ويمضي أحمد بن ضياء إلى القول:هكذا تطورت العادة إلى ان وصلت إلى تسول الأطفال لجمع مايقيم لهم أفراحهم يوم السابع من ذي الحجة ودخلت الطبول والطوس في الجمع ابتداءً من ذي القعدة وقال:الآن وبعد أن جاءت المدارس الحكومية والأهلية تركوا تلك العادة وأصبح يزار لها الشباب والكهول والشيوخ بإقامة أفراح أخرى ذلك اليوم سواء في الجبل أو البيوت، ولذا انتهت عادة مطلع الحطب بأغانيه والتسول البريء لإقامة أفراحهم. وانقرضت كثير من العادات والتقاليد التي كانت تمارس في أيام الأعياد والمناسبات الدينية منها الفروسية وسباق الخيول بالإضافة إلى اختفاء كثير من مظاهر الاحتفال بالعيد، كالرقصات والأغاني والأهازيج وماشابه ذلك. فأجواء العيد في حضرموت الوادي والصحراء نظير ما يقام فيها من طقوس عيدية تكون أكثر فرائحية حسب مشاعر عوض سالم عفيف رئيس جمعية تطوير الحرف التراثية بمدينة شبام حيث يستمر الاحتفال بالعيد لأكثر من أسبوع وقال إن الفرحة بالعيد تكون لفترة طويلة،فالعيد جميل ويستمتع به الصغار والكبار وهو مناسبة عظيمة وفرصة للتآلف والتقارب والتراحم والتواصل بين الأرحام، وهذا لاشك من الأمور التي شرعها ديننا الحنيف من أجل خلق الارتباط الأوثق بين الناس الذين جعلهم الله شعوباً وقبائل ليتعارفوا.