عندما تستمع إلى موسيقى موتسارت تجد شيئاً من الراحة والدفء يسري فيك بمعنى انك تجد نوعا من الانسجام والتناغم الروحي بينك وبينها .. في الحقيقة إن التناغم والانسجام الروحي الذي يجده الفرد عند سماعه للموسيقى لا يأتي إلا في حالة ما يكون هناك انسجام بالطبع nature بين بناء الموسيقى وبناء شخصية المستمع . هذا التطابق Fitting يمكن أن نشبهه بالرنينResonance الذي يحدث في الطبيعة الذرية والنووية للذرات عندما تتطابق الترددات للأشعة الساقطة مع ترددات الالكترونات أو ترددات الأنوية. وبالتالي نحصل على أعلى قيمة للطاقة عند هذه الحالة . بالمثل عندما تتطابق تراكيب وطبقات الموسيقى مع تراكيب شخصية المستمع يحصل التوافق وبالتالي الانسجام ومن ثم التناغم الروحي وهذا السر في أن البعض يعتبر الموسيقى من ضمن أنواع العلاج الطبيعي. حقيقة هذا التناغم الروحي الذي تجده في الموسيقى الرائعة لن تجده في الموسيقى الصاخبة -النشاز- والتي لا ترقى إلى سمعك عن أن تصل إلى روحك وتهديك ذاك الانسجام والتناغم الروحي . وبالتالي لا تحقق التوافق للطبيعة البشرية . من هنا نستطيع القول أن انعدام التناغم بين الموجودات يفقد الحياة توازنها والذي يؤدي إلى انهيار المادة وبالتالي فناء الكون . عندما أعلن العالم الشهر رذرفورد نظريته عن التركيب الذري أدخل الذرة مرحلة جديدة من الفهم للترتيب الذري ولكن - وتحت سيطرة النظرية الكلاسيكية الشائعة آنذاك- افترض أن الإلكترون أثناء دورانه حول النواة وبتأثير المجال الكولومي للنواة يفقد بعضا من طاقته مما يجعله يتحرك في مسار حلزوني يقترب فيه شيئا فشيئا من النواة إلى أن يصطدم بها وبالتالي تنهار الذرة... أي أنه أوصل الذرة إلى حالة غير مستقرة وبالتالي وقع في تعارض مع التركيب الكوني المنسجم "والمتناغم" وهو بالتالي يؤدي بنا إلى انهيار الكون وهذا غير صحيح فالكون في حالة استقرار وتوازن وتناغم دائم بين موجوداته وأحداثه. هذا الأمر فطن له فيما بعد العالم بوهر والذي اعتبر أن الالكترونات لا تفقد أي طاقة أثناء دورانها وإنما تدور في مسارات دائرية محددة لكل منها طاقة محددة تختلف بالقرب أو البعد من النواة أي تكون طاقتها مكمأة Quantized. أي أن بوهر لم يتعارض مع المسلمات الكونية في استقرار وتناغم أجزاء المادة وبالتالي كتب لنظريته النجاح . إن التناغم في هذا الكون لا ينحصر فقط بين أجزاء ومكونات الكون هذا بل يتعداه إلى النظريات والحيثيات بل والمفاهيم التي صاغت هذا الكون الواسع . يتجلى هذا في الكثير من النظريات العلمية التي تدعم بعضها البعض فنجد على سبيل المثال أن إحدى النظريات المشهورة نتجت من فرضيات لنظرية سابقة وقانون معين نتج من التوفيق بين أكثر من قانون سابق .. وهذا بالتالي يدفعنا إلى استنتاج عظيم وهو أنه مادام هذا التناغم بين المفاهيم والقوانين ضرورة من ضروريات الكون فهل ومادام أن القوانين الكونية تسند بعضها بعضا فهل يعني هذا أنه سيجيء اليوم الذي يمكن أن نفسر جميع الظواهر والأحداث الكونية في قانون واحد؟؟؟؟!! الجواب: نعم وبكل تأكيد ؟ فكون صفة التناغم سمة أساسية للكون بجميع موجوداته وكون دمج القوانين في قانون موحد يحقق هذا التناغم والانسجام فبالتالي حتما سيجيء اليوم الذي تفسر فيه جميع ظواهر الكون في قانون واحد وتوحد القوى الأربعة الأساسية (الكهرومغناطيسية والجاذبية والنووية القوية والضعيفة) في قانون واحد . هذه الحقيقة فطن لها علماء سابقون مثل عالم الفيزياء الكبير اينشتاين والذي حاول التوفيق بين القوى الكهرومغناطيسية والجاذبية. وهو ما يسعى إليه الآن الكثير من العلماء في أبحاثهم عن إيجاد قانون للقوى الموحدة حيث تمكن بعض منهم مثل (الباكستاني محمد عبد السلام ) من توحيد التفاعلات النووية الضعيفة مع الكهرومغناطيسية ونال على ذلك جائزة نوبل سنة 1979 . إن توحيد قوى الكون الأساسية في قانون يصف كل شيء إذا تحقق سيشكل قفزة هائلة في مجال العلم بل وستكون إحدى أنجازات العلم العظيمة عبر القرون. (معيد فيزياء- جامعة تعز)