ثمرة الدبا من الثمار الطيبة التي تخرجها الطبيعة اليمنية الطيبة وخصوصاً الأرياف، إذ تعتبر من المواد التي تضاف إلى المائدة ويكثر استخدامها في إعداد الوجبات خاصة في شهر رمضان المبارك. برز استغلال هذه الثمرة في إعداد مربى الدبا الذي يعتبر من أفضل أنواع المربيات التي تشتهر في الأوساط الاجتماعية اليمنية وخاصة في صنعاء.. ويستفاد من بذور ثمرة الدبا في إعداد بعض الحلويات المصنعة إلى جانب تناول غالبية الناس لها عادة بعد تحميصها وذلك في فترة ما بعد القيلولة وخاصة لدى النساء.. كما أن جعالة العيد لا يمكن أن تخلو من هذه البذور إذ تظيف إلى حلويات العيد المتعارف عليها في المجتمع اليمني نكهة خاصة. ولأهمية ثمرة الدبا عند اليمنيين كان لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) حضور في إبراز الفوائد الهامة لهذه الثمرة، من خلال إجراء هذا الاستطلاع الذي ركزنا فيه على التعريف بأماكن زراعة الدبا والفوائد المادية والصحية وغيرها من الفوائد. فياجرا الفقراء حينما تغادر مدينة صنعاء متجهاً إلى ذمار تلفت انتباهك أكوام مختلفة الأحجام دائرية الشكل صفراء اللون متناثرة على جانبي طريق صنعاء تعز وخاصة في منطقتي وعلان وخدار بمديرية بلاد الروس محافظة صنعاء التي كان لنا توقف غير قصير فيها حاولنا من خلاله التعرف من قبل المختصين في هاتين المنطقتين على هذه الثمار التي يعتبر حضورها محدوداً فيما عدا المناطق التي تزرع فيها وتكاد فوائدها تكون منسية، في حين يعتبرها الكثير من الخبراء الزراعيين فياجرا الفقراء.. ولولا تسويق هذه الثمار إلى المناطق الحضرية لما أصبحت تحظى بهذه المكانة ولبقيت محصورة في الأرياف. مدير مجمع وعلان الزراعي عبدالجليل حيدر أفاد بأن الدبا كان يزرع في السابق بجوار محاصيل زراعية أخرى وذلك للاستفادة منه على المستوى الأسري، إلى جانب أنه كان يسوق بكميات قليلة إلى صنعاء على ظهور الحمير والجمال، حيث كانت زراعته في ذلك الحين تعتمد على مياه الأمطار بحيث لا يزرع في العام إلا مرة واحدة مثله مثل باقي المحاصيل الزراعية الأخرى.. أما زراعته بشكل مستقل فلم تبدأ إلا منذ نحو 15عاماً حينما انتشرت زراعته وأصبح المزارعون يفردون له مساحات زراعية خاصة بعد حفر الآبار الارتوازية التي تسهم بشكل كبير في عملية الري ليزرع مرتين في العام. يزرع في موسمين ويرى علي العبسي اختصاصي إرشاد بالمجمع أن منطقة وعلان التي تشتهر بزراعة نبات الدبا (القرع العسلي) تعتبر في التضاريس والمناخ كغيرها من المناطق اليمنية، مشيراً إلى أن سبب انتشار هذه الثمرة يعود إلى اهتمام المزارعين بزراعته ومعرفتهم بالوقت المناسب والملائم لزراعته والمحددة بموسمين اثنين في السنة يمتد الأول من شهر يناير حتى أبريل ويعتمد على المياه الجوفية، فيما تبدأ زراعته في الموسم الثاني من شهر يوليو حتى سبتمبر. ونتيجة لاهتمام المزارعين بهذه الثمرة المباركة وانتشار الوعي بفوائدها المتعددة فقد أصبح الزراع بمديرية آنس محافظة ذمار يحذون حذو أهالي وعلان وخدار في الاهتمام بهذا المحصول وزراعته وتسويقه. وأشار العبسي إلى أنه تم خلال العام الجاري زراعة نحو 35 هكتاراً في منطقتي وعلان وخدار بإنتاج إجمالي يقدر بنحو 2300 طن بقيمة إجمالية تصل إلى 46 مليون ريال. ويضيف العبسي: إن المزارعين يفضلون زراعة الدبا على المحاصيل الأخرى نظراً لانخفاض تكاليف زراعته وزيادة الطلب عليه وسهولة تسويقه وإيراداته. الوحيد يخلو من المبيدات ونظراً للمميزات التي يحظى بها الدبا وخصوصاً تلك المتعلقة بما يجنيه المزارع من فوائد وأرباح هو عدم تعرض المحصول لأية أمراض خلال مواسم زراعته، حيث أن المزارع لا يستخدم أي نوع من أنواع المبيدات التي قد تستخدم في بعض المحاصيل الأخرى.. وتشمل القرعيات البطيخ، والحبحب، والشمام، والدبا، وغيرها من المدادات النباتية التي تزرع على خطوط بمسافة 40 إلى 80 سم. صنعاء الأكثر استهلاكاً تعد مدينة صنعاء من المدن الرئيسية التي يكثر استهلاك الدبا فيها بسبب ما يمتاز به أصحاب محلات بيع العصائر والمشروبات والمرطبات من خبرات لصنع مربى الدبا أو ما يسمى بالقرع العسلي.. حيث تنتشر محلات بيع المربى التي تلاقي إقبالاً كبيراً في أسوق صنعاء مثل سوق الملح، الروضة، باب السباح، وسوق باب شعوب.. والتي تلاقي إقبالاً كبيراً من قبل المواطنين خصوصاً أولئك الذين أصبحت لديهم معرفة ولو جزئية بفوائده. يقول أحمد عامر صاحب أول محل لبيع مربى الدبا في ميدان اللقية جوار قصر السلاح بالأمانة إنه وأفراد أسرته يعملون في بيع مربى الدبا منذ 40 عاماً، منوهاً بأن للدبا ثلاثة أنواع، الأول شركس ويعد الأطول عمراً ويأتي من المناطق الوسطى؛ والثاني بطاطسي؛ والثالث صيني. ويضيف عامر إن إجمالي ما يشتريه سنوياً من الدبا يصل إلى نحو خمسة ملايين ريال وإن إجمالي عدد الزبائن يصل إلى 1200 شخص يومياً، فيما يتضاعف هذا العدد خلال شهر رمضان إذ يزيد عن 2000 زبون يومياً. ويشير أحمد غليس واحد من أصحاب أشهر محلات بيع مربى الدبا في باب السباح إلى أن القرع العسلي يعتبر من أجود وأكثر المواد الغذائية فائدة للإنسان، حيث يساعد على تليين المعدة واسترخاء الجسم وإزالة الأرق، حسب زبائنه الذين يؤكدون هذه الحقائق، بالإضافة إلى أنه عامل مساعد لزيادة الطاقة الجنسية.. ويقول غليس إنه يعمل في هذا المجال منذ العام 1960م ولديه العشرات بل المئات من الزبائن الذين يترددون عليه من مختلف الفئات العمرية. كما ان هناك محلات لبيع مربى الدبا في سوق الروضة إلا أنها لا تساوي سابقاتها في عدد الزبائن المترددين عليها إذ يرتادها ما بين 200 إلى 250 شخصاً يومياً نظراً لمحدودية المترددين على سوق الروضة مقارنة بباب السباح وسوق الملح، ويتضاعف العدد خلال شهر رمضان المبارك. فوائد متعددة كثيرون هم الذين لا يعرفون الفائدة الغذائية التي يحتويها الدبا ويتناولونه من وقت لآخر دون إدراك حقيقي بفوائده الصحية، حيث أن اليقطين (القرع) من الثمار التي ذكرت في القرآن الكريم «وأنبتنا عليه شجرة من يقطين» الصافات "آيه 146".. ولم يغفل ذلك عن الحديث الشريف، إذ روي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يحب الدبا، لما له من فوائد غذائية جيدة.. ويقول ابن القيم إن اليقطين بارد رطب ماؤه يقطع العطش ويذهب الصداع الحار، وهو ملين للبطن وشديد النفع للمحمومين، وبالجملة فهو من ألطف الأغذية وأسرعها تأثيراً. وبالتحليل المخبري وجد أن القرع الكبير أو القرع العسلي يحتوي على فيتامين «A» بكميات كبيرة، وهذا الفيتامين مغذٍ لغشاء العين ويشتهر بأنه مقوٍ للطاقة الجنسية.. كما أنه يحتوي على فيتامين «B» والكثير من الأحماض النافعة للجسم، كما يحتوي على نحو 90% من وزنه ماء و2 ملي غرام دهون و10 ملي غرام بروتين وحوالي 6 غرامات نشويات، كما يحتوي على نسبة من الأملاح مثل الحديد والكالسيوم.. وتؤكد الدراسات أن الدبا مسكن للصداع ومرطب وملين للمعدة ومدر للبول، بالإضافة إلى أنه يعمل على طرد السوائل الزائدة التي لا يستفيد منها الجسم.. كما أنه مطهر للصدر والمجاري البولية، ويفيد في معالجة التهابات المسالك البولية والبواسير والإمساك والأثر البولي والوهن وعسر الهضم والتهابات الأمعاء، ويستخدمه المصابون بالعلل القلبية والأرق ومرض السكري، والتهابات المفاصل والروماتيزم لتهدئة الألم والانفعالات. أما بذور الدبا فلها مفعول كبير حينما يتناولها الإنسان دون تقشير في طرد الدودة الشريطية من الأمعاء وغيرها من الديدان والحد من الأرق، كما أنها تساعد في علاج تضخم البروستات عند كبار السن، وما ينتج عنه من اضطرابات في التبول. ويعتبر الدبا اليمني بحسب الدراسات التي قام بها مكتب الزراعة والري بمحافظة صنعاء من أجود أنواع القرعيات من حيث الإنتاجية والمذاق.. وتشير الدراسات إلى أنه حتى اليوم لا يتم استخدام البذور المحسنة في زراعة هذه الثمرة، حيث يقوم المزارعون بانتقاء البذور التي لا يزيد عمرها عن العام بغرض استغلالها في زراعة محاصيل جديدة تكون أكثر إنتاجاً وفائدة من تلك التي تزيد مدة تخزينها عن العام.. ويتم استهلاك ثلاثة أرباع المحصول محلياً والباقي يتم بيعه للمقيمين والسياح. محاولة للغزو الخارجي ويشير مدير عام مكتب الري بمحافظة صنعاء المهندس يحيى شجاع الدين إلى أنه تم استخدام بذور قرعيات غير محلية منها السوري والعراقي، غير أن مستوى الإنتاج لم يكن مشجعاً من حيث الكم والفائدة وكذلك الحجم مقارنة بالمحاصيل المحلية خاصة منطقتي وعلان وخدار، فيما نجحت زراعة البذور الخارجية في محافظة أبين وحققت نجاحاً محدوداًَ مقارنة بالمحاصيل المحلية. دعوة للاستثمار ونظراً لمحدودية المعرفة بقيمة هذه الثمرة الغذائية واقتصار الإقبال عليها في مناطق معينة ربما بسبب عدم الوعي لدى الناس.. دعا شجاع الدين إلى ضرورة إشراك المستثمرين في هذا الجانب لإنشاء مصنع لإنتاج عصير ومربى الدبا وبالتالي توسيع رقعة الزراعة لهذا المحصول وعدم اقتصارها على مناطق بحد ذاتها خصوصاً وأن زراعة الدبا تتناسب مع مناخ معظم محافظات الجمهورية. وقال مدير مكتب الزراعة والري بمحافظة صنعاء إن أحد المستثمرين المحليين يعتزم الاستثمار في هذا الجانب من خلال إنشاء مصنع لإنتاج أصناف متعددة من مستخرجات هذه الثمرة، وهذه خطوة جيدة للفت انتباه بقية المستثمرين على المستوى الوطني أو الخارجي وخصوصاً الأشقاء في الخليج العربي للاستثمار في هذا الجانب الذي يعتبر بكراً ولم يتنبه إليه أحد حتى الآن رغم النوايا المبشرة بالخير.. خصوصاً وأن الهيئة العامة للاستثمار التي تعتبر نافذة الاستثمار الموحدة تقدم مزايا متعددة للمستثمرين وذلك في إطار تنفيذ البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية الذي كفل للمستثمرين تسهيلات متعددة بما من شأنه إنعاش الاقتصاد الوطني واللحاق بالركب العالمي.