يعاني الإدمان على المخدرات أكثر من 180 مليون شخص في العالم، ولا تقف أزمة المخدرات عند آثارها المباشرة على المدمنين وأسرهم، وإنما تمتد تداعياتها إلى المجتمعات والدول.. فهي تكلف الحكومات أكثر من 120 مليار دولار، وترتبط بها جرائم كثيرة وجزء من حوادث المرور وهي بذلك تلحق أضراراً باقتصاديات الدول تتمثل في خفض الإنتاج وهدر أوقات العمل، وخسارة في القوى العاملة تتجسد في المدمنين وتجار المخدرات والمنشغلين بإنتاجها، وضحاياها، بالإضافة إلى الرقعة الزراعية المخصصة للغذاء والتي تهيمن عليها زراعة المخدرات، وبذلك تتراجع التنمية وتتراجع نسبة تحقيق الاحتياجات الأساسية.. ذلك على مستوى العالم، وعلى مستوى مجتمعاتنا العربية فإن معاناتنا قد تفوق معاناة العالم كله، لأسباب منها وكما هو معروف أن نسبة الشباب فيها يزيد عن 70% 75%. سبب آخر متمثل في أن بلادنا تهيمن عليها زراعة القات المدرج في القائمة السوداء لمنظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، فإذا كان العالم يكافح زراعة المخدرات باعتبارها ممنوعة ومميتة، فإنه في بلادنا تبذل جهود للحد من زراعة القات الذي تزداد زراعته يوماً عن يوم.. مما يضاعف تلك الخسائر والأضرار الاقتصادية في بلداننا العربية وفي اليمن خاصة من جانبين: الشباب والقات.. فالقات الذي يبلغ تعداد متعاطيه 40 مليون شخص يتركزون في اليمن ودول القرن الأفريقي وشرق أفريقيا لا يحارب مدمنوه، ولهذا فالطامة أكبر والواقعة أشد وأعتى. ما هي المخدرات؟ تستخدم منظمة الصحة العالمية تعبير المواد النفسية بدلاً من المخدرات، لأن الأخير يشمل مواداً واستخدامات علمية أو أخرى عادية غير محظورة أو خطرة، ولكننا نستخدم تعبير المخدرات ونعني به المواد التي تحدث الإدمان.. وبعض المخدرات مواد طبيعية «تزرع» وبعضها مصنعة، وتشمل المهدئات والمنشطات والمهلوسات أو المستخرجة من نباتات طبيعية كالحشيش والأفيون والهيروين والماريغوانا والكوكايين أو المواد المستنشقة مثل الأسيتون والجازولين. وتتفاوت المخدرات في مستوى تأثيرها وخطورتها وفي طريقة تعاطيها، وتصنف حسب تأثيرها «مسكرات، مهدئات، منشطات، مهلوسات، مسببات للنشوة». الإدمان التعاطي المتكرر للمواد المؤثرة يؤدي إلى حالة نفسية وأحياناً عضوية، وتسيطر على المتعاطي رغبة قهرية ترغمه على محاولة الحصول على المادة النفسية المطلوبة بأي ثمن، ويطلق على هذه الحالة ب«الإدمان» أو «الاعتماد»، واللفظ الأخير للتمييز عن الإمادن المطلق الذي يشمل الوقوع تحت تأثير مواد أخرى لا تصنف ضمن المخدرات المحظورة أو الخطرة كالقهوة والشاي. تأثيراتها تؤثر المخدرات على متعاطيها على نحو خطير في بدنه ونفسه وعقله وسلوكه وعلاقته بالبيئة المحيطة به، وتختلف هذه الآثار من مادة إلى أخرى وتتفاوت في درجات خطورتها، ولكن يمكن إجمالها في الخمول والكسل، وفقدان المسئولية والتهور، واضطراب الإدراك والتسبب في الحوادث المرورية وإصابات العمل، وتجعل المدمن قابلاً للأمراض النفسية والبدنية والعقلية، وقد يصاب بفقدان المناعة «الإيدز» إذا استخدم حقناً ملوثة أو مستعملة، والشعور بالقلق وانفصام الشخصية، ناهيك عن الآثار الاجتماعية كتفكك الأسر وانهيار العلاقات الاجتماعية والعجز عن القيام بالواجبات الأسرية، ويؤدي الإدمان إلى الرضوخ لتنفيذ جرائم السرقة والسطو والقتل والقمار والغرق في الديون.. وهي كذلك ظاهرة ذات أبعاد تربوية واجتماعية وثقافية ونفسية ومجتمعية ودولية. أسباب الإدمان ما يستدرج الشباب إلى الإدمان التفكك الأسري وفشل التعليم والفقر والبطالة والبيئة المحيطة من الأصدقاء والحي والمدرسة والجامعة. العلاج أثبتت التجارب العلمية والعملية أن المكافحة الأمنية وحدها لقضية المخدرات غير مجدية.. بالرغم من النتائج التي تحققها أجهزة الأمن في الكشف والقبض على مروجي المخدرات وضبط كميات منها كما نطالع ذلك من حين لآخر في الصحف ووسائل الإعلام، وعدم جدواها يتمثل في أن تعاطي المخدرات ما هو إلا تجربة بشرية قديمة ويرتبط في كثير من الأحيان بثقافة الناس والمجتمعات والعادات والتقاليد، وكما أن تعاطي المخدرات وإنتاجها وتسويقها منظومة أو شبكة من العلاقات والظروف والعرض والطلب عليها، فإن علاجها يجب أن يكون بذات المستوى وبطريقة شبكية منسقة تستهدف المجتمعات والتجارة، بدءاً من تخفيف الطلب على المخدرات بالتوعية ومعالجة أسباب الإدمان الاقتصادية والاجتماعية.. ففي بعض المناطق كأفغانستان ومصر والمغرب وتركيا، وفي اليمن «القات» تعتمد حياة الناس عليها ويستحيل القضاء على إنتاجها إلا بإقامة مشاريع تنموية واقتصادية بديلة. بالإضافة إلى التوعية الأسرية والمجتمعية وأهمية الحضن الأسري للشباب، ومكافحة البطالة والفقر بدعم الشباب في تنمية المشاريع الصغيرة والتحذير من أصدقاء السوء المتلبسين بلباس مغرٍ. في قصصهم عبرة تمتلئ بيننا قصص عديدة عن الشباب المدمن للمخدرات، ووسائل الإعلام غير مقصرة في هذا الجانب، حيث تصور تلك القصص المأساوية عن تهاوي المدمنين إلى حضيض الأخلاق والممارسات والسلوكيات في سبيل الحصول على المخدر، كل ذلك مرتبط بخلفية من الأسباب الاقتصادية والمجتمعية، حاولنا الحصول على قصة مدمن أو متعاطي مخدرات إلا أن ذلك كان من الصعوبة بمكان حال دون تحقيقنا لهدفنا، لكن بين ركام الذاكرة المهنية في الصحافة عدد من اللقاءات السابقة مع تجار وممارسي بيع المخدر في سجون عدن قمنا بها منذ فترات هاكم بعضاً منها: عيال ناس في إحدى الزيارات المرتبطة بالعمل إلى السجن المركزي بعدن في فترة ماضية، هابنا ما نطق به سجناء وسجينات دلفوا ظلمات الحبس بتهم حيازة أو تجارة العقاقير المخدرة والمسكنات والمهدئات الممنوعة. كان أولئكم القابعون خلف القضبان يصفون لنا حال أولئكم المدمنين من الشباب ممن ضعفت نفوسهم في لحظة خور وعدم ثقة بالله أولاً ثم بقدراتهم، واستسلموا بكل خنوع لظروف الإحباط وضغوط اليأس وتكالب مصاعب الحياة وقسوتها. «أنيسة» امرأة في منتصف العمر.. تعلل سبب وجودها في السجن بأخيها وزوجها اللذين كانا يبيعان الأدوية المخدرة في منزلها رغم اعتراضها على ذلك.. تصف لنا حال عديد من الشباب المتردد على المنزل القابع في إحدى ضواحي مناطق الصفيح بعدن. «بعضهم تزعل عليه وأنت تراه يتلهف ويتوسل باكياً من أجل شريط مخدر يرافقه مدة ثلاثة أو أربعة أيام قبل أن تراه مرة أخرى يقف على عتبة المنزل».. تحدثت أنيسة عن ذلك الشاب بحسرة وهي تقول: منهم كثير تعرفهم بأنهم «عيال ناس» لكن ظروفهم وقسوة الناس والمجتمع والظروف كانت أقوى منهم.. وتضيف: إنهم كانوا ينفقون أموالهم وأموال أهاليهم على تلكم الأدوية التي تطير العقل. سألنا أنيسة عن رأيها في المخدرات فأجابت: أني يا ابني ماأملكش حاجة، كله بيد زوجي وأخي، وفي الأخير تورطت معهم بدون مايكون لي دخل.. وسكتت برهة قبل أن تذرف دموعها.. ثم قالت: «والله العظيم إني كنت أقول لهم حرام عليكم دول عيال ناس، بتروحوا من الله فين، هذا عادني أني كنت أنصح الشباب اللي يأتي للبيت، لكن ما أحد بيجي ويرجع فاضي».. وتواصل حديثها بعد أن استفسرنا رأيها من الأسباب التي تجعل مثل هؤلاء الشباب عيال ناس من الاستسلام لشيطان وجبروت المخدرات فتقول: يمكن بعضهم لا يجد وظيفة، وبعضهم يهرب من المسئولية والالتزامات وبعضهم يفكر بمستقبله ويتخيله على أحسن ما يكون، لكنه يصطدم بالواقع وينهار. الانحراف الأخلاقي وفي ذات السجن من قسم الرجال يحدثنا «ي.س.ن» أحد المسجونين بتهم المخدرات والاتجار بها، عن حال الشباب المتعاطي فيصفهم قائلاً: «باعتباري كنت أعمل في إحدى الصيدليات، كنت صاحب شعبية كبيرة في أوساط شباب المنطقة، فكل منهم يريد مصادقتي والتعرف علي بحكم عملي، ولصرف الأدوية والمسكنات الممنوعة دون وصفات طبية، وكانوا في مقابل ذلك يعرضون علي أموالاً تفوق قيمة وسعر الدواء المطلوب، رغم ارتفاع سعره أصلاً، كنت مستغرباً في البداية، لكن ذلك الاستغراب زال بمجرد زيارتي وجلوسي مع بعضهم في أحد أركان وزوايا الحارة المخفية عن الحركة والأضواء.. عندها فقط شاهدت الحقيقة».. كانت الحقيقة التي اكتشفها السجين «ي.س.ن» تجسد لوضع واقعي لكثير من شبابنا هو بالتأكيد مزرٍ.. يواصل السجين حديثه: كان الشباب المعروف لدي والذي أبيع له الأدوية مدمناً بحد ذاته، ولكنه كان هو الآخر تاجراً في بيع المخدرات، فكان الأطفال صغار السن يأتون إليهم طالبين بضعاً من تلك الحبوب، التي يتم بيعها بالحبة وبأسعار غالية، تضطر الكثيرين من الشباب والأطفال للسرقة من أهاليهم أو غير أهاليهم، وأحياناً تضطرهم للانحراف الأخلاقي وممارسة الشذوذ طلباً لحبة مخدر! السجين الذي حدثنا بذلك يقر بأن الأموال التي أدرك في جلسة واحدة مع شباب منطقته حجم إنفاقها، أغرته وبدأ هو الآخر في رفع سعر ما يبيعه في الصيدلية التي يعمل بها.. وكشف عدداً من الأدوية والمخدرات التي تلقى إقبالاً ورواجاً أكثر من غيرها، واستمر في عمله ذاك إلى أن تم القبض عليه بتهمته تلك.. قد يكون واقعاً محبطاً.. وقد يكون المجتمع قاسياً.. والظروف قاهرة.. والشعور بأمان أقرب الناس إلينا تائهاً.. ورؤيتنا ضبابية.. وخطواتنا مترددة.. وأحلامنا مشوهة.. قد يكون كل ذلك وأكثر منه مهيمناً علينا.. لكن المخدرات ليست هي الحل.. الارتماء في أحضانها.. والاستسلام والخضوع لها ليس هو من سيعيد إلينا ثقتنا بأنفسنا، وليس خضوعنا لها من سيعيد كبرياء الشباب وجذوة شعلته.. بل قد يطفئها ويخمدها. أيها الشباب.. المخدرات ليست حلاً.. أيها المدمنون.. البقاء في الظلام ليس انتصاراً على نور الشمس.. أيها المجتمع، أيتها الأسرة.. التفتوا إلى الشباب ولتعلموا أنهم قادة الغد.. ولا يجوز للقادة أن يعيشوا بين الحفر.. مكانهم قمم النجوم.. وموقعهم هامات الشهب. احمِ المستقبل وللقيام بواجب التوعية والإرشاد والتوجيه المجتمعي تمضي حالياً «حملة حماية» تشق عباب المجتمع توعي بأضرار المخدرات وآثارها على الفرد والمجتمع والبلاد، الحملة التي تقودها فرق «حماة المستقبل» التابعة لمؤسسة صنّاع الحياة باليمن بجميع فروعها في المحافظات وتدعو الجميع للانضمام إليها ودعم مسيرتها، تهدف إلى الحفاظ على الشباب الأصحاء صحيحاً من الإدمان، بعيداً عن مغريات المخدرات ومنها «القات والتدخين».. من خلال عدد من النشاطات والفعاليات الإعلامية والبرامج المنهجية المدروسة. حيث سيتم عمل غرفة خاصة بالعاصمة لاستقبال اتصالات المدمنين للدفع بهم للعلاج في محاولة لإنقاذهم من وضعهم المأساوي.. والحملة التي تستمر أربعة أسابيع تحت شعار «من أجل يمن خالٍ من المخدرات».. ستنظم عدد من المحاضرات في المدارس والجامعات فلينضم الجميع لحماية المستقبل.. مستقبل الشباب من هيمنة المخدرات ولتبقى اليمن خالية من المخدرات، صحيحة بشبابها بناة مستقبلها. وللتذكير فقط فإن 80% من المدمنين كانت بدايتهم مع السيجارة العادية.. حتى ينخرط التدخين ضمن المكافحة والتوعية التمهيدية.