أسماك لا يعرفها أحد .. يحكى أن سمكا من نوع لا يعرفه أحد، حاول نسيان البحر.. فسبح وحده بعيداً نحو الأعماق، هرباً منه، عله يتركه وحده. كلما غاص، لطمته أمواج غير تلك التي يعرف, مرة دافئة وأخرى باردة, وقد تكون جارفة أو حتى هادئة. .. صخور هنا، وكائنات مفترسة هناك، ولم يفكر السمك المسكين في العودة. كافح طويلاً كي يبقى مفتوح العينين - التي هي بلا جفون! تمنى لو كان صنفا من تلك التي تضيء في العتمة، أو تلك التي تعيش على مقربة من ضوء الشمس. شغلته الأفكار المريبة.. كيف ينجو من الأخطار؟ .. رويداً، رويداً، يتهاوى. ظنت الكائنات التي تتابع ضعضعة زعانفه، أنه حالاً سوف يتنازل عن رغبته في الغوص. أحاطته في انتظار اللحظة الأخيرة.. ما أن انقضوا عليه, حتى انتعشت زعانف السمك الدائخ, نسى هوانه, بدت الأسماك وكأنها تصارعهم من جديد بما لا يعرفون ! لما نجحت الأسراب كلها، عادت إلى حيث كانت سالمة، وعلت سمكة صغيرة منها, وقالت: "ولم ننس البحر في الأعماق..أيضا"!! البهيمة لأنه كان لا يزال صغيراً، كانوا لا يعبأون كثيراً بوجوده، وربما يطردونه من جلستهم. ففي جلسات الرجال ليس له الحق في المشاركة, ولا حتى بالتعليق عما يسمع. وفى جلسات النسوة ليس من حقه الاستماع إلى كل ما يتفوهن به.. ربما لأنه أهم كثيرا من أحاديث الرجال.. وإلا لماذا يعمدن إلى الهمس و الغمز واللمز ؟! على الرغم من ذلك، سمع والديه يتصايحان، دون أن يعبأ أحدهما بوجوده : نحن في حاجة إلى بهيمة بدلا من تلك التى ماتت حين غفلة.. يجب البحث عن وسيلة, ماذا نفعل؟! ولأنهما لا يملكإن بهيمة, كانا يبحثان في كل الوسائل، وعند كل الجيرا، ولم يلتفتا إلى ولدهما القابع تحت أرجلهما، مشرئب الرأس, معلق الأذنين. ظل معلق بهما فوق عتبة الدار حتى فقد ظليهما وضجيج صوتهما المعلق بهما. تركاه وحيداً، كلماتهما في أذنيه حتى سمع من يأمره..أن يكف عن البكاء و أن يتأمل أصابع يديه! بدا و كأن يداً خفية قذفت به، رمته فوق شاطئ النهر, فتعلقت الأتربة بجلبابه. لم يعد يشعر بالوحدة، مع ذلك غلبته الدموع، صنعت طينا من حوله. كان في مثل تلك الجلسات، يعبث في الطين، يصنع كرة أو حتى ثعبانا. لكنه في هذه الجلسة صنع أربعة أرجل، وذيلا غير قصير, وفي المقدمة شكل ما يشبه رأس البهيمة. انشغل بصنيعه كثيرا حتى نسى أنه لم يأكل بعد. فلما عاد إلى الدار، ورغب في النوم من شدة التعب، سمع صوت الهاتف يأمره : "خذ البهيمة لترعى في الحقل القريب". ذهب ولم يعد إلا بعد غروب الشمس، هاله أن وجد بهيمته وقد كبرت، وكبر ضرعها حتى لامست الحلمات الأرض!. وهو ما أدهشه ووالديه . لم يسأله أحدهما من أين جاءت وكيف؟!! سألاه فقط: "هل البهيمة لنا؟!" لم يرد وان انطلقت بسمة سعيدة غامضة. أسرعت الأم إلى الضرع, شربت و شربوا جميعا حتى كسا اللبن الدافئ اللذيذ نحورهم جميعا. يحار من يراه إن كان اللبن متسربلا من أعلى إلى أسفل أم العكس. وعلى الرغم من أنه سمع نفس الهاتف يأمره بأن يتأمل نفسه في مياه البئر القريبة، وقد تشكلت رأسه كرأس البهيمة وأصبح من ذوات الأربع، ويملك ذيلا غير قصير.. عمد الصغير إلى إحكام إغلاق جفونه أكثر كثيرا عما قبل.