تجرعت “خديجة السلامي” في طفولتها مرارة الظلم الذي لا تزال تعيشه واقعاً كثيرٌ من النساء في اليمن .. إلا أن إصرارها على تحقيق ذاتها كان كفيلاً بتحريرها من كل الضغوط و القيود؛ فمنحها فرصة مواصلة تعليمها و التحاقها بالوظيفة الحكومية مبكراً، لتحصل على منحة دراسية في أمريكا، تعود بعدها للعمل في التلفزيون، و من ثم الالتحاق بالعمل الدبلوماسي، بسفارة اليمن في فرنسا، حيث لاتزال تعمل مستشارة إعلامية ومديرة المركز الإعلامي اليمني في باريس .. دبلوماسية ، ومصورة تلفزيونية، والأهم من ذلك مخرجة سينمائية حازت أفلامها التسجيلية جوائز عالمية كتبت اسم “خديجة السلامي”على مسقط الضوء . حازت أفلام”خديجة السلامي”جوائز عالمية عديدة منها: الجائزة الفضية من مهرجان دبي السينمائي ،الجائزة الذهبية في مهرجان تونس السينمائي الدولي، الجائزة الأولى في المهرجان السينمائي الدولي الوثائقي ببيروت وجائزتي لجنة التحكيم والجمهور في المهرجان الدولي ال39 للأفلام الوثائقية في مدينة تولون الفرنسية..الخ وهي الجوائز والمشاركات الدولية التي لاتزال مستمرة ويستمر معها تصاعد أسهم نجاح هذه التجربة. خلال اقل من عشرين سنة أخرجت “خديجة السلامي” أكثر من عشرين فيلماً وثائقياً أنتجتها وصورتها بنفسها منها: فيلم “الغريبة في مدينتها “ “نجمية“، “اليمن ألف وجه ووجه” ، “سقطرى..الجزيرة الذهبية”، ،و”أمينة“ ، سألناها أولاً: نجحت إعلامية ودبلوماسية وسينمائية نالت أفلامك جوائز عالمية ومنحتك فرنسا وسام جوقة الشرف.. هل هذا النجاح كنت تخططين له خطوة خطوة؟. - في الحقيقة لم كان أعرف أن هذا النجاح سيتحقق، ولم أتوقع تكريماً بحجم وسام جوقة الشرف الفرنسي ولا كل هذا الاحتفاء .. بمعنى انه لم يكن لدي أي تخطيط مسبق لما سأحققه خلال تجربتي .. ما يهمني في كل عمل أنجزه أن استطيع من خلاله تحريك عجلة التغيير إلى الأفضل في حالة شخص ما؛ فإذا تحقق هذا في أعمالي السينمائية أكون قد نلت غايتي وتحققت سعادتي. وكيف استطعت أن تنجحين في كل هذه الأعمال التي تمارسينها في آن واحد؟. - ربما الانسجام والاتزان النفسي.. وربما الصدق والموضوعية التي تحكم علاقتي بكل عمل أنجزه هو من ساعدني في تحقيق هذا النجاح المتعدد.. فأنا عندما اشتغل في عمل ما لا أفكر بما سألقاه من ثناء وتكريم بقدر ما أفكر في أداء هذا العمل بصدق ابتغاء أن يحقق النتائج المرجوة منه على مستوى الناس، نجحت دبلوماسية وإعلامية وسينمائية.. أي منها تعدينه أثمن نجاحاتك؟. - ربما لا أرى في ذلك نجاحات ، وإنما واجبات مازلت أؤديها تجاه نفسي ومجتمعي وقضيتي، لكن تبقى رسالتي منسوجة من انجازاتي في كل هذه الأعمال مجتمعة. لكن النجاح السينمائي ربما هو وراء كل هذا الاحتفاء الذي صرت تحظين به.. - هذا صحيح ، وربما لأني وجدت نفسي أكثر في هذا المجال .. فضلاً عما يتمتع به هذا المجال ..فهو محط اهتمام فئات واسعة من الناس وبالتالي فوسائل الإعلام تجعل من العاملين فيها محط اهتمامها.. لكن ليس كل السينمائيين يحظون باهتمام وسائل الإعلام .. فقط الناجحون..فما الذي أسهم في نجاحك سينمائياً؟. - بالإضافة إلى كون السينما حلمي وتخصصي العلمي أنا من النوع الذي لا أن يحب يتحدث كثيراً، فوجدت انه ، من خلال السينما، استطيع أن اعبر عن وجهة نظري بطريقتي وبصدق، كما استطيع أن اجعل الآخرين يتحدثون ويعبرون عن رؤاهم وآرائهم .. لكنني أؤكد أنني اتبعت قلبي الذي أخذني إلى السينما دراسة وممارسة. لكنك تأخرت عن ممارسة العمل في السينما. . - نعم .. تأخرت عن ممارستها بحكم عملي، فقد بدأت أعمل دبلوماسية في أوروبا، ومازلت أمارس هذا العمل، وبحكم طبيعة العمل السينمائي وتكاليفه وصعوبة النجاح فيه وبالذات في أوروبا.. ولكن بالرغم من ذلك كنت دائماً في أوقات الفراغ و الإجازة، أقوم ببعض الأعمال،التي أخذتني بهدوء إلى أن وجدت نفسي وقد صرت جزءاً من هذا العالم الذي طالما حلمت به .. وقد لا تصدق لو قلت لك إن هذه الأعمال جاءت بمحض الصدفة.. فمعظم الأعمال السينمائية التي أنجزتها لم ارتب لها.. فقط الصدفة وضعت الموضوع في طريقي .. لم أنظِم ولم أفكِّر، وجدت الموضوع هو الذي اختارني واخترته مصادفة، من خلال ما سمعت،أو رأيت، أو قرأت .. وهكذا كانت - ربما- كل أعمالي الأخيرة.. لكن هذه الأعمال نجحت عالمياً .. أي أن نجاحها، من المؤكد، لم يكن صدفة؟. - بالطبع.. فحبي لهذا المجال وتأثري بموضوعات هذه الأعمال ربما هو سر النجاح، بالإضافة إلى التلقائية والموضوعية في تعاملي معها.. فانا عندما أنجز أي عمل سينمائي لا أفكر - إطلاقاً - في أن يعرض هذا الفيلم في دور السينما أو في المهرجانات.. ولكن إذا شدني موضوع ما أجد نفسي ابدأ بتصويره.. وهذا ما حصل لي - ربما- في أول فيلم شاركت به في مهرجانات، فموضوعه لفت انتباهي في الشارع بالصدفة.. ولأن الكاميرا كانت بحوزتي فقد بدأت بتصويره، وبعد الانتهاء منه أعطيته لإحدى صديقاتي وهي صحفية لتشاهده وتعطيني رأيها، لكني فوجئت بعد أربعة أيام برئيس مهرجان جنيف الدولي يتصل بي ويطلب أن احضر إلى العاصمة السويسرية ومعي الفيلم لأنه تم اختياره لافتتاح المهرجان. تقصدين فيلم “الغريبة في مدينتها”؟. - نعم .. فقد صوُّرت هذا الفيلم بمحض الصدفة ، حيث وجدت الفتاة في الشارع ، وكانت كاميرتي معي ؛ فبدأت التصوير.. والصدفة نفسها قادتني إلى فيلم “المرأة والديمقراطية في اليمن”.. وأفلام أخرى جميعها أنتجتها وصوُّرتها وأخرجتها بنفسي ، حيث لا يوجد لديَّ منتج ولا حتى مصور ، أنا التي أقوم بكل هذه الأعمال ، وفجأة وجدت أن هذه الأفلام نجحت وأنا نفسي تفاجأتُ بنجاحها. قبل تحوُّلك إلى الأفلام ذات الطابع الاجتماعي والإنساني بدأت بالأفلام ذات الطابع السياحي التأريخي.. لماذا ؟. - لأني كنت أحب التعرف على مناطق بلدي واكتشافها خاصة وأنا لم أتعرف عليها من قبل؛ لأنه من الصعب على المرأة في بلد مثل اليمن أن تسافر من منطقة إلى أخرى دون أي سبب يرضى عنه المجتمع ؛ فالإخراج كان الوسيلة أولاً: للتعرف من خلال هذه الأفلام على بلدي وثانياً: لتعريف الآخرين ببلدي.. وفي هذه الأعمال كنت في كل عمل أنجزه في منطقة ما أرى نفسي مشدودة أكثر إلى الموضوعات الاجتماعية وموضوعات المرأة بالذات ؛لأن المرأة في مجتمعنا لا تستطيع أن تعبر عن نفسها وتعبر عن أحلامها ومعاناتها، فوجدت انه من خلال إنتاج فيلم معين يمكن أن أوصل رسالة ما عن مشاكلها؛ لتحفيز الناس على البدء بالتفكير بوضع حلول لهذه المشاكل. أفهم انه لهذا السبب كان نجاحك في هذه الأعمال متميزاً ؟. - يشدني أي موضوع اشعر فيه بظلم يعاني منه رجل أو حتى حيوان. هل لكونك تجرعت مرارة الظلم في طفولتك ؟. - أكيد ؛ فأنا لا استطيع أن افصل نفسي عن هذه المواضيع. ربما أكثر أفلامك فوزاً بالجوائز من بين هذه الأفلام كان فيلم “أمينة”.. هل ثمة خصوصية لهذا الفيلم في تجربتك السينمائية ؟. - اعتقد أن كل فيلم له مكانة خاصة في قلبي فضلاً عن أن لكل فيلم خصوصيته ومميزاته وحكايته المؤثرة التي شدتني لإخراج موضوعها في فيلم.. ما يجعلني متعلقة بجميع أفلامي وكأنهم جميعاً أولادي.. فعلى الرغم أنني غير مقتنعة بهم لكني أحبهم بعيوبهم، لكني لا أنكر أن ثمة خصوصية ما في فيلم “أمينة” ففي هذا الفيلم ربما التقت الحكاية الإنسانية بالإخراج وطريقة معالجة القصة. هل كان نجاحك في الأفلام التسجيلية وراء تفكيرك بخوض غمار الأفلام الروائية .. فكما ذكرت بعض الأخبار فأنت تستعدين لإخراج أول فيلم روائي قريباً ؟. - لا أعرف ماذا أقول ؟! .. لكن من زمان وأنا أحب أن أعمل أفلاماً روائية.. لكن لم يكن هناك المال والوقت .. لكن بعد أن حققت لي الأفلام التسجيلية شهرة واسعة فإن كثيراً من المنتجين باتوا يأتون إليَّ وصارت الإمكانية متاحة الآن.. وبخصوص الفيلم الجديد فقد انتهيت من كتابة السيناريو، وعندما أجد المنتج الذي يهتم بالموضوع سأبدأ التصوير في اليمن بكلفة إنتاجية قد تصل إلى مليون دولار. هل أنتِ سعيدة بهذه الشهرة التي تحققت لك ؟. - لم لا ؟! إذا كانت هذه الشهرة تجلب عدداً كبيراً من الناس لمشاهدة أفلامي.. ولا تتصور كم هي سعادتي وأنا أجد الناس تتزاحم لمشاهدة أفلامي وفي مقدمة هذه الأفلام فيلم “أمينة” فقد لقي اهتماماً عالمياً وتعاطفاً إنسانياً لافتاً وليس هذا وحسب بل إن “أمينة” الفتاة المظلومة خرجت من السجن بعد أن أُلغي حكم الإعدام وصدر حكم بالإفراج عنها وكل هذا بفضل الفيلم، وبالتالي فإن النجاح الحقيقي للفيلم هو في خروج “أمينة” من السجن وهذا يمثل رداً على سؤالك الذي طرحته عليَّ في حوار قبل نحو عامين عندما سألتني عن قيمة نجاح فيلم “أمينة” والفتاة المظلومة مازالت في السجن وحينها قلت لك إنها ستخرج قريباً، وقبل أن تغادر السجن فقد استفادت من النجاح الكبير الذي تحقق للفيلم بعد عرضه من خلال هذا التعاطف الكبير معها.. فبعد الفيلم صار المتعاطفون معها بعشرات الآلاف من جميع أنحاء العالم.. والشكر لمحاميتها التي نشرت قصتها ولو لم أقرأ قصتها في الصحيفة لما أخرجت “أمينة” الفيلم ولما خرجت “أمينة” الفتاة من السجن. فقد نالت من حكايته الإنسانية شهرة واسعة ؛ فهو يروي قصة فتاة قاصر اُتهمت بقتل زوجها وأودعت السجن وحُكم عليها بالإعدام لتنتظر الموت ، لكن المخرجة بعد أن عرضت قضيتها على فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية أصدر توجيهات بتوقيف تنفيذ الحكم وإعادة المحاكمة ، وبعد مد وجزر في المحاكم انتهت القضية مؤخراً بصدور حكم بإطلاق سراحها ليحقق فيلم “أمينة” ومخرجته اكبر انتصار سينمائي يمني وهو الانتصار الذي تجلت معانيه واضحة في ملامح وجه “أمينة” لحظات مغادرتها للسجن تحتضن طفلها الذي أنجبته خلف القضبان... تعجز الكلمات عن رسم حقيقة الفرحة التي تفجرت انهاراً من الدموع انهمرت من عيون “أمينة”، مؤكدة الشكر والامتنان لكل من أسهم في انتصار قضيتها وخصت بالذكر مخرجة فيلمها، التي قدمت، من خلاله، قضيتها للعالم لتكسب تعاطفاً عالمياً كان له الأثر في إنقاذها من حبل المشنقة. المخرجة أعربت عن فرحتها مؤكدة أن الانتصار الحقيقي الذي حققه فيلمها لم يكن في تلك الجوائز التي حصدها في المهرجانات العالمية ، بقدر ما كان في انتصار قضيته من خلال قصته من الواقع وإنقاذ حياة صاحبته، منوهة بأن هذا الانتصار يؤكد نجاعة الدور الذي بالإمكان أن تمارسه السينما في خدمة المجتمع ، وهو الدور الذي لن تتخلى عنه “دور السينما في صناعة التغيير”. عد البعض إصدارك لكتاب سيرتك الذاتية “دموع سبأ” خطوة مبكرة.. - بل خطوة جاءت في وقتها؛ لأني وصلت إلى مرحلة صرت فيها راضية عن نفسي. تقصدين انك وصلت إلى حالة من الرضا الكامل عما حققت ؟. - نعم الرضا والسعادة .. فلم يعد هناك شيء ينغصني..