منذ قرابة عام وأحمد ينام بالقرب من مدرسة ثانوية وسط مدينة صنعاء، وهو يقول إنه قدم من محافظة عمران قصد العمل في العاصمة وإرسال بعض المساعدة لأسرته.. ويكسب أحمد البالغ من العمر 14 عاماً، قوت يومه عن طريق بيع السجائر في شوارع المدينة، ويحكي قصته قائلاً: "ذهب أبي إلى السعودية منذ ثلاثة أعوام لمحاولة العثور على فرصة عمل، ولكنه عاد خالي الوفاض، لدي ثلاثة إخوان وأخت واحدة، وقد طلبت مني أمي العثور على أي عمل في صنعاء للمساعدة في إعالتهم". ويجني أحمد مابين 400 و800 ريال، في اليوم الواحد، وقد رفض أن يخصص جزءاً من دخله لتأجير غرفة ينام فيها حتى لا يتسبب ذلك في تقليص المبلغ الذي يخصصه لمساعدة أسرته. وأحمد ليس إلا واحداً من حوالي 30000 طفل من أطفال الشوارع 60 بالمائة منهم يعملون وينامون في الشوارع، وعادة ما يكونون بعيدين عن أسرهم، وفقاً لدراسة جديدة، في حين أن الأربعين بالمائة المتبقية يعملون في الشوارع ويأوون ليلاً إلى نوع من أنواع المساكن الموقتة. وقد تم إعداد هذه الدراسة التي تم اطلاقها في مطلع الشهر الحالي من طرف المجلس الأعلى للأمومة والطفولة التابع للحكومة، وبتمويل من المجلس العربي للطفولة والتنمية.. وتعتبر هذه الدراسة الأولى من نوعها حول أطفال الشوارع، ويتوقع أن تفيد نتائجها في وضع قاعدة بيانات للاستعمال ضمن البرامج المستقبلية الهادفة إلى معالجة هذه المشكلة، وفقاً للمجلس الأعلى للأمومة والطفولة.. وقد أجريت هذه الدراسة، التي تعمل على تحليل العوامل المؤدية إلى ظهور واستمرار ظاهرة أطفال الشوارع في ثماني من المحافظات، وهي صنعاء وعدن وتعز والحديدة وحضرموت وإب وحجة وذمار، وقد اختار الباحثون عينة بحث قوامها 4760 طفلاً من أطفال الشوارع (منهم 718 فتاة و4042 فتى) تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاماً. واستنتجت الدراسة أن الأسباب التي تؤدي إلى ظاهرة لجوء الأطفال إلى الشوارع تتمثل في الهجرة من القرية إلى المدينة وانتشار الفقر والبطالة وكثرة الانجاب وانعدام الخدمات الاجتماعية وتخلي الدولة عن دعم الفقراء. وأشار فؤاد الصلاحي، أحد الباحثين القائمين على الدراسة، إلى أن البحث جار أيضاً لمعرفة كيفية تكون الشبكات التي تهدف إلى استغلال أطفال الشوارع، حيث أخبر شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه "يمكن استغلال أطفال الشوارع في بيع المخدرات، كما يمكن تهريبهم وبيعهم.. فهؤلاء الأطفال يرغبون في العيش ولذلك يضطرون إلى الضلوع في مثل هذه الأنشطة غير القانونية". وأشار إلى أنه بالرغم من كون عدد أطفال الشوارع يشهد ارتفاعاً مضطرداً، إلا أن عدد مؤسسات المجتمع المدني التي تعنى بقضاياهم لا يتعدى 3 إلى 5 مؤسسات من بين 6000 مؤسسة عاملة في الساحة اليمنية. وأضاف الصلاحي: إن المشتركين في عينة الدراسة إما لم يرتادوا المدرسة قط أو تمكنوا فقط من إنهاء المرحلة الأساسية من تعليمهم، كما أكد أن ضعف التعليم داخل المدارس يشكل بدوره عاملاً من عوامل لجوء الأطفال إلى الشوارع. ووفقاً للدراسة، فإن 8،28 بالمائة من المشاركين أفادوا أنهم يخصصون ما يجنونه من عملهم في الشوارع لمساعدة أسرهم. وأشارت الدراسة إلى أن هؤلاء الأطفال يعملون كبائعين متجولين في الشوارع، حيث يقومون ببيع المواد الغذائية وغير الغذائية، أو كحمالين أو كمنظفي سيارات، كما أن البعض منهم يمتهن التسول. وعلق الصلاحي: إن الأطفال الذين اضطر العديد منهم لمغادرة محافظاته الأصلية للوصول إلى المدن الكبرى، يعتبرون الشارع منقذاً لهم ويشعرون بالإحباط وخيبة الأمل تجاه نظرة الاحتقار التي عادة ما يوليها المجتمع لأنشطتهم.. وأوضح أن "98 بالمائة من أطفال الشوارع في محافظة حضرموت [مثلاً] قدموا أصلاً من محافظات أخرى، أما في عدن فإن نسبة أطفال الشوارع القادمين من محافظات أخرى تشكل 70 بالمائة من مجموع أطفال الشوارع في المحافظة". ووفقاً للدراسة فإن 2،62 بالمائة من عينة البحث قدموا من مناطق حضرية، وأن حوالي 25 بالمائة أفادوا بتعرضهم لأشكال مختلفة من العنف بما فيها الاستغلال في بيع الممنوعات والسرقة والضرب والمضايقات من طرف عمال البلدية.. كما لاحظت الدراسة أن هناك عدداً من الأمراض المنتشرة بين أطفال الشوارع مثال الإسهال والملاريا ووجع الظهر والدوار المستمر والتهابات الصدر المزمنة والتهابات العين والتهاب الكبد والتهاب اللوزتين، كما أن بعضهم يعاني من الهزال وفقر الدم.