في يوم مشؤوم من أيام الصيف الماضي أقدم الحاج حسين على قتل ابن عمه الحاج عبده وولده محمد رمياً بالرصاص وإصابة آخر إصابة بالغة والتفاصيل كالآتي: منذ أن هبط أبونا إلى الأرض وقانون القتل سار بين البشر وليس أدل على ذلك من قتل قابيل لأخيه هابيل، ومهما تعددت الأسباب والدوافع يظل القتل هو القتل على مر العصور والأزمان. وفي قصتنا هذه كان الدافع الرئيسي للقتل هو قطعة من أرض لاتتجاوز متراً في متر أودت بحياة شخصين واصابة ثالث إصابة بالغة فالتنازع على الأراضي مازال قائماً منذ قديم الأزل وحتى قيام الساعة. وهذا ماحصل بين الحاج حسين وابن عمه الحاج عبده التي نشبت يبنهما المشاكل والخلافات إثر إقدام الحاج عبده على اقتطاع مساحة صغيرة من أرض ابن عمه حسين احتاجها لإكمال الطريق التي شقها إلى منزله معتمداً في ذلك على صلة القرابة والدم التي تصله بابن عمه، ولكن الحاج حسين رفض ذلك وأقام الدنيا وأقعدها فتدخل أهل الخير للتوفيق بينهما وتوصلوا إلى أن يدفع الحاج عبده إلى الخارج حسين ثمن مااقتطعه من أرضه، لكن الأخير رفض مبرراً رفضه بعدم رغبته في بيع أي جزء من أرضه مهما صغر ذلك الجزء.. وانفض ذلك الجمع دون أن يوفق إلى الصلح بينهما. تكرر تدخل أهل الخير لحل هذا الإشكال القائم خصوصاً أن المتنازعين أولاد عم ولاداعي لإثارة كل هذه المشاكل والخلافات التي حتماً ستؤثر على مستقبل الأولاد في الأسرتين بظلالها القاتمة ولكن في كل مرة كان الاخفاق حليفهم وخيبة الأمل من نصيبهم، أراد الحاج عبده أن يكيد لابن عمه حسين فاستأجر شخصاً من القرية المجاورة وأمره أن يحرق «السافل» وهو مكان لتخزين الحشائش وأعلاف الماشية الخاصة بابن عمه حسين، وفي ليلة حالكة الظلمة نفذ المأجور مهمته وقبض الثمن وانصرف راجعاً إلى قريته. استيقظت القرية بأكملهاعلى صرخات الاستغاثة التي أطلقها الحاج حسين مستنجداً بأهل قريته ليساعدوه في اطفاء الحريق الذي شب في سافله، وبالفعل وكعادة أهل القرى في الالتفاف والتكاتف عند وقوع المصائب والكوارث هب الجميع لنجدة الملهوف وأخمدوا الحريق الذي كان قد أتى على كل الأعلاف. استرجع الحاج حسين ربه فيما حل به وطلب منه العوض عما خسره من أعلاف وحشائش كانت تدر عليه دخلاً لابأس به في موسم الجفاف وقلة الأمطار من خلال بيعه لمن يحتاج إليه. ظن الحاج حسين أن ما حدث له قضاء وقدر ولم يخطر بباله يوماً أن يكون ذلك بفعل فاعل. بعد عدة أيام سرت إشاعة في القرية أن ما حدث لسافل الحاج حسين كان بتدبير وتخطيط من ابن عمه الذي أغاظه موقفه المتشدد في قضية الأرض المقتطعة من أرضه فأراد أن يحرق قلبه على ذلك. سرت هذه الإشاعة إثر تحدث ذلك الفتى المأجور لأحد أصدقائه المقربين عما وقع تلك الليلة ومن شخص لآخر حتى وصل الخبر إلى مسامع الحاج حسين الذي استشاط غضباً عندما سمع ذلك فحمل نفسه وذهب إلى بيت ابن عمه عبده ليتحقق من الخبر فأقنعه الأخير بأن ما وصله من أخبار كذب وافتراء وأنهم روجوا هذه الأكاذيب مستغلين الخصومة القائمة بينهما وأنه يجب عليه ألا يصدق كل مايقال له أو كل مايصل إلى مسامعه. اقتنع الحاج حسين بماقاله ابن عمه عبده وقفل راجعاً إلى منزله لاعناً الكذابين والدجالين الذين لاهم لهم سوى إثارة الفتن والأحقاد، وبينما هو يغادر منزل ابن عمه كان الأخير يضحك في سره من سذاجة ابن عمه حسين وأقسم يميناً أن يظل يكيد له حتى يلين ويتنازل عن تلك المساحة المقتطعة من أرضه وبدون مقابل. بعد أسبوع من ذلك وبينما كان ابن الحاج حسين عائداً إلى قريته بعد زيارته لأخته في قرية ذلك الفتى سمعه يتحدث إلى أحدهم عن وقائع ليلة الحريق والذي استأجره لفعل ذلك،صدم الابن وطار صوابه وعاد إلى والده ذاهلاً يخبره بما سمع فاستدعى الحاج حسين ذلك الفتى وأغراه بالمال حتى اعترف بما اقترفته يداه في تلك الليلة المشؤومة متحججاً بالمبلغ الكبير الذي دفعه له الحاج عبده والذي أغراه بقبول تلك المهمة وإنجازها. أسقط في يد الحاج حسين وصدم بما سمعه وتقافزت شياطين الإنس والجن أمام ناظريه، وعندالغضب يغيب صوت العقل فلا يبقى له وجوداً. وفي فورة الغضب هذه أخذ الحاج حسين مسدسه وأسرع متجهاً صوب منزل ابن عمه فلم يجده فتوجه إلى أرضه ودون سابق إنذار أطلق رصاصة استقرت في رأس ابن عمه وأخرى أصابت ولده محمد الذي كان يعمل مع والده في الأرض فأردتهما قتيلين، فسمع أحد المزارعين المجاورين لأرض الحاج عبده صوت الرصاصتين فأسرع يستطلع الخبر فأصيب برصاصة طائشة إصابة بليغة. تجمع أهل القرية على صوت الرصاصات وعلموا بالقصة وتم إبلاغ الشرطة واقتيد الحاج حسين إلى السجن وتم نقل المصاب إلى المستشفى ودفن القتيلان ولاحول ولاقوة إلا بالله.