ادعوا الجميع إلى تدريب أنفسهم على ثقافة الحوار وتقبل الرأي والرأي الآخر من خلال حضور الدورات المختصة بمهارات الاتصال وأدب الخطاب فكل شيء يحتاج للدراسة والاجتهاد قبل الممارسة حتى التعبير وحريته “ منذ بداية التاريخ وولادة البشرية والإنسان في بحث مستمر عن طرق يعبر فيها عن نفسه ومشاعره فقد بدأت رحلة التعبير عن الذات من الكهوف الصخرية وتلك الرسومات البدائية التي لا تتعدى خطوطا جرداء لتصل اليوم لمراحل متقدمة وأشكال متنوعة كالمدونات ومواقع الدردشة وشاشات التلفاز والمنتديات مما أثار عاصفة من الجدل بين الناس حول التعبير وكيفيته. في إحدى المشاركات لي بإحد المهرجانات كنت ضمن المشاركين في ورشة عمل حول حرية التعبير حيث كانت لنا الفرصة لنناقش هذه القضية ذات الأهمية العالية،وكان لكل من المشاركين وجهة نظر مختلفة عن الآخر فالبعض كان مع اطلاق التعبير وانطلاقه بحرية والآخر كان مع وجود ضوابط وأطر تحدد هذه الحرية وتشرف عليها. لي الاعتراف بأنني أتفق مع الرأي الثاني بل وأدافع عنه بشدة حيث أن الحرية بمفهومها المطلق بلا ضوابط قد تؤدي إلى الفوضى والغوغاء والعشوائية،فالتعبير أيضا يجب أن يخضع لضوابط منها الداخلي الذي ينبع من الذات والآخر خارجي تقوم بوضعه وسن قوانينه الديانات والحكومات و المجتمعات الحضارية. فاليوم نلاحظ العديد من الممارسات السلبية التي تتخذ من حرية التعبير ستارا لها،حيث نرى البعض يهاجم البعض الآخر من خلال المنتديات أو المواقع الالكترونية ومحطات التلفاز بصورة سوقية مبررين تصرفاتهم بوجود بنود في الدستور والمواثيق العالمية تضمن حق الأفراد بالتعبير بحرية ولكن هؤلاء أنفسهم ينزعجون ويتضايقون بل لا يتوانون عن الطعن بمصداقية القانون في حال تعرض أحدهم للمساءلة القانونية بعد أرتكابهم لجريمة التشهير أو السب والذم،السؤال الذي يحيرني ولا أجد له إجابة لماذا نحن دوما نتعامل بازدواجية مع كل المفاهيم حيث نريد الحصول على حقنا بصورة تامة ولكننا لا نحترم حق الأخرين بالخصوصية أو الرد على ما وجهناه لهم من اتهامات بصورة شرعها القانون كما شرع حرية التعبير تماما وذلك بناء على احدى مبادئ الانسانية الحالدة (حريتي تنتهي عندما تبدأ حرية الأخرين) أليس في هذا ما يدعو إلى الحيرة؟؟؟ الفكرة التي تغيب عن أذهان كثيرين أن الفرد حتى يستطيع أن يمارس التعبير بحرية عليه ان يكون مؤهلا ومسؤولا لأن الحرية لا تنفصل بأي شكل كان عن المسؤولية،وذلك حتى لا نعاني من ظاهرة انفلات التعبير وتوجيه الاتهامات الباطلة ونشر الاشاعات المغرضة كما نعاني اليوم ففي حال أدركنا أننا مسؤولون عن ما يصدر منا من كلام وخصوصا من خلال المنابر العامة كالصحف والمجلات وشاشات التلفزة والمواقع الرسمية سنبدأ البحث عن طرق حضارية ومنهجية لنعبر عن أنفسنا بحيثية توصل افكارنا ولا تجرح الآخرين،لننقد الظاهرة لا الفرد،ولنتحدث عن المشكلة بشكل مجرد بعيدا عن توجيه أصابع الاتهام للآخر دون دليل،فالإنسان دوما مخير إما ان يختار طريقة أدبية وراقية ليعبر عن رأيه سواء بالسلب أو الايجاب نحو قضية معينة فإن لم يصل لإقناع الآخر فعلى الأقل يكون قد حظي باحترامه أو أن يختار طريقة سوقية وتافهة ليعبر عن الرأي نفسه ويكون بذلك قد سفه نفسه وسفه حجته وقضيته وخسر ود الآخر واحترامه له ولرأيه. بالنهاية علي أن أعبر عن أملي بالشباب الواعي المثقف الذي يعبر عن نفسه بحرية ومسؤولية ويناقش قضاياه بطريقة موضوعية بعيدا عن المسائل الشخصية والأبعاد الفردية وعن أسفي لرؤيتي بعضا آخر من الشباب يستغل الحرية المتاحة له ليعبر عن نفسه بأسلوب خاطيء وسلبي،وأدعو الجميع إلى تدريب أنفسهم على ثقافة الحوار وتقبل الرأي والرأي الآخر من خلال حضور الدورات المختصة بمهارات الاتصال وأدب الخطاب فكل شيء يحتاج للدراسة والاجتهاد قبل الممارسة حتى التعبير وحريته.