للعارف بالله- الشيخ أحمد بن علوان سبحانك آخر أنت: لابعد لأخريتك كما لاقبل لأوليتك، سبحانك لا تضاد صفاتك ولاتختلف حالاتك، كيف والأمر أمرك والأوقات أوقاتك، والليل والنهار، والحجج والأدوار، والفلك الدوار، والأرضون والبحار، والأهوية والأقطار، والسماوات والأنوار، والجنة والنار، علاماتك وآياتك، وأفعالك وآلاتك. في قبضتك الجواهر الخفية، والأشكال الوصفية، والجهات الظرفية، الأمامية والخلفية، والفوقية والتحتية، والطولية والعرضية، فكل شيء منها محصور في قبضة محصور، مقدور في سعة مقدور، إلى علمك تصير الأمور، وينقطع فهم الناظر وحد المنظور. سبحانك ظاهر أنت: على شواهد ماأظهرت من الأجناس، لا كظهور المحسوسات المدركة بالحواس، بل بعبارة ماأظهرت لعقول الناس، مما يقع به اليقين ويرتفع الالتباس، من كل مالايأتي أحد من دونك بمثله، ولو اجتمعت الانس والجن والملائكة على فعله، فلذلك يصير الناظر إليه مقراً بتوحيدك، معترفاً بأنك أنت الظاهر بعين كرمك وجودك. سبحانك باطن أنت: برأت الجواهر اللطيفة، والأرواح النورانية الخفيفة، وقرنت بعضا بالأجسام الكثيفة، والآلات البدنية الضعيفة، ورفعت بعضها إلى الرتب المنيفة، والأرجاء العالية الشريفة، فالظاهر رسمك المرسوم وحكمك المحكوم، والباطن سرك المعلوم ولطفك المفهوم، وكل«بإقامتك يقوم، وبإدامتك يدوم، إلى أجل معلوم. سبحانك رؤوف أنت: برأفتك ربيت النطف في الأرحام، ووقيتها الأعراض والآلام والأسقام، إلى أن بلغت إلى التمام، وانتظمت في سلك ذوي العقول والأفهام. ثم زرعت الرأفة في قلوب الأمهات لأطفالها، فهي لاهية بأشغالهم عن أشغالها، فانية بالنظر إليهم في إدبارها وإقبالها، مقبلة عليهم بأقوالها وأفعالها، وكذلك كل حيوان من أضدادها وأشكالها. - سبحانك خالق أنت: خلقت لامقتدياً بإمام، بل على غير أمثلة صنعت جميع الأنام، من الملائكة الكرام، وذوي الطبائع والأجسام، من الناس والأنعام والحشرات والهوام، ونورت لمن يعقل منهم الأفهام، وسهلت عليهم مخارج الكلام، فترجمت ألسنتهم لك بالإجلال والإعظام، فجميع الأمم أبدعت خلقها، وتوليت جمعها وفرقها، وقدرت آجالها ورزقها، ويسرت سبلها وطرقها، وقلت قولاً تصف فيه جلها ودقها:«إن الله لايستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها». - سبحانك حسيب أنت: أحصيت على القلوب خواطرها، وعلى العيون مناظرها، وعلى الآذان مجالسها ومحاضرها، وعلى الألسنة مواردها ومصادرها، وعلى الجوارح مكاسبها ومآثرها، فتكافئ من تشاء، وتعافي من تشاء عن ماتشاء، بيدك مفاتيح الجزاء، وملك الآخرة والدنيا. تكفر عن أوليائك بالبلاء، ماتحجبهم به عن البلاء، لتخلص لهم دار البقاء، ومحل الكرامة والرضاء، وتسبغ على أعدائك النعماء، وتغفلهم بالثروة والغنى، وتعافيهم من كل بلاء، إلى أن يصادفهم الفناء، وهم من الغفلة في غطاء، لتوردهم دار الشقاء، ومنزل الحسرة والعناء. - سبحانك عفو أنت: تعفو عن التائبين، وتقبل على الآيبين، وترحم المذنبين ولاتردهم خائبين، وإذا عفوت عن الذنب لم تعاتب عليه، لئلا يخجل المذنب عند إحسانك إليه، وتنسي الحفظة ماكثر من سيئاته، وتذكرهم ماقل من مناقبه وحسناته، وتقلب صفتهم عن مذموم صفاته، حتى ينعتوه بأشرف نعوته، ويذكروه بأحسن حالاته، ذلك بإخلاصه لك في معاملاته، وصدقه في ضروب أفعاله وطاعاته، ولو كان ذلك منه في آخر ساعة من ساعاته. - سبحانك غفور أنت: تغفر للمستغفرين كثيراً، وتقبل منهم عملاً يسيراً، وتثيبهم ملكاً كبيراً، ولاينقص ذلك من خزائنك نقيراً. تستحب أن يستغفرك المستغفرون فتغفر، ويتوب إليك التائبون فتقبل وتعذر، ويسألك السائلون فتدر السماء وتمطر، وتعد إلى الآخرة من تشاء وتحضر. لاترد سائلاً خائباً، ولاتطرد واقفاً بالباب طالباً، ولاتفضح خائناً كاذباً لعله أن يصبح إليك راجعاً تائباً.