سبحانك علي أنت: إلى سرمد علوك، ودان أنت بلاكيف لدنوك، البسط لايسعك، والمحيط لايجمعك، والجهات لاتردعك، والوجوه لاتقابلك، والأطوال لاتطاولك، والأعراض لاتعارضك، والعيون لا تلاحظك. المعرفة بك سكينة، والنظر إليك طمأنينة، والتوحيد لك إقرار، والعلم بك اضطرار، لا تدركك الأبصار، وأنت اللطيف الخبير. - سبحانك قديم أنت: بهر شعاع نور قدسك، بصائر العقول الباحثة عن بدو شأنك، وكيفية ضياء برهانك، فانثنى منهم بصر كل بصير، عن سماء علو قدرك الجليل الخطير،«خاسئاً وهو حسير». الدهر بساط بسيط بسطتك، وفسطاط بهاء عزتك، أسحت على ساحاته النور السياح، ورفعت من ذلك النور صور الأرواح وخاطبتهم بفصيح ألسنة العلى:«ألست بربكم قالوا بلى» ثم كتبت بعد ذلك عليهم الجلاء، وفصلتهم عن سلك نظام الملأ الأعلى، وأهبطتهم إلى دار المحنة والبلاء وحبستهم في أجسام الفتنة والبلى. - سبحانك حكيم أنت: طبعت الطينة الأصلية، المتناهية الكلية، على سر ما سبق به علمك، وقطع بكونه في أزلك حكمك، فقبلت آثار مشيئتك قبول المنطبع عن الطابع، وانطوت على أسرار عدل قبضتك انطواء العبد الطائع، فأنت المعطي بواسطتها وأنت المانع، وأنت الواصل بحركاتهاوأنت القاطع، وأن الضار بمختلف أحوالها وأنت النافع، وهي الآلة المهيأة وأنت الصانع، على حكم إرادتك غرب غاربها وطلع الطالع. جسدانية قربك روحها، ومشكاة نورك مصباحها، لافعل لها مع فعلك، ولاقوة لها مع قوتك وحولك، اندفعت أنوارك عليها، فدفعت على أجرام الكواكب، فتشعشعت ساجدة لعظمتك بالإشراق، على سطوح الأرض وسبل الآفاق. فحينئذ تحركت روحانيتها الملكية بخفي التدبير، ودارت هياكلها الفلكية بظاهر التأثير، وجرت كواكبها العلوية بقدر التقدير في بروج فلك التدوير، دالة بتنقلها على التحويل والتغيير، والإظلام والتنوير، وانفلقت بيضتها الكلية عن فراخ التصوير، وامتزجت أركانها المختلفة بالنطف الجارية بين صور التأنيث والتذكير. فظهرت عن كثائفها الأجسام البهيمية والإنسانية، وسرت عن لطائفها الأرواح المستجنة والشيطانية، ونجمت من فضول قيضها الأنواع النباتية والجواهر المعدنية الصفاتية، وجرت من غيوم برضها الأنهار الفراتية، وذرت عن هبوب نفسها الأرياح الجهاتية، على مقادير الحكمة الإلهية، والإدارات الذاتية. فلما أثمرت شجرتها بالمطبوعات، وكمل الصنع بها للمصنوعات، تبلبلت الألسنة الناطقة من خواصها بذكرك، وسجدت العوالم الكلية من أجناسها بشكرك، وخضعت الأرواح المتصلة بها من روحك لعلو قدرك، فهي عازفة عن طبائعها الحسية، عاطفة إلى أنفاسك الإلهية القدسية، مشتاقة إلى لطائفك الأنسية، كانعطاف الجنسية إلى الجنسية. إذا هب نسيم سماع ذكرك بآذانها، أزعجها عن أوطانها، وأظهر عجائب أسفها وأشجانها، تكاد تنتزع من أفئدتها وأركانها، شوقاً إليك وفرقاً من هجرانها، لا كالمنعكسة أرواحهم في أبدانها، المتعلقة أنفسهم بشيطانها، الهاوية باتباع أهويتها في نيرانها. فلو علمت ماذا فاتها من رحمانها، لجرت بالدماء حدقها من أجفانها، ياطول والله حسرتها وأحزانها، ستعلم إذا قربت من أوانها، ماذا تصير إليه من كربها وهوانها. - سبحانك حميد أنت: لايتعلق بك الذم ولا المذموم، ولاينسب إليك ما لايليق بك من المحكوم. بالعدل والإحسان أمرت، وعن الفحشاء والمنكر والبغي زجرت، تعاليت أن تقطع عما أمرت به قهراً، وتقدست أن تجبر على مازجرت عنه جبراً. إذا كان ذلك للمسيء عذراً لاتقيم عليه الشريعة حداً، ولاتنسب إليه الحقيقة وزراً.