سبحانك متعال أنت: لا تعاليك العلويات، ولا تدانيك الأواسط والسفليات، ولا تمازجك الحسيات والعقليات، ولا تدركك الجزئيات والكليات، تعاليت بالإكرام والتنزيه، والإعظام والتأليه، عن التجسيم والتشبيه، والتحريف والتمويه علواً كبيراً. سبحانك حق أنت: الحق ذاتك، والحق صفاتك، والحق أسماؤك وكلماتك، والحق علمك وحكمك وقضياتك، وملائكتك ورسلك وآياتك بالحق وللحق قامت أرضك وسماواتك. والباطل عرض زائل ومحال حائل، لا يتعلق بك ولا يرتبط بسببك، بل هو صفر في إبريز ذهبك، عند صيارف أهل المعارف بأسرار علومك وكتبك زخرفة الداعي إلى دار غضبك، الهابط من معالي رتبك، إلى أدراك حر لهبك. سبحانك الحق وجودك وَجُودك، ووعدك ووعيدك، والباطل ضدك وكفرك وجحودك، قامت على ذلك شهودك، وجاهد عليه عساكرك وجنودك. سبحانك تسرمد جديدك، وتأبد صمودك، وفني إماؤك وعبيدك، وكذلك تشهد أن الحق من بقي وأنت ذاك، وأن الباطل من فني وهو ماسواك. سبحانك مبين أنت: أبنت عن ذاتك بشواهد صفاتك، وأبنت عن صفاتك بمحكم آياتك وبيناتك، الحياة لكل حي تنبئ عن حياتك، والإثبات لكل شيء يخبر بإثباتك. لما احتجبت عن خلقك بأنوار سبحاتك، دلت عليك عجائب أرضك وغرائب سماواتك، فبان بذلك لأهل معرفتك وأرباب مصافاتك، أنك أنت الحق المستشهد بموجوداتك. سبحانك نور أنت: من جوهريات نورك نبعت الأنوار القدسية، وبزغت الأضواء البدرية والشمسية، ولمعت البروق العقلية والحسية. القرآن نور هدايتك، لأرباب ولايتك، إلى دار كرامتك، والقمران نور دلالتك، لمن تحت رعايتك، على طلب رزقك وإدراك عبارتك. سبحانك لك النور المتشعشع الملاك، اللطيف عن متناول الإدراك، المستغرق للطائف الأملاك، المشرق على كواكب الأفلاك. سبحانك رب أنت: ربيت الأنوار بالأنوار، والأجسام بالأغذية والأعمار، وربيت النبات والأشجار، بالأنهار الجارية والأمطار. سبحانك لما أردت أن تخلق بشراً من طين، مزجت العفر الخالص بالماء المعين، حتى تدارج بالتلطيف واختلط بالتعفين. فنظرت إليه بعين التصوير والتكوين، فتصور على ما أردت وتسوى، وهو رطب يتحوى ويتلوى، فجففته بنار الشمس وأنفاس الهوى، إلى أن تصلب عن الرطوبة وتقوى، واجتمعت فيه أسرار ما في الأسفل والأعلى، فنفخت فيه الروح القدسية، الجامعة للجواهر العقلية والحسية، فتصرفت في جسده تصرف الإكسير، وهو على وجه الأرض مطروح أسير، بالتبييض والتسويد والتحمير والتصفير، وأحالت ما فيه من الرطوبة بلغماً ودما، وما فيه من اليبوسة عصباً رابطاً وأعظما، وما فيه من الطينة الخالصة مخاً ولحماً، وعروقاً نابضة وصما. فأشرف من أفلاك حواسه على ملكك العظيم، ونظر إلى عجائب منظورات جنات النعيم، وهو لا يعرف ما التعلم ولا ما التعليم، فناجته القوة العقلية بلسان التفهيم، قل سبحان:[رب السماوات السبع ورب العرش العظيم]. فلما أردت تناسل الأشياء من الأشياء، وإخراج الأحياء من الأموات، والأموات من الأحياء، سلخت من ضلعه اليسرى حواء، فمن ثم تجاذب الطبعان بين الذكر والأنثى، وتوافق الجنسان بالشهوات والأهواء، فاعتنق الجسمان بطبع مقتهر وجرى الماءان بأمر قد قدر. فسقطت النطفة من مسقطها، جارية إلى قرار محطها، واختلطت في محل مكثها بخلطها، وانقطعت عن تدبير أبويها ورهطها، فتوليت حكم قبضها وبسطها، ورعيتها من نقصان الأغذية وفرطها، إلى أن نظمتها كاملة في سمطها، فاستوجبت بذلك شكرها وحبها، وكنت على الحقيقة ملكها وربها، فأنت الرب بمعنى التربية الأصلية وأنت الرب بمعنى الجبروت الكلية. سبحانك حنان أنت، تحننت: على آدم بعد الإهباط، وقد أفرط على نفسه كل الإفراط، وأقمته بعد الإسقاط، وأسميته بعد الانحطاط. وعلى نوح المنتصر، لما كذب وكفر. صالح وهود المبعوثين إلى عاد وثمود. وعلى الخليل إبراهيم، مابين المنجنيق والجحيم. وعلى ولده الذبيح، وقد كان لدمه يبيح. وعلى الشيخ الكبير يعقوب، برد الفقيد المحبوب. وعلى يوسف ذي الجمال والحب، إذ ألقي في غيابات الجب. وعلى الفارغ فؤادها من الغم، إذ ألقت ولدها الرضيع في اليم. وعلى الضرير أيوب، إذ ناداك نداء المكروب. وعلى المساهم المسهوم «إذ نادى وهو مكظوم». وتحننت بألطافك علينا، إذ أرسلت رسلك بالبينات إلينا، ووضعت كتبك الكريمة لدينا، فأنت اللطيف الحنان، وأنت الرحيم الرحمن.