المبلغ من لا يعلم إلى رتبة من يعلم للعارف بالله الشيخ أحمد بن علوان سبحانك حليم أنت: سترت على خلقك فواضح العيوب، ولم تعاجلهم بالمعاقبة على الذنوب، وناديتهم نداء المحب للمحبوب: هل من سائل يعطى، وهل من تائب يتوب، كأنك أنت الطالب وأنت وعزتك المطلوب، حتى اغتر بدوام حلمك منهم غلف القلوب، وجهله كل ذي عقل مسلوب، فأصروا على كل عمل فاحش وحوب، فلنعم الرب ولبئس المربوب. سبحانك قائم أنت: لا على ساق وقدم، تعاليت بالعز وتقدست بالكرم، بل على صفة العدل وتقدير القسم، لم تسه عن تدبير خلقك لحظة ولم تنم، ماصفتك في الحدوث إلا صفتك في القدم، أنت ثم كهنا، وأنت هنا كثم. سبحانك دائم أنت: لا يتوقع لوجودك العدم، لما خلقت اللوح وأجريت القلم، كتبت البقاء لنفسك والفناء للأمم. سبحانك حي أنت: مالحياتك سبب فتنقطع سبب، ولا لوصفك الذي أنت عليه منقلب. من عين حياتك جرت ينابيع كل حي، وعن بحر مشيئتك طرؤت، مواجيد كل شيء، كالفروع المستمدة من الأصول، تقويها مياه الأنهار والسيول، فتبسق بدوام تلك القوة وتطول، مالا تزال أصولها حية فهي لا تزول. تدوم حياة الفرع مادام أصله على الدهر حياً يستمد من النهر فإن غيض ماء أو أصابته علة تنكس واستلقى الجميع على الظهر كذا الروح مهما قارن الجسم قائم وينقل عند الانتقال إلى القبر إشارة حي نور الحي عقله فأصبح يدري والمقلد لايدري وثيق العرى جم المعارف فاتق لما رتق المرد الموسوس في الصدر تناهت به الطاف مولاه فانتهى إلى الفرق مابين الحقائق والسحر وبحر بعيد الغور يعصف ريحه وأمواجه بالجاهلية والفكر توارت به أقوال كل معطل وأغرق أصحاب الطبائع والدهر وعاين أعيان المواقف كلها ومسرى المعاني في العقول إذ تسري ومنطقها عما سرى في عقولها من الجور والإنصاف والعرف والنكر فموقف هذا دون هذا وفوق ذا لذا موقف عن ذاك ألسنهم تجري وماجعل مرعاه مرعى لفأرة إذا ذبحت فاحت بغالية العطر لذلك صاروا فوق سعبين فرقة وما الحم إلا في الحنيفية الوتر كمختلف الأشجار تسقى جميعها بماء وتأتي بالحلاوة والمر سبحانك لطيف أنت: لطفت فما تدركك الأبصار ولا تحدك البصائر، وعلمت ما توسوسه الأسرار والضمائر، عن علمك تجري مختلفات الهمم والخواطر، فتنقلب بأحكامها قوالب مرادات القلوب، على حسب ماسبق لها عندك في المكتوب، حرفاً بحرف وأسلوباً بأسلوب، هذا يختار المحاسن وهذا يختار الذنوب، وهذا يصر على الذنب وهذا إليك يتوب، وعلى حسب اختياراتهم لضروب الأفعال يستحقون الفضل بالفضل والنكال بالنكال، ثم لطفت سبحانك بمعنى الرأفة والرحمة، من أهل سماواتك وأرضك بكل أمة، حتى اتصل لطفك بالبعوض والذر، وبالحيتان في البحر، والفراخ في البر، ثم بالنطف المنقطعة في الأرحام، عن تدبير الأبوين وسائر الأنام، فأجريت إليها من لطائف الشراب والطعام، مالا ينقص عن النفع ولا يزيد على التمام، إلى أن بلغتها إلى أشرف مقام، وأقصى كل أمل ومرام، تبارك اسمك ذو الجلال والاكرام.