فصل: في السماع السماع رياح سماوية، تهب بأسرار المعاني الإلهية، كمغناطيس الفولاذ، إذا أطل على ماهو منه، من الآلات المتفرعة عنه، ترامت عليه ترامي الجنسية على الجنسية، وتحركت إليه حركة الأجسام الحسية إلى الحسية. فاعتبر أيها العاقل حركة أصحاب المواجيد، عند سماع ذكر الله الغني الحميد، بحركة مسامير فولاذ الحديد، إلى هذا الحجر بالطبع الغالب الشديد، [إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد]. إنما هو نفس قدسي، يتصل بمكنون نفس إنسي، محبوس في مشكاة جسد حسي، فيذكره بمقعده الأنسي، الذي سماؤه العرش وهواؤه الكرسي، هل تستقر سفينته عند سماع ذلك وهل ترسي؟ ألم تعلم أن أباك آدم استنصح الخائن فغدر، وأهبط إلى دار المحنة لأمر قد قدر، عن [مقعد صدق عند مليك مقتدر] فأصبح لا يسكن ولا يستقر، شوقاً إلى مقامه الشريف وقصره المشمخر. فلأجل ذلك إذا الحبيب ذكر، تغير عن أوصاف السكينة وسكر، وتحرك بحكم غرامه المقتهر، فسلم له عند أهل المعرفة وعذر. فيا أيها المنكر لحركة هذا المشتاق المحب، عند سماعه لذكر أوصاف من يحب، ألا أدلك على شيء إذا أنت فعلته لم تخب؟ يتعين على مثلك أن يجتهد فيه ويجب. استوصف لداء قسوة قلبك واستطب، فإنه عن قبول سماع ذكر الله قد قلب، وعن حلاوة حبه والشوق إليه قد غطي وحجب، وابك على مافاتك من حب الله وانتحب. يا أخي أين سمعك عما إلى سيدك أوحي، من قوله عزوجل:[فإذا سويته ونفخت فيه من روحي]. اسمع وعزة من نجى من الغرق نوح، وبذبح عظيم فدى الصريع المذبوح، لا يتحرك عند السماع إلى ذلك السوح، من لم تكن فيه حصة من ذلك الروح. فنح يا أخي على نفسك إن كنت تنوح، وأحسن الظن بكل ذي قلب مجروح، بشكر الله يغدو وبذكره يروح، شتان مابين صدر ضيق وصدر مشروح. يا أخي: افهم معاني هذه الإشارات العجيبة، والقياسات المحكمة الغريبة، أليس النسيم يحرك الأغصان الرطيبة، النابتة في الرياض المونقة الخصيبة، فإذا مر بالجذوع اليابسة لا تناد، ولو هبتها الريح المسخرة على عاد، وما كان البغل الحرون لينقاد، إنما ينقاد الفرس الجواد: إن سقته طار وإن حرقته عاد، وفي ذلك نقول: نفس جرى بنسيمكم فأطار نوم سليمكم وأفاده بهبوبه كلفاً بدار نعيمكم شرب الهوى بكؤوسكم وأدارها بعلومكم لما ملئن بحبكم ومزجن من تسنيمكم أضحى سقيماً بعدها فارثوا لما بسقيمكم متحركاً لسماعكم سكران من تكليمكم ويلومه من لم ينل مانال من تكريمكم