دعاء آخر اللهم إني أسألك بأول عين أبديت، لأول وجه أبديت. وأسألك بأول وجه أبديت، لأول عين أبديت، فنظرت إليها بنورك الرحيم، فتلألأت بالنظر إلى وجهك الكريم، فشهدت بتوحيدك القديم، فسجدت لما شهدت من جلالك العظيم. فبما سطع من نور نظرها في العيون نظر الناظرون، وبما سطع من نور شهودها في العقول شهد الشاهدون، وبما سطع من نور ثنائها في السجود سجد الساجدون. التي جعلتها فتحاً لفاتحة أمرك، في قديم دهرك، وجعلتها فتحاً لفاتحة خلقك في حديث عصرك، ومن أجلها فتقت الرتق وبسطت الأفق، ورفعت الشداد وسطحت المهاد، ونصبت الجبال وكثبت الرمال، ومرجت البحار، وفلقت الإصباح وأذريت الرياح، وأنشأت السحاب وأمطرت الرحاب، وأنبت الأشجار وأطلعت الثمار، وقدرت الأقوات وأحييت الأموات، وبرأت النفوس وطبعت المحسوس، وأدرت الأفلاك وأسجدت الأملاك، وخلقت الإنسان وعلمت البيان، وأنزلت القرآن وفرضت الأديان، وأزلفت الجنان وأسعرت النيران. عين محبتك لأحبابك، وسبب التعلق بأسبابك، ومفتاح مدخر ثوابك، ومغلاق مستعر عذابك، ولسان أحرف خطابك، ولوح قلم كتابك، ولي الولاء الذي سفل وعلا، فجاوز بأسفله الثرى، وبأعلاه سدرة المنتهى، أنابيبه الأنبياء والأولياء، وعذاباته حسن المحامد والثناء، وحليته الأسماء الحسنى، وأعلاه قاب قوسين أو أدنى، وأسفله(طه. ماأنزلنا عليك القرآن لتشقى)، المتفيء ظلاله يوم القيامة، على آدم ومن دونه من أهل الكرامة.. أنت المسؤول منك بقربه، وأن ترفعنا إليك بسببه، وأن تحسبنا عندك بحسبه، وأن تجعلنا بكرمك من أولى الناس به، ومن أشغفهم بحبه، وألحقهم بصحبه، وأخصهم بقربه، في حضرة زلفى لديك، ومقعد صدق بين يديك. وأن تعرفنا به معرفة تشفينا، وأن تمنحنا من صفاته صفة تصفينا، وأن تجعل لنا من شفاعته حصة تكفينا. لاتجعلنا ممن ذكرك ونسيه، أو وجدك وغويه، أو أحبك وقلاه، أو أثبتك ومحاه، أو زعم أنه تعداه، أو اهتدى إلى معرفتك بغير هداه، فكذبت عندك دعواه، ودخل في صفة من اتخذ إلهه هواه. اللهم بوجهه الكريم إلى وجهك الكريم توجهنا، وبخلقه العظيم على خلقك العظيم عولنا: أن تثبت أقدامنا على صراطه المستقيم، وأن تجعلنامن جيرانه في دار النعيم، إنك جواد كريم. وصل عليه وعلى آله أفضل الصلاة، وسلم عليه وعليهم أفضل التسليم. دعاء آخر إلهي وقف عبدك اللئيم، المتضرع الأثيم، المفتقر العديم، بعتبة بابك الكريم، يسألك من فضلك العظيم، وجودك العميم، ماتغفر به ذنوبه، وتستر به عيوبه، وتكشف به كروبه، وتغني به فقره، وتجبر به كسره، وتشد به أزره، وتحط به وزره، وتشرح به صدره، وتعمد به ظهره، وتصلح به أمره، وتختم به عمره، وتؤنس به قبره. فماذا يقول قائل كرمك لقائله؟ وماذا يرد راد فضلك على سائله؟ وماذا يفعل فاعل جودك بمسائله؟ يامنتهى غاية طلب الطالبين وياأقصى نهاية رغب الراغبين، وياكهف أمان رهب الراهبين: أيظن من وقف بعتبة بابك، أن يرجع بائساً من تحف ثوابك، يابساً من مطر سحابك، مقطوعاً من صلة أسبابك. كيف وبابك أوسع من الفضاء، وأمرك أسرع من القضاء، تعقب سخطك بالرضا، وتغفر مابقي ومامضى. فما للمتأول أن يتأول ذلك في مقابلة شرف جلالك، المتلألئ بمحاسن جمل جمالك، المتفيء بأظلة سعة كمالك، المسافر عن نور سبحات وجهك الكريم، المتهلل بما في الدنيا والآخرة من كل نعيم مقيم، وعطاء جسيم، ونوال عميم، وجزاء عظيم، الذي إذا بسط- المحترق بهممه، المستغفر لإثمه، المتململ من ألمه- إليه أكف عدمه، استحيا أن يردهما صفرا من فواضل كرمه، وجلائل قسمه، وسوابغ نعمه، وبوالغ حكمه. وهأنا يا إلهي بما تكاثر علي، من الذنوب المنسوبة إلي، قد بسطت إلى معروفك يدي، فانظر إلهي إلى موقف ألأم لئيم، بعتبة باب أكرم كريم، وانظر إلهي إلى تعرض أعدم عديم، لنفحات رحمة أرحم رحيم، لايشرف أبداً عليه، إلا لقاه باسطاً يديه بين يديه، ناظراً بعين الفقر والمسكنة إليه، طائفاً بأسرار التضرع والتقطع لديه. أفيليق بكرمه وحميد شيمه، أن يخيب أمله، أو يبطل عمله، أو يقطع سبله، أو يكذب رسله. فيا من له المثل الأعلى من كل ممثول، والعطاء الأوفى من كل مسؤول، والكرم الأقصى من كل مأمول. يامن خزائن عطاياه الكلام، ومفاتيحها من عباده الكلام، تعطف علي برحموت، تغمد بها عني سيف الجبروت، وامنن علي برهبوت تبلغ بها روحي أقصى الرغبوت. فكل معروف أنت جدير، وكل مطلوب أنت عليه قدير، وكل عسير هو عليك يسير ، وكل كبير هو لديك صغير. فماأسمائي إذاً في مقابلة أسمائك؟ ومارجائي إذاً في مقابلة عطائك؟ وماحاجاتي إذاً في مقابلة قضائك؟ وماطاعاتي إذاً في مقابلة رضائك؟ وماذنوبي إذاً في مقابلة سماحك؟ ومافسادي إذاً في مقابلة صلاحك؟ تلاشت ذاتي في مقابلة ذاتك وفنيت صفاتي في مقابلة صفاتك، وسقطت سيئاتي في مقابلة حسناتك، وغنيت مفاقري في مقابلة إفاضاتك.. فأنا أبداً في مقام فقير عديم، كما أنك أبداً في مقام غني كريم. وأنا أبداً في مقام مسيء أثيم، كما أنك أبداً في مقام غفور رحيم. أتشفع إليك إلهي بعتبة بابك، وحامل كتابك، ولسان خطابك، وأحب أحبابك، وعروة التمسك بأسبابك محمد شمسك وقمرك وشهابك، في نيل ماأطلبه في الدنيا والآخرة من عميم ثوابك، وفي دفع ماأخشاه في الدنيا والآخرة من أليم عقابك، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم، عليه توكلت وإليه أنيب.