ظلت طوال الليل تتململ فوق فراشها وكأن ثعابين الأرض وعقاربها تلدغها .. كانت تحاول إعادة ذاكرتها إلى الوراء عندما سمعت أول خبر عاجل عن أستاذها الذي اعتنق ديانة حزب السلفة الحاكمة بعدما كان مثلها الأعلى في رفض الخطوط الحمراء على ما يقوله ويكتبه في انجيله المحكوم عليه بالفشل فكل شعاراته حفظتها عن ظهر قلب وعشقت جملته الأولى : - اكتبوا دون خطوط حمراء لا تعتنقوا أي ديانة ظلوا أحراراً غير مستعبدين لا تصمتوا تعلموا كيف تتكلمون . - أقفلت ذاكرتها على صوت أذان الفجر : - الصلاة خير من النوم . - فرشت سجادتها وهي تردد كانت قد حفظتها من إحدى الراويات : - (يقضي الإنسان سنواته الأولى في تعلم النطق وتقضي الأنظمة العربية بقية عمره في تعليمه (الصمت). - كبرت .. ركعت .. سجدت .. سلمت .. استغفرت من رجس الصمت والخطوط الحمراء وسبحت بحمد الفجائع القادمة ، هجرت فراشها وراحت تتابع شروق الشمس من النافذة لتمسح غبار ما سمعته يوم أمسها الماضي ، كانت تشعر أن هذا الصباح يخفي فجائع كبرى ستهز عرشها وستزلزل أحاسيسها ، ومرت ساعات الصباح الأولى وهي تتوقع فجائع أخرى مؤلمة ، وفي غمرة صمتها وخوفها جاء النبأ عاجلاً بعد أن أغلقت باب حجرتها على نفسها وهي تحدق إلى شاشة التلفاز بذهول : - ضربت العراق - وقفت متهجمة تردد : - تعلمت في مدرسة الصمت ألا أعلق على أي شيء وأن أتوقع كل الفجائع بعد فجيعة أمسي - أخبار ترد والفجائع تكبر أمامها فكل المحطات الفضائية تتوجه نحو العراق .. خبر عاجل : - سقوط أم قصر والهدف الموصل .. - قبل أيام كانت تقرأ المانشتات في الصحف (أيام معدودة للحرب .. بقي للحرب يومان .. - متى تقوم الحرب .. ضربت العراق ) . - ليست هذه فجيعة لقد كانت تعرف مسبقاً أن الضربة لا محال لها ولكن الفجيعة أمسها ألم تكن متوقعة .. مطت شفتيها وهي تغلق التلفاز وتتجه نحو درجها تذكرت ساعتها أنها قرأت ذات يوم في إحدى الصحف القديمة قصيدة بعنوان (قصيدة حب إلى العراق) للشاعرة الكويتية سعاد الصباح : أنا امرأة : قررت أن تحب العراق فمنذ الطفولة كنت أكحل عيني بليل العراق ... الخ هكذا أحبت العراق وتزوجت بغداد وأنجبت بابل وفي وضح النهار أقامت علاقتها الأولى بالعراق أن تحب العراق وكان مهرها حصاناً جميلاً وخمس سنابل .. هذا قرارها الأخير بعش العراق . حدقت إلى لفافة الصحيفة وهي تذرف الدموع ، ساعتها أغلقتها عنوة وهي تتذكر بابل وبغداد والموصل والبصرة .. راحت تعيد من جديد وقائع الأخبار العاجلة بكل ما تحمل من ألم ومعاناة . - اعتناق أستاذها ديانة الحزب الحاكم .. - ضرب العراق - والخبر العاجل الذي أرادت التصريح به نفسها أمام الجميع . - دخولها في ديانة الحزب الحاكم المعارض بعد قرارها السابق بأن تكون حرة لا تحكمها أية أنظمة وأحزاب تعتنقها ولكنها قررت واتخذت القرار (العراق سقطت) خبر عاجل فجيعة يوم الخميس