{ .. التواضع سمة من سمات الرفعة النقية التي تعبر عن حقيقة الإنسان التي تخفى ، عن كثير من أهل المعمورة. حيث إن المتواضع لم يأتي بشيء لم يكن فيه بل التواضع هو أصل ثابت مع هذا الإنسان من يوم وضع في الرحم على تلك الخلقة التي بدايتها نطفة ولم يكن له القدرة على رعاية نفسه أو التحكم في نشأته ومن تواضع فهو لم يتجاوز الوضع الذي هو مجبول عليه لذلك حين أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس وكان مع الملائكة إلا أنه لم يكن منهم ولكن الله أكرمه بهذه المنزلة التي كان فيها. وقد شمله أمر الله فأبى أن يسجد مع الملائكة وتكبر بقوله أأسجد لمن خلقت طيناً. فكانت أول معصية لله من قبل إبليس فكان جزاؤه لعنة من الله وطرد من رحمة الله لأنه تكبر على أمر الله .؛ونظر في نفسه بأنه أفضل من غيره ولذلك أبى واستكبر والكبر يكون باستحقار الآخرين والترفع عنهم بقصد الاقلال من قدرهم والظهور عليهم. وقد يكون الكبر أيضاً بالاعراض عن الناس والمشي بالخيلاء والتفاخر كما جاء ذلك على لسان لقمان الحكيم وهو يعظ ابنه.. بقوله تعالى: «ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور». ويكون أيضاً بالاعراض عن أوامر الله كما سلف في قصة إبليس وكما جاء على لسان نوح عليه السلام لقوله تعالى : «رب إني دعوت قومي ليلاً ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم واصروا واستكبروا استكبارا». فكان لابد حين أتكلم عن التواضع أن أتكلم عن الكبر والتفاخر والخيلاء لأنه بذكر الداء تسهل معرفة الدواء والكبر هو الداء والتواضع هو الدواء. والتواضع سمة الصالحين وقبل ذلك الأنبياء والمرسلون وهو رفعة للمتواضعين. كما جاء ذلك على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله : من تواضع لله رفعه . فكانت الرفعة جزاء المتواضعين وكانت الذلة والمصغرة جزاء المتكبرين كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر يطاهم الناس بأقدامهم أو كما قال عليه الصلاة والسلام في ذلك أي التواضع بقول الشاعر : تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيعُ ولا تك كالدخان يعلو بنفسه إلى طبقات الجو وهو وضيعُ ومن المشاهد المألوف أن الكبر غير قريب من أهل النعم إلاّ من رحم الله مثل الأغنياء والأمراء والملوك والقادة والمسئولين والسلاطين والميسورين والمثقفين إلاّ من رحم الله منهم. ولكن هناك ماهو أشر من ذلكم وهو الفقير المتكبر، وفي ذلك أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ومنهم (عائل مستكبر) أي فقير متكبر أو كما قال صلى الله عليه وسلم.