منذ صغري ونعومة أظفاري لم يداعب قلبي الأنثوي الصغير شيءٌ مثلما تداعبه أغنية لفيروز في ساعات الصباح حينما تحادث قطرات المطر زجاج النافذة التي ترى ذلك الرجل العجوز يركض وقبعته الصوفية ليحتميا من البلل. قلبي الذي كان صغيراً يوماً كبر وكبر اشتياقه لفيروز، ولذلك الغزل الفيروزي الذي يرسم لوحة حالمة يسكنها كل أبطال الروايات والفتيات الحسناوات، يسكنها كل قلب عاشق وكل فؤاد كسير... كبر اشتياقي، وتساءلت: أين ذهبت فيروز وذهب الغزل؟! قلبي يشعر الآن بالحزن كلما استمع لفيروز، يشعر بالحزن لأنه لا يستطيع احتمال خيبة أمل الأسطورة فيروز فيه وفي كل عشاقها... فسفيرتنا إلى النجوم وفقاً لموقع Syria-news.com لديها أسطوانة معدة وملحنة وجاهزة منذ خمس سنوات إلا أنها لم تسجل لعدم وجود منتج لها فقد رفضت كثير من الشركات المنتجة المعروفة إنتاج آخر ألبوم لفيروز وذلك لأنها بقيمة ما يلزم لإنتاج هذه الأسطوانة يمكنها إنتاج ثلاثة أو أربعة ألبومات لفنانين آخرين من الجيل الجديد وبالتالي استثمار المال بشكل أفضل، على حد قولهم. لا أدري متى حصل ذلك، ولا أين؟ ولكن يبدو أن هذا العالم ما عاد يتسع للجمال، وما عاد يقدِّر الجمال، إني أتساءل: لو كانت فيروز فنانة غربية لها مثل هذا التاريخ وهذا الصوت وهذا الجمهور هل كانت ستلقى التقدير نفسه الذي تلقاه من وطنها العربي الذي غنت له وتغنت به طوال هذا العمر؟! أم أننا وفي أثناء فقداننا لبقايا احترام ذاتنا كحضارة وثقافة عربية فقدنا كل احترام نملكه لرموزنا أيضاً؟ فيروز التي وصلت حد الأسطورة في الأداء والصوت والوطنية والالتزام، فيروز التي لم تتكرر ولن تتكرر كان عليها أن تنتظر خمسة أعوام وتتلقى الرفض من جهات ومؤسسات لا تستحق حتى شرف أن يحمل آخر أعمال فيروز شعارها، فيروز أنتظرت خمس سنوات إلى أن تقدمت الأمانة العامة لاحتفالية «دمشق عاصمة عربية» أخيراً لإنتاج هذا الألبوم مشكورة، في حين أن بعض الأشخاص الذين لا تتعدى حدود موهبتهم كونهم بهلوانات أوفتيات غلاف تتهافت عليهم العروض من كل حدب وصوب!! قلبي استيقظ على واقع هذا العالم الذي تغير، فعوضاً عن أغاني فيروز التي كانت تداعبه في الصباح اعتاد أن يصحو على أصوات المواطنين والمسؤولين الذين يتبادلون الشكاوى والصراخ عبر الإذاعات، واعتاد رؤيته لذلك الرجل العجوز وهو يرتجف من الجوع والمرض، وألف صوت قطرات المطر وهي تطرق سقف الصفيح، إلا أن قلبي رغم اعتياده يمشي في هذه الدنيا دون اقتناع بأنها فقدت كل ما فيها من جمال، بل ويبحث عنه بين الحطام، ما دفعني للسؤال: هل العيب بقلبي أنا أم العيب في الزمان الذي لا نستمع فيه لفيروز في الصباح؟!