منذ الأصابع وهي تبدأ غناءها، صعوداً باتجاه السيقان حين تروز إيقاعاتها تتراسل الأجساد معلنة عن فرحة باذخة، أو شجن.. يرفو نسيج الروح في انهماراتها النبيلة وتشهياتها. في الانقيادات الأولى صوب فضاء متاح تؤثث السيادة تحققها.. من يقود.. من يتسيد بكلمة أخرى: أثمة مهيمن تنقاد له الأصابع والسيقان، أثمة مهيمن» بكسر الميم الثانية «ومهيمن عليه» بفتح الميم الثانية هذه المرة في الرقص يصعّد الإيقاع سلطته. فضاء الرقص «ساحته، صالته» يعقلن خطوة الجسد صوب الجسد الآخر، ساحة الرقص المفتوحة على اتساعها تلغي الأقفاص، وتفتح الخطى، حتى لكأن ما كانا جسدين كفا عن أن يكونا، إذ يحضر التماهي في غوايته العليا. كم يتدرج جسدان راقصان حتى يصيرا «واحدين».. وبأية خبرة يخطط جسدان لبناء آصرةٍ صفية حارة تؤطر استراتيجية الشغف في علوه واتساعه. إذ يحضر التدرج: من بطء البداية إلى ثراء الحركة وهي تشد سرعة الخطى، إلى التصعيد حيث الذهاب نحو كينونة كأنها غمر قصي، تمتلئ عروقاً وتنفر بموازاة عنق ترنو خلفاً، أو جدائل شعر بلا عنان تميل هنا أو هناك. تشاتشاتشا.. سامبا.. رومبا.. باسودوبلي.. لامبادا.. سالسا.. ودفقات تتراكض كأنما في برية متوحشة، ربما وبدائية، لكنها ليست تشبه بدائية غابة مغلقة. تنفتح مطلقات.. ولا تنسد. وصلصال الجسد الكلي، في غبطته، يتحرر في مجازه، يحرر مجازه. ينسفح قماش الجسد، حريره، من دون حدود، من دون موانع، غبّ طبول تنبت في فضاءات الأقدام، وفي عروق ناقرة ملأى بعافية النشيد. قطرة - قطرة يتدفق الصخب الفاره من بذخ إيقاعي، حيث التشاتشاتشا ذات التكرار الثلاثي، لكن التي لا تقبل إلا جسدين واحدين في طريقهما إلى التوحد، وحيث لهفة جسد يرتضي عبوديته حين يذوب متهالكاً في جسد يدعوه لممارسة الشغف الأقصى. تانجو سامبا رومبا باسودوبلي.. أهو العبور المزدوج؟! هنا، أم العابر المزدوج، أم الممر المزدوج.. كم هي رمزية هذه الرقصة بعنوانها وبخطاها!. بعيداً في اللهفة.. قريباً في الارتعاشات المجنونة تتدفق الأجساد، لكأن خدراً تبادلياً يبلغ ذروته في لحظة خاصة، منذ رقصة تبدأ انسيابيتها لتعبر بالسيقان والأجساد إلى أقصى احتشادات الغواية، فلا توفر ذخيرتها إلا للانطلاق إلى في فضاء قصي يفتح رغبة ولا يغلقها. لوعة !.. عشق ! وله !.. انقطاع عن كون آني!. هذا كله وأكثر.. خزينة أجراس جسدانية ثمة.. وتوق تاريخي لإنضاج الصلصال الإنساني بالكون، عبر أنموذج مصغر هو الفضاء المتاح للرقصات. باسودوبلي.. لامبادا.. سالسا وأخواتهن الصاعدات في اللحم، الذاهبات عميقاً في تلافيف الجسد وأرجائه، ليس ثمة صائد وطريدة، إنما أيل يتنامي في ممرات غزالة مطواعة، تذهب هي أيضاً إلى تطويعه، هما واحدان إذن في العبور المزدوج. إلى أين، وإلى ماذا، أهو عبور إلى اللا مكان، إلى مجازات رمزية تحتشد بالمعارج، أهو عبور إلى معارج الجسد وتصعيداته!. هو هذا كله!. فهل نعبر معاً، أقصد هل نرقص!!.