نجاة برلماني من محاولة اغتيال في تعز    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    الأهلي يتوج بلقب بطل كأس السوبر المصري على حساب الزمالك    الدوري الانكليزي: مان سيتي يسترجع امجاد الماضي بثلاثية مدوية امام ليفربول    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    شعبة الثقافة الجهادية في المنطقة العسكرية الرابعة تُحيي ذكرى الشهيد    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    قبائل وصاب السافل في ذمار تعلن النفير والجهوزية لمواجهة مخططات الأعداء    هيئة الآثار تستأنف إصدار مجلة "المتحف اليمني" بعد انقطاع 16 عاما    وزير الصحة: نعمل على تحديث أدوات الوزارة المالية والإدارية ورفع كفاءة الإنفاق    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    كتائب القسام تسلم جثة ضابط صهيوني أسير بغزة للصليب الأحمر    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    بن ماضي يكرر جريمة الأشطل بهدم الجسر الصيني أول جسور حضرموت (صور)    رحلة يونيو 2015: نصر الجنوب الذي فاجأ التحالف العربي    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    الحراك الجنوبي يثمن إنجاز الأجهزة الأمنية في إحباط أنشطة معادية    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    حزام الأسد: بلاد الحرمين تحولت إلى منصة صهيونية لاستهداف كل من يناصر فلسطين    علموا أولادكم أن مصر لم تكن يوم ارض عابرة، بل كانت ساحة يمر منها تاريخ الوحي.    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    محافظ المهرة.. تمرد وفساد يهددان جدية الحكومة ويستوجب الإقالة والمحاسبة    عملية ومكر اولئك هو يبور ضربة استخباراتية نوعية لانجاز امني    نائب وزير الشباب يؤكد المضي في توسيع قاعدة الأنشطة وتنفيذ المشاريع ذات الأولوية    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    أبناء الحجرية في عدن.. إحسان الجنوب الذي قوبل بالغدر والنكران    عين الوطن الساهرة (1)    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    الدوري الانكليزي الممتاز: تشيلسي يعمق جراحات وولفرهامبتون ويبقيه بدون اي فوز    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تعزّي ضحايا حادث العرقوب وتعلن تشكيل فرق ميدانية لمتابعة التحقيقات والإجراءات اللازمة    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    المستشفى العسكري يدشن مخيم لاسر الشهداء بميدان السبعين    وفاة جيمس واتسون.. العالم الذي فكّ شيفرة الحمض النووي    بحضور رسمي وشعبي واسع.. تشييع مهيب للداعية ممدوح الحميري في تعز    الهجرة الدولية ترصد نزوح 69 أسرة من مختلف المحافظات خلال الأسبوع الماضي    القبض على مطلوب أمني خطير في اب    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    ضيوف الحضرة الإلهية    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أما آن لهذا «الانتحار» أن ينتهي !!
«العام الماضي» انتحر 237 «والذي قبله» 292 وماخفي كان أعظم
نشر في الجمهورية يوم 16 - 03 - 2009

نفوس ضعيفة .. في حناياها تكدست بقايا «غُصص» .. فأثارت زوبعة من الكره للماضي والمستقبل .. ألم من قبل وذاب شديد من بعد .. إنه «الكفر» ولكن لا يفقهون..
كل أربعين ثانية ينتحر أحدهم هذا عالمياً أما عربياً وإسلامياً «وبلادنا جزء منهما» فالوضع حسب الدراسات الدولية «مطمئن للغاية .. بفعل الدين طبعاً».«ولكن ؟!» بالمقارنة المتفحصة «بين الآن والذي كان» نجد أن ظاهرة الانتحار في بلادنا أخذت منحنى صعباً .. وضحاياها في ازدياد .. والمفارقة المؤلمة أن الانتحار في بلاد الغرب يتلقف كبار السن أما في بلادنا فإنه لم يتجاوز سن الشباب..
(43) .. من قرية واحدة
الانتحار نهج خاطئ لا يتوافق مع سنن الحياة ومتغيراتها والتي يكون فيها الحلو والمر والنجاح والفشل والسعادة والحزن .. كما أن الأمر لا يخلو من التمحيص والابتلاء واختيار درجة الصبر والإيمان لدى الناس وليس بالمستغرب أن يكون الصبر على الشدة مفتاحاً لكبير الانفراج ورغد العيش.
والملفت في قضية الانتحار في اليمن ما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة عن قرى في محافظة تعز أقدم عدد من أبنائها رجالاً ونساء وفتيات على الانتحار .. ولعل أشهرها على الإطلاق قرية «السبد» من قرى عزلة الأعبوس مديرية حيفان فقد أقدم (43) من مواطنيها على الانتحار في أوقات منفصلة منذ بضع سنوات والغريب في الأمر أن ضمن الحالات فتيات صغيرات في السن والأغرب أن إقدامهن على الانتحار كان لأسباب تافهة كتعرضهن للتعنيف واللوم الأسري البسيط مثلاً وكان ضمن المنتحرات أيضاً نساء متزوجات من بينهن امرأة وأم لسبعة أطفال..
آخر المنتحرين
«و.ع.س) هي آخر تلك المنتحرات وهي فتاة لم تتجاوز العشرين ربيعاً القت بجسدها في بئر القرية مع بداية يوم رمضاني من العام الفائت .. وكون المسكينة يتيمة الأم وأباها مجنوناً كان هذا من أبرز الأسباب الماثلة أمامنا .. وأرجع آخرون أنها انتحرت بسبب حصولها على نسبة متدنية في اختبارات الثانوية العامة.
حادث الانتحار الأخير الذي عاشته قرية «السبد» وقع الاسبوع الفائت وهذه المرة كان ذكورياً فقد أقدم شاب متوسط العمر على الانتحار والأسباب حتى اللحظة لازالت مجهولة .. وفي قرية أخرى أقدم شاب عشريني أيضاً على الانتحار ولكن هذه الأخيرة كانت في شهر ديسمبر من العام الفائت.
قضية وعي
عبدالله الأصمع مدير مديرية حيفان والذي وردت الحكاية المستجدة عن آخر المنتحرين على لسانه نفى بشدة أن تكون إحصائية المنتحرين في تلك المنطقة قد وصلت إلى ذلك الرقم الذي ذكرناه آنفاً والذي سبق وأن حصلنا عليه من مصادر موثوقة..
الأصمع أفاد أن عدد المنتحرين وعلى مدى عشر سنوات ماضية بلغ حمسة عشر منتحراً ومنتحرة وعن جهود السلطة المحلية هناك لمواجهة هذه الظاهرة قال الأصمع «القضية بالمختصر المفيد قضية وعي فالوازع لدى البعض متدنٍ ، ونحن بدورنا وبالتنسيق مع مكتب الأوقاف سنكثف من الحملات الارشادية في قرية السبد وما جاورها من قرى المنطقة الشرقية وبني علي.
الأصمع في ختام حديثه أكد أن المديرية لا ينقصها شيء من الخدمات ففي الجانب الصحي هناك أكثر من (16) مركزاً صحياً منتشرة في قرى حيفان المختلفة.
عدوى وتقليد
الدكتورة سامية الأغبري نبهت في يومية الثورة أن ظاهرة الانتحار التي وصفتها بالغريب وأنها غير معروفة الأسباب والدوافع وأن خطرها الأفظع يكمن بأنها انتقلت من قرية «السبد» إلى قرى مجاورة فقرية المشاوز مثلاً شهدت حالات انتحار مختلفة وهو الأمر ذاته من بعض القرى المجاورة.
أحد المهتمين بالأمر وهو من أبناء المنطقة كشف عن حالات انتحار لم يتم الابلاغ عنها وأنها لم تدخل في احصائيات وزارة الداخلية وذلك تفادياً للاجراءات الرسمية أثناء التبليغ موضحاً في إطار حديثه أن التقليد أحد أسباب الانتحار في قرية «السبد» وما جاورها «ويتساءل» كيف استسهل صغار السن الانتحار .. سوى أنهم يقلدون الكبار فيما يفعلون .؟!!
من هنا وهناك
من واقع المأساة ليس في قرية «السبد» فقط بل في كل اليمن قصص مثيرة تتناقلها وسائل الإعلام وتلوكها الألسن هنا وهناك .. من هذا المنطلق وبعيداً عن التفاصيل المبهمة التي يلف أغلبها الغموض اليكم مقتطفات لآخر المستجدات:
فهذا طالب رسب في الاختبار فقرر الانتحار ، وآخر في صنعاء مصاب في انفصام الشخصية فدخل الحمام وشنق نفسه .. وفي بني مطر قام رجل «مُحكّم» بقتل المتخاصمين لديه وبعدها أتبعهم بنفسه ..
أما صاحب جيل جبشي فبعد أن يأس من العثور على عمل مزج سم الفئران بطعام العشاء وفي الصباح عثر عليه وأفراد أسرته جثث هامدة .. وفي قعطبة شاب وضع حداً لخلافه مع أخته الصغرى فوضع حداً لحياته .. وفي الحجرية مصاب بالإيدز قتل نفسه بسم القات «مربي الأغصان».. وغيرها من الأحداث ولكن لا يتسع المقام لذكرها.
وسيلتان لا أكثر
رغم حالات الانتحار التي حدثت مؤخراً إلا أننا لم نسمع أن شخصاً القى بنفسه من بناية شاهقة كما هو الحال في بلدان غربية أو أن آخر قطع شريانه ونزف حتى الموت وإن حدث ذلك فهي حالات نادرة إذ يتبع المنتحرون أساليب ووسائل نمطية للتخلص من أنفسهم .. وكون بلادنا من أكثر البلدان التي تنتشر فيها الأسلحة النارية لدى مواطنيها جاءت التقارير الأمنية تؤكد أن أكثر المنتحرين كانت تلك الاسلحة وسيلتهم في قتل أنفسهم لأنها الأسرع في زهق النفس ومفارقة الحياة.
ولأن بلادنا أيضاً تنتشر فيها المبيدات الفتاكة لذا فإن أغلب المنتحرين يلجأون إلى شربها خصوصاً الذين يقطنون الريف ويشتغلون بالزراعة .. وتبقى هاتان الطريقتان الأكثر اتباعاً ومن يدري ربما إذا شددت الجهات المعنية على كيفية امتلاكهما قلت نسبة الانتحار.
وفي هذا السياق فقد أكدت احصائية رسمية صادرة عن وزارة الداخلية ذلك مضيفة الشنق كوسيلة ثانوية استسهلها آخرون.
عائد من الموت
«محمد .س.ص» شاب عشريني التقيته بمساعدة أحد الزملاء منهمكاً في عمله الجديد .. حكا لي وزميلي قصة عودته من الموت.
محمد فيما مضى أجبرته ظروفه الأسرية غير المستقرة إلى الهروب إلى الشارع وأصدقاء الشارع الذين تلقفوه وعرفوه بطريق الانحراف فأدمن معهم حبات «الديزبام» والبلطجة .. جاء وصفه .. أنه كان حينها حائراً تائهاً لا يعرف مصلحته .. وحين تنكر له أصدقاء السوء ضاقت به الدنيا وقرر الهروب عبر الانتحار قاذفاً في معدته شريطاً كاملاً من المضاد الحيوي الفعال دخل بعدها بغيبوبة تامة وحين فاق وجد نفسه في أحد المستشفيات فقد سبق وأن انقذه أحد الخيرين وكما غسلوا معدته غسل صديقه المنقذ فكره..
يقول محمد : من حينها تغير مسار حياتي وأحسست أني إنسان .. أعمل وأنتج وأحقق ذاتي..
آخر الإحصائيات
وفيما يخص التقارير الرسمية التي تناولت قضية الانتحار فقد كشف تقرير صادر عن وزارة الداخلية أن (237) يمنياً أقدموا على الانتحار خلال العام الماضي 2008م من أصل (507) حالات شروع في عمية انتحار مسجلة تراجعاً طفيفاً عن احصائية العام 2007م والذي بلغ فيه عدد المنتحرين (292) شخصاً.
أما فيما يخص حالات الشروع بالانتحار فإحصائية هذا العام جاءت أكثر حيث وصلت (270) حالة شروع في الانتحار .. وأعلى تلك الحوادث سجل بأمانة العاصمة تليها محافظة حجة ثم ذمار وترجع الاحصائية الأمنية الأسباب إلى أمراض الحالات النفسية والخلافات الأسرية إضافة إلى ضعف الوازع الديني وارتفاع نسبة الأمية.
وكشفت تقارير أخرى أن العدد غير المسجل رسمياً يفوق الرقم الرسمي أضعافاً مضاعفة.
فلسفة خاصة
الجدير ذكره ومنذ منتصف تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم ومعدلات الجريمة تشهد تزايداً مطرداً حسب ما تسجله أرقام وزارة الداخلية حيث تشير أن حالات الانتحار خلال الفترة ما بين 1995م وحتى 2006م تزيد على (2612) حالة انتحار معظمها لشباب وفتيات لم يتجاوزا العقد الثالث من العمر.
ويعتبر الباحثون أن مرحلة المراهقة هي أكثر المراحل التي تشهد ظاهرة الانتحار نظراً لحالة عدم الاستقرار في هذه المرحلة على مستويات عدة اجتماعية ونفسية فضلاً عما يعانيه الشاب من تغيرات سيكولوجية وجسمانية وأسرية .. وعلى المستوى الاجتماعي يعاني المراهق من التردد بين مرحلتي الطفولة والشباب هذا التردد يعطي دفعة قوية باتجاه تجاوزها فيواجه فيها انتقادات وتقييمات عديدة من الوسط المحيط به وهو بدوره يحاول إعطاء فلسفة خاصة لحياته الذي قد يؤدي به إلي حالات من اليأس وفقدان معنى الوجود بحد ذاته..
اكتئاب ذهاني
وقسم علماء النفس الاجتماعي المراحل التي يمر بها الشاب في ظل هكذا ظروف إلى ثلاث مراحل قاتلة حيث يبدأ الشاب بالنظر إلى نفسه بنظرة دونية لاعتبار أنه إنسان غير منتج وغير قادر على تحقيق مطالبه الأساسية تليها مرحلة ثانية تعرف بالاكتئاب العصابي وفي حال عدم تمكنه من الحصول على مراده وظلت أموره معلقة يصل للمرحلة الثالثة وهي مرحلة الاكتئاب الذهاني وهي في الغالب تدفع بالشخص لاختيار طريق إنهائه حياته بالانتحار.
وتشير نتائج إحدى الدراسات التي شملت أكثر من (1200) حالة الانتحار إلى أن 81 % من الشباب المنتحرين و42 % من الفتيات الشابات المنتحرات كانوا يعانون خلال حياتهم اليومية من أمراض نفسية يحتل الاكتئاب المرتبة الأولى بين الأمراض النفسية الشخصية لدى المنتحرين.
كل أربعين ثانية
وأوضح العلماء أن الانتحار ينتج عن تفاعل معقد لعوامل سببية معينة منها الأمراض النفسية والعقلية والفقر والإدمان والعزلة الاجتماعية وفقدان عزيز وصعوبات التواصل مع الآخرين ومشكلات العمل مما يستدعي توافر خبراء واختصاصيين في المجالات الطبية والصحة النفسية للتغلب على مشاعر الاحباط التي تدفع إلى الانتحار وقتل النفس وتقويم الأخطار وتوفير الخدمات الطارئة وسبل العلاج.
ويقول خبير الصحة النفسية بمنظمة الصحة العالمية د.خوسيه مانويل برتولوني .. إن ما بين 20 مليوناً و(60) مليون شخص يحاولون الانتحار سنوياً ينتحر منهم نحو نصف مليون حسب تقرير بثته وكالة «رميتر» مؤخراً وهي نسبة تفوق معدلات الوفاة الناجمة عن جرائم القتل العمد والحروب.
كما أشار التقرير إلى أن شخصاً في مكان ما من العالم ينتحر كل (40) ثانية مما يتفق مع الحقائق التي سجلت سابقاً بأن شخصاً على الأقل يحاول التخلص من حياته كل ثلاث ثوان.
فراغ كبير
علماء الاجتماع أوردو ا في ابحاثهم حول هذه الظاهرة مجموعة أسباب أو مسببات عاشها المنتحرون ووفقاً لاحصائيات مسبقة تكشف أن الذين لجأوا للانتحار يعانون من ضعف الوازع الديني والحرمان الاجتماعي وفقدان الجو الأسري والعاطفي بالاضافة إلى أسباب نفسية .. حيث تملكهم شعور بمرارة الاخفاق والفشل في معترك الدراسة أو العمل أو حتى الحياة الأسرية والزوجية.
كما أن المشاكل الاجتماعية تؤثر على الفرد وتجعله يشعر بالاحباط والضياع والاكتئاب النفسي ووجود فراغ كبير في حياته واليأس الشديد سواء كان سياسياً أم اقتصادياً أم اجتماعياً وبأن المنتحر دائماً كاره النفس بدليل أن الإنسان يخاف من وخز الإبرة فما بالك بالانتحار رغم علمه الشديد بحرمة قتل النفس.
ويقدر علماء الاجتماع أن ظاهرة الانتحار لا تتعلق باللحظات الآنية التي يعيشها المنتحر لكنها تكمن في عوامل تتعلق بالماضي الذي كان يعيشه حيث الرواسب النفسية العميقة والمشاكل المعضلة المتراكمة التي كان يواجهها في مرحلة ما قبل الانتحار التي تتطور مع الأيام حتى تصل إلى تشغيل أزمة نفسية وإلى نقطة لارجعة فيها.
مرض اجتماعي
علماء الاجتماع لم يمروا على البطالة كسبب مرور الكرام فالتعليم حالياً لم يعد يلبي احتياجات سوق العمل فعندما يتخرج الشاب من الجامعة ويجد الأبواب أمامه موصدة يتملكه شعور بضياع العمر بدون فائدة «لا تأمين للمستقبل».
الدكتورة عفاف الحيمي أستاذ مساعد في قسم الاجتماع كلية الآداب جامعة صنعاء أشارت إلى أن هناك مرضاً اجتماعياً داخل المجتمع اليمني يوضحه الانتحار وأنه لابد من حله ومعالجته وأن الكل مسؤول أمامه بدءاً بالدولة والمجتمع ووسائل التنشئة: المنزل والمدرسة والمسجد والجامعة والإعلام وغيرها.
ودعت الحيمي إلى ضرورة الاهتمام بالشباب من الجنسين في التعليم والرعاية الصحية وتربيتهم تربية سليمة وتوفير فرص العمل لهم وكذلك توفير الأندية الرياضية والثقافية لكي يبتعد الشباب عن القات والمعاكسات ويبدأ بإخراج طاقاته الكامنة والمواهب المخزونة.
في نار جهنم
قال تعالى في كتابه العزيز : «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله بكم رحيما» وقال ايضاً : «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» صدق الله العظيم.
استناداً إلى تلك الأدلة القرآنية الصريحة ثبت أن قتل الإنسان لنفسه محرم شرعاً وعد من الكبائر .. ومن خالف الأمر الرباني فجزاؤه جهنم وبئس المصير ودليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابدا ، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يحمى بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلداً فيها أبدا» رواه البخاري.
الإيمان
من منطلق تلك الحقائق القرآنية والنبوية الصادقة جاءت إجابة الشيخ عبدالحميد محمد الطيب مدير الوعظ والإرشاد في أوقاف تعز : أن النفس من خلق الله وهو المتصرف فيها والإنسان أميناً عليها وهو مأمور وليس بأمر وتابع وليس بمتبوع وهو أيضاً ملزم بحمايتها والحفاظ عليها لتكون محط ابتلاء الله له في هذه الدنيا.
وأضاف الشيخ: قد يمر الإنسان بظروف صعبة وقاسية تدفعه إلى الانتحار وقتل نفسه وقد عالج الإسلام ذلك بالإيمان والتربية الدينية والصلاة والصيام واتباع المعروف وحض الإنسان على الصبر والوعد بالثواب الكبير ورفع الصابرين لمنزلة كبيرة مقام النعيم بغير حساب في الدرجات العلا مما جعل الابتلاء محبباً إلى الكثير من المؤمنين.
علاج ناجع
الحل من وجهة نظر الشيخ عبدالحميد يكمن بتوعية وتثقيف المجتمع بالجوانب الدينية وحثهم على التمسك بتعاليمه فالوازع الديني يلعب دوراً كبيراً في ربط العلاقات الأسرية وكذلك التحذير من الإقدام على مثل هذا العمل مع الاهتمام بمن لديهم ميول انتحارية ومحاولة اعطائهم شيئاً من الأمل وعلاج اليأس لديهم ومنحهم شيئاً من الرحمة والعطف.
وختم الشيخ عبدالحميد حديثه بأن الثقافة الدينية هي علاج ناجع لظاهرة الانتحار ولو تفحصنا احصائيات المنتحرين عالمياً لوجدنا أن المسلمين هم أقل عرضة لهذه الظاهرة مستدلاً على ذلك بدراسة علمية ظهرت مؤخراً أكدت ذلك وزادت عليه أن الملحدين واللادينيين هم أكثر يأساً وإحباطاً لذا فإن أعلى نسب الانتحار كانت من نصيبهم..
ليست شيئاً
كذا ظاهرة الانتحار ليست محصورة في مجتمع واحد بل هي ظاهرة قائمة على مر العصور وفي جميع المجتمعات فالواقع والدراسات العلمية تشير إلى أن هذه الظاهرة المؤسفة تزداد وباعداد أكبر في المجتمعات المعاصرة وبخاصة المجتمعات التي تعاني من أزمات اقتصادية ترتبت عليها أزمات اجتماعية وأسرية ، ونتائج الدراسات العلمية منذ عقود تشير الى أن ظاهرة الانتحار أكثر انتشاراً في المجتمعات الغربية التي تحكمها الأنظمة الرأسمالية التي فيها طبقات ثرية ثراء فاحشاً وطبقات أخرى معدمة أو مسحوقة.
وحسب الدراسات العلمية والوقائع لا يمكن حصر ظاهرة الانتحار على الاشخاص الذين ينتمون إلى الطبقات الاقتصادية والاجتماعية المسحوقة وأنه ظهر مؤخراً انتحار كثير من المترفين والأثرياء لكنها قليلة وليست بالحجم السابق نفسه وما يجب التنبيه له أن نسبة الانتحار في مجتمعاتنا العربية ليست شيئاً مقارنة بما يحدث هناك في الغرب..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.