يعتبر حصن هران المطل على مدينة ذمار من الجهة الشمالية من المواقع الأثرية البارزة بالمحافظة إلا أن شهرته المتميزة لم تشفع له كي ينال الحظوة المناسبة من الدراسات والحفريات العلمية التي من شأنها المساهمة في التعريف بتاريخه وحضارته الإنسانية الموغلة في القدم باعتبار أن تاريخ هذا الحصن مازال مطموراً تحت الركام الهائل الذي يغطي معظم جنبات هذا الجبل يشير إليها بقايا الآثار للموقع واللقى والنصوص التاريخية المتناثرة على قلتها غير أن تباشير تلوح في الأفق عن خطوات عملية قامت بها فرق ميدانية متخصصة قبل أكثر من ثلاثة أعوام من الآن تابعة لفرع مكتب الهيئة العامة للآثار والمخطوطات والمتاحف بالمحافظة تمثلت في حفريات علمية بهدف الكشف عن أسرار هذا الكتاب التاريخي الزاخر رغم محدودية أعمال الحفريات نتيجة عدم توفر الإمكانات اللازمة إلا أن نتائجها الأولية خلال موسم التنقيب الأول تكشف عظمة الأحداث والمراحل التاريخية التي مرت على هذا المكان الاستراتيجي ومن حوله الأمر الذي يتم على الجهات المعنية إيلاء هذا الجانب الاهتمام الملائم. حفريات إنقاذية وفي هذا الصدد فضلنا رفد القارىء بنماذج مستقاه من تقرير فريق التنقيبات الذي أطلق عليه تقرير مبدئي عن الحفرية الانقاذية للموقع وهو عنوان موفق إلى حد بعيد وذلك بسبب المباني السكنية العشوائية التي انتشرت في الأراضي والمرتفعات الصخرية المحيطة بالموقع من جميع الاتجاهات وهو عبث يحتاج إلى وقفة جادة وواعية من كافة الجهات ذات العلاقة حفاظاً على قدسية وعراقة التاريخ العريق الذي يمثله. وعلى كل حال فقد أشار التقرير الإنقاذي في مقدمته إلى أن هران هو اسم جبل يعلوه حصن مرتفع على تلة من المسكوبات البركانية من رماد بركاني وبازلت واسم هران ليس حكراً على هذا المكان بل تكرر كثيراً في عدة أماكن في اليمن منها هران ديان وهران صبر في محافظة لحج كما أنه اسم لبلد ووادي من بلاد بكيل من ناحية ذيبين بمحافظة عمران وغيرها من المناطق. ولم يبق من هران ذمار هذا سوى بقايا من سور مبني بالزايور أجزاء منها بني في فترات متأخرة وتنتشر على سطح الموقع بقايا مباني سكنية متناثرة تعود إلى مراحل تاريخية متعاقبة إلى جانب عدد من المقابر الصخرية والأرضية التي ترتبط بالعقائد الدينية بالإضافة إلى ماسبق يوجد عدد من برك المياه والمواجل المرتبطة بنظام ري خاص بالحصن وعلى مقربة منها حفر عميقة منقورة في الصخر التي يبدو أنها كانت تستخدم لخزن الحبوب أو أنها وضعت لمهام أخرى لايمكن البت فيها قبل إجراء دراسة كاملة عنها. لقى إنسانية عجيبة -أظهرت التنقيبات التي تمت مجموعة من الأحجار التي تمثل قبر في الضلع الجنوبي للمربع وجزء من جمجمة آدمية في الجهة الشمالية الغربية بالإضافة إلى مجموعة من الأدوات الفخارية وفي نفس الجهة أيضاً تم العثور على مجموعة من الأحجار تمثل سطح قبر وأثناء رفع أحجار القبر الأوسط ظهر ان التربة أسفل سطح القبر منقولة فهي عبارة عن تربة خشنة وفيه أيضاً عثر على هيكل عظمي لامرأة رأسها في الجهة الشرقية وقدماها في الجهة الغريبة وكان في معصميها سوار معدني في كل معصم أحدهما من الحديد والآخر من البرونز وكذلك قرطين اثنين إحداهما صغير والآخر كبير مصنوعان من المعدن يقعان بالقرب من الأذن اليسرى كما وجد حول الرقبة عدد من الحبيبات الصغيرة المثقوبة من «الخرز» باحجام ونوعيات مختلفة وفي الجهة الغربية من قدمي المرأة ثم العثور على حجرتين من البلق. آثار العنف البشري وحروبه - ولماتمثله هذه المقبرة التي قد تعود إلى تاريخ الألف الأول الميلادي توسعت أعمال التنقيبات بوتيرة عالية لتكشف في انحاء منها على آثار أجساد آدمية لمختلف الأعمار تحمل دلالة واضحة على وقوع مايمكن ان يسمى جرائم حرب حيث أظهرت الحفريات عن هيكل آدمي لرجل رأسه في الجنوب وقدماه في الشمال بوضع جانبي والرأس مهشم فالفك العلوي مفتوح بدرجة كبيرة والوجه يتجه إلى الشمال الغربي وفي الأسفل تم العثور على هيكل بحالة سيئة جداً فالجمجمة مفككة وأجزاء من الهيكل متناثرة والرأس به فتحتان وإلى جانبه بقايا جمجمة آدمية أخرى مع بعض أجزاء متناثرة الرأس في الجهة الشرقية والقدمان في الجهة الغربية أما الوجه فيتجه إلى الشمال. ضحايا من الاطفال - وماإن تم تنظيف المربع المجاور إلى عمق «130سم» ومن ثم تواصل العمل إلى عمق يتراوح مابين «135» كم و 150سم تم العثور على طبقة متفحمة في الجهة الشمالية الشرقية وبقايا عظام متحجرة وفي الجهة الشمالية الغربية عثر على بقايا هيكل عظمي لطفل متناثرة أجزاؤه والرأس مهشم وإلى جانبه هيكل لطفل آخر في الجهة الجنوبية الغربية والرأس مهشم أيضاً وفي الجهة الجنوبية الغربية بقايا أقدام آدمية والجزء العلوي مفقود وإلى جانبه عظام متحجرة. كما أتضح عند النزول إلى عمق يتراوح مابين «154- 160سم» عن وجود أحجار صغيرة منتشرة بالمستوى بشكل كامل وفيه تم العثور على طبقة ترابية طينية سوداء اللون بها بقايا حبيبات من الفحم آخذت عينات منها للدراسة لدلالتها على أنها طبقة استيطانية مع وجود كميات من الكسر الفخارية وأجزاء من العظام الحيوانية المتحجرة. وفي الزاوية الشمالية الغربية كان الكشف عن هكيل آدمي لطفلة صغيرة قدماها مفقودتان أيضاً كما ظهر هيكل عظمي لطفل آخر الوجه مهشم والقدمان مفقودتان ولاندري حتى الآن ماسر هذه الأعمال. وبهدف إظهار وظائف الأحجار الكبيرة التي ظهرت في المقطع الغربي الذي تم العثور فيه على القطع البرونزية «تميميه » كان فتح امتداد للمجس في اتجاه الجنوب بابعاد «2 * 2». تكوين بنائي يعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد - وبعد أعمال الحفر المتأنية وعلى مستوى أربع طبقات وعمق المتر تقريباً تم الوصول إلى شكل بنائي مذهل بكل ماتعنيه الكلمة من معنى وهو عبارة عن تكوين بنائي دائري الشكل ومتدرج هرمياً بواسطة كتل حجرية كبيرة الحجم نسبياً عند الحواف تصغر كلما اتجهنا إلى الداخل وتكاد تظهر ثلاثة استدارات داخل هذا التكوين والذي تبلغ مساحته «2م * 3،2م» أما التكوين الآخر قرب الضلع الشرقي من مربع الحفر فهو عبارة عن مجموعة أحجار متراكبة لاتعطي أي دلالة كماهو الحال بالتكوين الأول والذي لانستطيع تقدير أي وظيفة له مع احتمالية تمثيلة أحد الأشكال بالعصور الحجرية بالمقارنة مع نفس هذه الاشكال بالغرب من موقع الخريب شرق ذمار وشمال شرق ضربة أفيق والمرجح انها تعود للعصر البرونزي غير أن التكوينات التي تقع على التلة الصخرية جنوب وادي زبل فهو الأكثر شبه بالتكوين البنائي بحفرية هران والذي يرجح تاريخه بفترة العصر الحجري الحديث أي ماقبل العصر البرونزي في حدود الألف الخامس قبل الميلاد.