كمقدمة لوضع حد للانتهاكات البشعة واللا إنسانية التي تتعرض لها مئات الفتيات اليمنيات سنوياً باسم الزواج، والذي تحول إلى جرائم بحق الطفولة.. جرى تقديم مشروع لتعديل إحدى مواد قانون الأحوال الشخصية مقتضاه تحديد سن الزواج المسموح للرجل والأنثى ب«17» عاماً، وهو التعديل الذي تم من قبل مجلس النواب في فبراير الماضي.. إلا أن هذا الأمر لم ينتهِ، حيث برزت عدد من العمائم التقليدية لتدفع باتجاه إعادة المداولة والنقاش للتعديل الذي تم تقديمها لمقترح التخفيض لسن الزواج إلى «15» عاماً. فهل يحتاج الصغير ذكراً أم أنثى للزواج قبل «17» عاماً، وهل زواج الصغيرات مسألة لها علاقة بالدين، أم هي عرف، وهل العرف دائماً على حق.. ثم ماهي الأضرار الناتجة عن انخفاض سن الزواج الآمن..؟ الأسئلة السابقة هي ما ستجدون إجاباتها في هذا الاستطلاع.. هل الصغير بحاجة للزواج؟ القاضي هزاع اليوسفي عضو المحكمة العليا قال: الدين الإسلامي ينظر للحاجة، أي هل الصغير والصغيرة بحاجة للزواج، لذا نجد قول الفقهاء بأن الصغير لا يحتاج للزواج قبل بلوغه سن «15» سنة لأنه ليس بحاجة إليه وكذلك البنت قبل بلوغها سن الخامسة عشرة، ونجد بأن الإمام أبا حنيفة قد استدل بقوله تعالى: «وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم»، وحدد استناداً إلى هذه الآية بأن الرشد يكون بثمانية عشر عاماً، وأخذ المقنن اليمني بهذا الرأي في قانون العقوبات، والذي مضمونه أن الشخص لا يكون مسئولاً مسئولية جنائية إذا لم يبلغ سن الثامنة عشرة. فليأخذوا بمنهج أبي حنيفة ويضيف اليوسفي: لذا فإنه إذا كان لولي الأمر وجهة نظر في تحديد السن ورأى مصلحة فليأخذ بمنهج أبي حنيفة، وخلاصة القول بأن المسألة أي الزواج في سن «15» عاماً فيها من يقول بالجواز لكن جميع الفقهاء لا يقولون بالوجوب. حرمان من التعليم من الناحية الواقعية نجد أن الفتاة المتزوجة في سن صغيرة تحرم من التعليم بعد الزواج، والتعليم فريضة في الدين الإسلامي، كما أنه يحملها أعباء التربية خاصة إذا حملت في السنة الأولى، كما قال بعض الأطباء المختصين بأنها تصاب بأمراض إذا حملت قبل سن الثامنة عشرة. الزواج يكون بيعاً أحياناً! ويختتم اليوسفي بانتقاده لما هو حاصل في بعض المناطق من تزويج الآباء لبناتهم إذا كانوا واقعين تحت دَين أو رهن مالي لصاحب الدّين أو الرهن بالقول: يصبح هذا الأمر بيعاً وكأن الفتيات وجدن لقضاء حاجة الآخرين، حاجة الأب، حاجة الأم، أو لدفع ضرر عن الأسرة، وهذا خطأ وليس من مقاصد الزواج. «17» كخطوة إيجابية من جانبها قالت رنا غانم مسئولة البرامج والأنشطة في المنتدى الاجتماعي الديمقراطي: رغماً عن أن اليمن موقعة على اتفاقية حقوق الطفل والتي تحدد سن الزواج ب«18» عاماً فضلاً عما كان يفترض بأن تلتزم بلادنا بالاتفاقية إلا أننا رغماً عن ذلك نعتبر ما توصل إليه مجلس النواب من تحديد سن الزواج للفتاة ب«17» عاماً خطوة إيجابية وجيدة. ليس هجمة امبريالية وتصنيف غانم: لا يمكن كذلك وصف ماتم بأنه هجمة امبريالية شرسة، فالتحديد أتى للحفاظ على طفولة الفتيات في اليمن وضمان عدم تعرضهن للمخاطر الجسمية والصحية نتيجة الزواج المبكر، وكذلك لضمان أن تدخل الفتاة للحياة الزوجية وقد أصبحت ناضجة وقادرة على تكوين أسرة وكذا قد نالت حقها في عيش طفولتها وحقها في التعليم. مفارقة وتواصل غانم: أعتقد بأن المطالبين بتحديد سن الزواج ب«51» عاماً سيفكرون ألف مرة إذا كُن بناتهن هُن من سيتعرض لما ستتعرض له الأخريات، فلماذا لا يعتبروا كل بنات اليمن بناتهم..؟ مصلحة وضرورة قصوى وتزيد رنا غانم على ما سبق بالقول: إقرار سن «17» عاماً فيه مصلحة والقاعدة الشرعية تؤكد أنه حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله، فهنا مصلحة وضرورة قصوى. جريمة وتحتد مسئولة البرامج والأنشطة في المنتدى الاجتماعي والديمقراطي بالقول: الجريمة أن تواجه فتاة صغيرة قضية الزواج بكل تبعاته وهي مازالت غير مؤهلة له، ولاتزال طفلة ترغب بأن تلعب وتمارس طفولتها، ليزج بها في جزئيات الحمل وأعباء الولادة مع انتهاكات فاضحة تمارس ضدها. خطوة للأمام.. خطوات للوراء وتختتم رنا غانم بالقول: كنا نتوقع أن نخطو خطوة للأمام بالإقرار الذي صدر عن مجلس النواب ليأتي تنفيذه على أرض الواقع، إلا أن الاتجاه التقليدي لا يزال يرغب في إرجاعنا خطوات للوراء. دعوات متكررة نفيسة الجائفي رئيس المجلس الأعلى للأمومة والطفولة قالت: حرصت الجمهورية اليمنية من خلال سن القوانين والتشريعات الخاصة بحماية الطفل للنهوض بأوضاعه في مختلف المجالات الحياتية والعقلية والصحية، وذلك عبر البرامج والسياسات والتشريعات وتنفيذها على أرض الواقع ورعاية الطفل وحمايته من مختلف أنواع العنف والإساءة والإهمال والذي لا يأتي إلا من خلال وجود قاعدة تستند إليها كل المؤسسات المتعاملة مع الطفل ابتداءً من المدرسة وانتهاء بمختلف تلك المؤسسات سواء الرعائية أو الاجتماعية أو القضائية.. وفي هذا الإطار ومن أجل مراعاة مصلحة الطفل الفضلى ومناهضة كافة أشكال العنف ضد الأطفال ومن إطار لا يتعارض مع مواد القانون النافذة الخاصة بشأن القانون المدني بسن الرشد التي نصت عليه المادة «50» من القانون رقم «14» لسنة 2002م على ما يلي: «سن الرشد خمس عشرة سنة كاملة إذا بلغها الشخص متمتعاً بقواه العقلية رشيداً في تصرفاته يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية والتصرف فيها».. وتضيف الجائفي: ومن هذا المنطلق جددنا الدعوة السابقة لتحديد سن الزواج والتي كانت موجودة في تشريعاتنا السابقة والموجودة في الكثير من تشريعات وقوانين الدول العربية بدعوة لتحديد السن الآمنة للزواج من أجل مراعاة مصلحة الطفل، حيث يرى عدد من الباحثين أن الزواج المبكر أحد الأسباب الرئيسية للمشكلات الاقتصادية والصحية والاجتماعية وإنه حجر عثرة أمام تنمية المجتمع اليمني لآثاره السلبية التي تعكس بشكل سلبي على الأسرة بشكل عام والنساء بشكل خاص والذي تعد المرأة العنصر الرئيسي والأكثر معاناة في العديد من تلك المشكلات التنموية، حيث تشير البيانات الإحصائية إلى تدني المستوى المنخفض لمعرفة القراءة والكتابة بين الإناث والمعدلات المرتفعة لنسبة الولادات وكذلك ارتفاع وفيات الولادات والفرص التعليمية والاقتصادية المحدودة للنساء والمستويات المرتفعة من العنف ضد النساء في البيئة الخاصة والعامة. مشاكل وآثار وتستعرض رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة المشكلات والآثار الناجمة عن الزواج المبكر بالقول: إن الكثير من المشكلات الصحية التي تصاحب حمل الصغيرات تتمثل في تعرض الفتاة للأنيميا والالتهابات المهبلية الحادة والإجهاض المتكرر والولادة المبكرة وولادة الجنين ناقص الوزن، تسمم الحمل، تعسر الولادة «نظراً لعدم اكتمال نمو الحوض»، انفجار الرحم، حيث لوحظ أن ارتفاع نسبة الوفيات توجد في الأمهات الصغيرات السن في الولادة. إن معظم حالات الزواج المبكر ناهيك عن عدم وجود مقومات التكافؤ بين الطرفين ولا حتى الأخذ بالاعتبار مصلحة الطفلة الفضلى ولكن فقط لإصحاح الوضع الاقتصادي للأسرة مما يؤدي إلى ارتفاع حالات الطلاق والتفكك والعنف الأسري، التي أدت إلى زيادة ظاهرة أطفال الشوارع وكذلك العنف بين الأطفال وزيادة نسبة الأطفال الأحداث والذين هم في نزاع مع القانون وتسرب الأطفال من المدارس وتدني تحصيلهم العلمي مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة. «17» للحماية من الانتهاكات شذا ناصر المحامية والناشطة الحقوقية والتي كان لها الدور الأبرز في قضية «الطفلة المرأة» «نجود علي» التي هزت العالم، وهي القضية التي كشفت عن عدم استطاعة القاضي إيجاد أي نص قانوني بإلزام الزوج بالطلاق أو تخويل القضاء إنزال عقوبات بحق الأب والأم نتيجة لما أقدموا عليه، أكدت أهمية وجود مادة ناصة على تحديد سن الزواج الآمن ب«17» عاماً لحماية آلاف الفتيات من الانتهاكات المباشرة وغير المباشرة. ستشعر بالغرابة تجاه من ولدتهم وتستغرب ناصر ما يتم حالياً من محاولات لتخفيض سن الزواج بالقول: كيف يعقل أن تنتقل الطفلة من غرفة نومها مع أمها وأخواتها إلى غرفة الزوجية، كيف ستعرف حقوق الزوجية وكيف ستعرف حقوق الزوج..؟ بل أعتقد بأن هذه الطفلة ستشعر بالغرابة تجاه من خرجوا من بطنها. يقولون بأنهم يقتدون بالنبي وتهاجم ناصر ما يمارسه اتجاه تقليدي لتخفيض سن الزواج الآمن بالقول: يقولون بأنهم يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم حين تزوج عائشة وعمرها سبع سنوات وبنى بها وهي بعمر تسع سنوات، فلماذا لا يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم في زواجه بخديجة وهي كانت أكبر منه..؟! ثم من الأولى بالزواج في مجتمعنا اليمني ابنة الخامسة والعشرين، الثامنة والعشرين، الثلاثين سنة، أم ابنة الثمان والعشر والاثنتي عشرة سنة في ظل حالات عنوسة عديدة وارتفاع لمعدلات الخصوبة ستؤدي ربما إلى انفجار سكاني كبير..؟ تناقض وتضيف ناصر: أستغرب كذلك حالة التناقض القائمة، فكيف تجرى المطالبة بتحديد سن الزواج بعمر «15» عاماً في ظل التزام اليمن بالاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها مما يعرضنا لنوع من فقدان المصداقية مع المجتمع الدولي، ثم كيف يستقيم الأمر في ظل قوانيننا الخاصة بالحقوق السياسية، حيث لا يحق الانتخاب إلا في سن «18» سنة والترشح في سن «25» سنة، ثم هل سيسمحون للبنت بإخراج جواز لها وعمرها «12» عاماً؟! تساؤل؟ وتختتم المحامية والناشطة الحقوقية شذا ناصر بالتساؤل قائلة: يقولون بأن هناك مفاسد فهل بتخفيض سن الزواج سنقضي على الزنا والفساد والكبائر؟! «18» عاماً في الدول العربية من جانبها المحامية إشراق المقطري مديرة مشروع الحماية القانونية والمناصرة تؤكد أن غالبية الدول العربية حددت سن الزواج واتفقوا على سن «18» عاماً، كما كان لدينا قوانين عرّفت الزواج بالمتضمن تكوين أسرة، وتناولت الحقوق المرتبطة بها، وكان من ضمن العقوبات توقيع عقوبة إذا كان الفارق العمري «02» عاماً بين الزوجين، فلماذا نلجأ الآن إلى نص يعرف الزواج ب«وأنها أصبحت صالحةً للوطء»، وكذلك «ولا يصح العقد للصغير إلا لثبوت مصلحة»، حيث لا يوجد توضيح لمتى وكيف تكون الصغيرة صالحة للوطء ولا كيفية ثبوت المصلحة. حقوق الألفية وتضيف المقطري: أستغرب لماذا دائماً يأتي الاتجاه التقليدي ليطالب بأشياء ضيقة، لماذا يبررون ما أتى بمقترحهم من أنه التزام بالدين مع أنهم يتناولون أشياء أخرى كان ينبغي أن يكون الدين فيها حاضراً؟ ثم كيف سيتوافق ما يطالبون به في هذه القضية مع حقوق الألفية، وكيف ستختار الفتاة الصغيرة وعمرها «8 10» سنوات. «17» مع نص عقابي وتضيف المقطري: أنا مع تحديد سن «17» سنة كسن للزواج الآمن مع نص إلزامي عقابي للقاضي وولي الأمر في حالة المخالفة. الزواج المبكر سبب رئيسي لمشاكل عديدة وتختتم مديرة مشروع الحماية القانونية والمناصرة بالقول: يمكن القول بأن الزواج المبكر ينتج مشاكل عدة فمن خلال قاعدة بيانات المشروع الخاص بالحماية القانونية والمناصرة في محافظات «تعزعدنالحديدةالمكلا» وجدنا أن أبرز أسباب دخول السجينات إلى السجون كان الزواج المبكر، وأن مشاكل المعنفات «فسخ طلاق خلع» كانت أسبابها الزواج المبكر.