15دقيقة فقط هي كل ما استغرقناه لقطع المسافة التي تفصل مدينة يريم عن عاصمة التبابعة وما إن إجتزنا بسيارتنا قرية بيت الجلعي حتى تراءت لنا من على بعد آثار مدينة ظفار التي تقبع على سطح ربوة صخرية كبيرة وهي نقطة تبعد عن العاصمة صنعاء بحوالي 150كم تقريباً إلى جهة الجنوب وحين الوصول شدت أنظارنا تلك الجبال الشاهقة ذات الصخور السوداء والتي تحيط ظفار من عدة إتجاهات ومن هذه الجبال جبل هدمان الذي يقع إلى الشمال الشرقي ويبلغ ارتفاعه 2720متر حسب تقدير البعثة الألمانية للحفريات الأثرية وجبل أثرب الواقع جنوباً والذي يصل إرتفاعه عن سطح البحر 2800م ظفار في المعاجم اللغوية في الحقيقة أن ظفار اسم مشترك بين عدة بلدان في اليمن فإلى جانب ظفار حمير هذه المدينة الأثرية التي حكمت اليمن في عهد الدولة الحميرية وهي الآن قرية صغيرة من مديرية السدة محافظة إب هناك ظفاري الظاهر أو ظفاريين أو ظفار داوود وهو حصن في بلاد همدان محافظة صنعاء وأيضاً اسم حصن في الحيمة الداخلية وقرية في منطقة العذارب بجبل بعدان وحصن في بلاد آنس بمحافظة ذمار.. وغيرها والاسم من الظفر جمع الظفر وأظفور وأظافير ورجل أظفر بين الظفر أي طويل الاظفار. وظفار بفتح أوله بمعنى أظفر أو معدول عن ظافر كما جاء كتاب معجم البلدان. لمحة تاريخية عن الدولة الحميرية قامت دولة حمير التي كانت في الأصل قبائل تتبع الدولة القتبانية في العام 115ق.م وأتخذت من ظفار عاصمة لها وقد أقترن ظهور دولتهم ببداية التقويم الحميري من نفس العام. وقد تلقب ملوك هذه الدولة بلقب ملوك سبأ وذو ريدان ويمتد هذا العصر حتى نهاية القرن الثالث الميلادي الذي شهد صراعاً حول اللقب الملكي وسبأ وذو ريدان وكان أول ملك حميري يتخذ هذا اللقب ياسر يهصدق بعد أن تمكن الريدانيون من الاستيلاء على قاع جهران وأصبح نقيل يسلح هو الحد الفاصل بين الريدانيين والسبئيين وخلال فترة الحكم المشتركة بين الملكية ياسر يهنعم وأبنه شمر يهرعش . ومن ملوك هذه الدولة أيضاً اتبع اليماني أبي كرب أسعد الذي أطلق عليه الأخباريون أسعد الكامل والذي بلغ إمتداد الدولة الحميرية في فترة حكمه أقصاه حيث تذكر النقوش أنه غزا وسط الجزيرة العربية وتروي الأخبار أنه وصل يثرب المدينةالمنورة وعندها تلقب باللقب الملكي الأطول، ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنه وأعرابهم طودم وتهامة. 9 أبواب ويذكر الباحث الأثري عبدالله ثابت العثماني أنه كان ل ظفار تسعة أبواب هي: باب ولا وباب الأسلاف وباب خرفه وباب مآبه وباب هدوان وباب خبان وباب صوره وباب صيد وباب الحقل وكان على هذه الأبواب أوهاز وهم الحجاب وكان باب ظفار الرئيسي الذي يكون الدخول منه لمقابلة الملك يفصله عن القصر مسافة قدرها ميل تقريباً. وتتميز مدينة ظفار بآثارها المعمارية والأثرية المتنوعة والتي لاتزال ماثلة للعيان ومن أهمها مقر ريدان المباني السكنية المعبد الكهوف المقابر الصخرية صهاريج المياه. قصر ريدان يقع قصر ريدان على رأس تل شمال مدينة ظفار الأثرية وعنه يقول أبو نصر اليهري معلم الهمداني «وكان بظفار قصور منها قصر ذو ريدان وهو قصر الملكة». وقد ورد ذكر هذا القصر في أحد النقوش الذي أخبرنا أن ياسر يهنعم وأبنه شمر يهرعش ملكا سبأ وذوريدان قد تقرباً إلى «ألمقه شهوان سيد أوام بعدد من الأصنام الذهبية والبرونزية كانا قد نذراها حمداً له لأنه حقق آمالها وتوقعاتهما الحسنة التي علقاها عليه بمناسبة إنطلاقهما أو عودتهما من القصر «ريدان» في مدينة ظفار إلى المدينةمأرب لتسلم العرش في القصر سلحين. الوصف الأثري للقصر كما يبدو من بقية الاحجار المختلفة الأحجام الكثيرة العدد والتي تغطي المنحدرات الواقعة تحت القصر فإن القصر كان شامخ البناء على الرغم من الاعتداء المتواصل لأخذ أحجاره واستخدامها مجدداً في بناء مبانٍ حديثة في المنطقة المحيطة خاصة حيث نلاحظ قرى بأكملها شيدت من نفس الحجر القديم. بشكل عام كما أن بعض البيوت في جدرانها أحجار عليها نقوش أو صور منحوتة. المباني السكنية وهي معالم لم يبق من آثارها سوى أساسات تلك المباني السكنية أو أجزاء منها حيث أستخدم لبنائها أحجار سوداء اللون صلبة والتي جلبت من نفس المنطقة أما الأحجار التي كانت مبنية فوق الأساسات فهي ذات ألوان متعددة لذلك نجدها قد أخذت استخدمت في مباني متأخرة سواء في ظفار نفسها أو القرى المجاورة مثل «بيت الأشول العرافة حدة غليس» بل قيل أن السلطان الظاهري لما اختط المقرانة وجبن نقل الأحجار من هذه الأماكن. هذا إلى جانب بقايا سكنية أخرى في شرقي ظفار في منطقتي السلة والمشناقة. الكهوف ونقصد بها تلك الأماكن المحفورة في الصخور والتي تحتوي على مداخل مستطيلة كبيرة تؤدي إلى غرفة كبيرة أو إلى صالة تؤدي إلى عدد من الغرف وتنتشر هذه الكهوف بكثرة في ظفار وماحولها من جبال حيث نجدها حفرت «نقرت» على الصخور اللينة القابلة للحفر كالصخور الحمراء وكهف جبل الضلعي الموجود في الجهة الجنوبية منه خير دليل والصخور الرمادية اللون والكهف الموجود شمال ظفار وهذه الكهوف على نوعين. النوع الأول: لكهوف ذات مدخل يؤدي إلى قاعة واسعة وهذا النوع منتشر بكثرة. النوع الثاني: ذات مدخل يؤدي إلى صالة أو ممر مستطيل والذي يفضي إلى غرف صغيرة الحجم وهذا النوع من التخطيط قليل الانتشار. المعبد كما أن المعبد من المشاهد الأثرية البارزة أيضاً والذي يقع شمال ظفار وإلى الجنوب الغربي من قصر ذو ريدان التاريخي وقد تم الكشف عن أجزاء من معالم من قبل البعثة الألمانية في العام 2003م والتي لاتزال تباشر مهامها حتى هذه اللحظة. الوصف الأثري لم يبق من المعبد سوى جزء من البلاطات الحجرية المتنوعة الألوان والتي رصفت لتشكيل الصرح أما ماكان ظاهراً فوق سطح الأرض فقد تم أخذه واستعماله كبلاط في صرح مسجد القرية كما كشفت أعمال التنقيب عن جزء من المعبد عبارة عن جدران غير كاملة تضم غرف صغيرة متجاورة هذا إلى جانب كتل حجرية كبيرة مقوسة الشكل وقاعدة دعامة يعلوها جزء من البدن الذي هو عبارة عن بدن ثماني الاضلاع. المقابر الصخرية «المحانيط» تنتشر المقابر الصخرية بكثرة في ظفار وماحولها من جبال والتي نحتت على تلك الصخور اللينة ذات الألوان الأحمر الأخضر المائل للزرقة أو الصخر الرمادي والابيض ويعود إنتشار هذا النوع من المقابر لعدة مقومات أهمها. ليونة الصخور اهتمام الحميريين بمثواهم الحالة الاقتصادية الجيدة التي عاشتها الدولة إلى جانب كون ظفار عاصمة الحميريين التي سكنها الملوك والأقبال وتسمى هذه المقابر بين الأهالي بالمحانيط ولهذه الكلمة صداها عند كل آثاري لاشتقاقها من لفظ التحنيط الذي كان يتسخدم في اليمن القديم واختلاف تصميم وتخطيط هذه المقابر يرجع إلى أسباب منها الطبق الاجتماعي التي تختلف بأختلاف الشرائح الاجتماعية. صهاريج المياه الصهاريج مخازن المياه والتي حفرت في الصخر ويطلق عليها حالياً «لكروف» ويوجد الكثير منها وعلى العموم فالصهريج يجب أن يحتوي على درج محفورة على نفس الصخر لكي يتم الحصول على المياه مهما كان عمقها فالدرج تمتد من الأعلى حتى الأسفل وبحسب ارتفاع المياه كما تحتوي أغلب هذه الصهاريج على فتحة «مثقوبة» على السقف بغرض تسهيل دخول مياه الأمطار الموسمية عبرها ويتفرع منها قنوات محفورة في الصخر لتحويل مسار المياه إلى مقر الصهريج. المتحف والحاجة إلى توسيعه لايخفى على كل مطلع أن مبنى متحف ظفار الذي بني في العام 1977م بغرض استيعاب وعرض اللقى التي يتم استخراجها لم يعد يفي بالغرض المطلوب لصغر حجمه وافتقاره إلى لمسات العرض الذي يجيده الفرنسيون وما يؤسف له أكثر أن هناك مايقارب ستة آلاف منطقة أثرية نادرة لازالت قابعة ومكدسة في ظلمات المخزن الذي طاله الاهمال ومنذ سنوات وهي تنتظر أن تجد طريقها إلى العرض فأين هذه الآثار ومن كل ذلك أم أن لصوص الآثار أحق بها من بناء متحف يليق بمكانة ظفار.