الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطر المدلل
المبيدات السامة في اليمن
نشر في الجمهورية يوم 28 - 07 - 2009

«البودر» اسم شائع لشبح قاتل.. لكنه لم يخف الحقيقة.. إنه شر لابد منه هكذا بادر أحد المزارعين بوصفه.. وفي المقابل تحكي التفاصيل، مبيدات شديدة السمية، محظورة الاستخدام حتى في بلاد تصنيعها ، تغزو بلادنا.. وحده الجهل الملفوف بالطمع يتلقفها ويبقى «الخطر» العنوان الأبرز لكل الحكاية.. وإن كان صاحبنا المزارع قد أضاف بأن تلك المبيدات تبيد الحشرات الضارة.. فإن هذا الملف يكشف أنها تبيد معالم حياة.
إسرائيل المسئول الأول
أضحت قضية المبيدات مشكلة شائكة يتداولها كثيرون.. وتعقد لها الندوات والمؤتمرات الضخمة.. وتثار حولها عديد تساؤلات ملحة سواء عن ماهيتها، ومدى انتشارها، وأضرارها، وإمكانية التخلص منها، ومن يتحمل مسئولية تواردها بهذا الشكل اللافت؟
رئيس الجمهورية قالها صراحة، إن هناك مصانع صهيونية تنتج مبيدات فاسدة لتهلك الشعوب العربية ومنها الشعب اليمني.. وقد دعا فخامته إلى وقف دخول هذه المبيدات ومكافحة المهربين بكل الوسائل وعدم السماح بدخول هذه المبيدات بأي وجه من الأوجه وحذر فخامته الشعب اليمني من تناول القات الذي يرش بمثل تلك المبيدات الخطيرة.
فخامة الرئيس وجه اتهامه الصريح ل «إسرائيل» بعد ما ثارت حفيظته حين فجرت منظمة الصحة العالمية خبرها الكارثي بأن هناك عشرين ألف حالة سرطانية جديدة ترصد في اليمن كل عام وأنه المعدل الأعلى على مستوى الشرق الأوسط.
عشوائية
إذا الصورة أكثر قتامة والمصيبة التي لايجهلها أحد أن الصهاينة لايأتون بهذه المبيدات القاتلة بأيديهم فأذنابهم وأياديهم الخفية التي تعبث بمصير اليمن أرضاً وإنساناً تتولى ذلك.. وقد سبق أن أصدرت الجمعية اليمنية لحماية المستهلك تحذيراً وصف بالهام «للمزارعين والمستهلكين على حد سواء.. وكان التحذير من وجود أصناف من المبيدات المحرمة دولياً موجودة وبشكل كبير في أسواقنا المحلية وقد كشفت ذات الجمعية العام الماضي عن وجود مبيد محظور استخدامه يحتوي على مادة «مونوكرتوفوس» شديد السمية وبنسبة تصل إلى 40% من مكونات المبيد الخطر.
الجمعية قالت أيضاً إن عدم تطبيق القوانين والأنظمة أدى إلى عشوائية في الاستيراد والتداول والاستخدام.
حقائق غائبة
جميع دول العالم تستخدم هذه المبيدات وتحكمها ضوابط وقوانين صارمة.. وطالما غيب القانون فالعشوائية والفوضى حتماً ستكون سائدة.. ومشكلة المبيدات في بلادنا جزء من ذلك الكل ويمكن حصرها في جزئيتين رئيسيتين تتمثل الأولى بكثير من الأدلة والبراهين المؤكدة لدخول أصناف قاتلة من تلك المبيدات إلى بلادنا إما تجاوزاً أو تهريباً.
أما الجزئية الثانية فيمكن تحديدها بالاستخدام العشوائي لتلك المبيدات من قبل مزارعين «جهلة» لم يدركوا بعد آثارها الصحية التي تعم في النهاية الجميع وتصبح البيئة خصبة لكثير من الأمراض القاتلة.
وكون قانون تنظيم تداول وترخيص المبيدات النباتية الصادر منذ عشر سنوات مغيباً فقد كانت السنوات الماضية حافلة «ببلاوٍ» كثيرة تؤكدها أرقام وإحصائيات رسمية وغير رسمية وقد كشف تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الصادر بداية العام 2006م كشف عن حقائق كانت غائبة مما حدا بالجهات المسئولة للوقوف بقليل من الجدية أمام ذلك القانون.
ومما كشفه ذلك التقرير بأن آلاف الأطنان من المبيدات دخلت إلى البلد دون أن يتأكد من سلامتها معملياً.. وأن الجهاز الخاص بفحص المبيدات معطل منذ ادخاله إلى البلاد بملايين الدولارات في العام 2002م.
تجاوز صريح
تأكيداً لما ذهبنا إليه آنفاً وبعد إعادة النظر في ذلك القانون «نظرياً» ومناقشته في أكثر من ندوة وورشة عمل إلا أن الجانب التطبيقي لم يفعل حتى الآن.. وقد أكد مختصون في وزارة الزراعة والري المسئولة عن تنظيم دخول المبيدات إلى البلاد بأن هناك تدفقاً لأنواع مختلفة من المبيدات تصل إلى مايقارب «700» مبيد دون أن تجرى عليها دراسات وفحوصات توضح مدى خطورتها.. وطبقاً لتقارير رسمية أيضاً فقد وصل عدد أصناف المبيدات المتداولة في السوق مؤخراً إلى «1024» صنفاً في تجاوز صريح للوائح والتشريعات الرسمية التي حددت المسموح تداوله بحوالي «300» صنف.
كما ذهبت إحصائيات أخرى إلى أن هناك نحو 200 طن من المبيدات يتم تداولها في البلاد سنوياً ومعظمها مواد ممنوعة ومحرمة دولياً كما أن هناك أيضاً «700» طن من المبيدات يتم استيرادها سنوياً بصورة غير شرعية أي عن طريق التهريب ومعظم أنواع هذه المبيدات حشرية شديدة السمية ولها أضرار كبرى.
واللافت في الأمر أن بعض تلك المبيدات تدخل إلى البلاد على شكل هبات أو مساعدات أو إعانة بدون إجراء الفحوصات اللازمة من قبل الجهات المعنية.
حيث تؤكد المؤشرات أن تلك المبيدات عليها ملوثات كيميائية أشد خطراً من المبيد نفسه وأن تلك المبيدات تدخل بطلب خاص ليس لمكافحة الآفات ولكن لتسريع النمو وإعطاء النبات مظهراً جيداً.
تهريب منظم
التهريب مصدر الآفات.. في جحيمه تتلظى مصائر أفراد ودول ويمكن وصفه بأنه أبشع الجرائم الاقتصادية والتنموية.. وما لايختلف فيه أن التهريب يتم لما خف وزنه وغلا ثمنه وما أمكن مروره تجاوزاً للحدود الطويلة دون أن يدري أحد..!!
الأسلوب مختلف للغاية هنا في موضوع المبيدات ومايتم ضبطه هنا أو هناك يدخل على مرأى ومسمع من الجميع وعبر شاحنات وشاصات زاخرة بأصناف شتى من السموم.
وقد قيل الكثير في صفقة المبيدات التي منعت من الدخول من ميناء (...) لتدخل بعد أيام من ميناء آخر.. وقد كشفت دراسة حديثة أن 50% من هذه المبيدات الزراعية الموجودة في الأسواق دخلت بطرق غير مشروعة وعن طريق التهريب وهو مايجعل خطرها يتفاقم يوماً بعد يوم.
ويعد الشريط الساحلي الغربي وخاصة الذيل الممتد بين منطقتي «المخا ورأس العارة» من أهم المنافذ التي تستقطب أفواج المهربين الذين ملأوا البلاد سموماً ومبيدات قاتلة.
عارف مجور وكيل محافظة تعز لشئون الساحل قال: إن هذه مشكلة الجميع يعانيها وإن جهودهم حثيثة لاجتثاثها مؤكداً أن الاستعدادات قائمة لعقد مؤتمر سيكون الأول في المحافظة، سيتم فيه مناقشة التهريب من هذا المنفذ المقلق.
مجور بدأ مستاءً للغاية من الوضع المأساوي الذي أوصلتنا تلك المبيدات إليه محملاً في نفس الوقت وزارة الزراعة مسئولية ذلك والواجب عليها أن تؤدي مهامها على أكمل وجه بدلاً عن أن تعطي تراخيصها لمن «هب ودب» للمتاجرة بهذه السموم.
آخر خبر
الجديد في ذات الأمر ماضبطته الأجهزة الأمنية منتصف الأسبوع الفائت في منطقة «البرح» غرب تعز من محلات مكتظة بالمبيدات.. وكان الشاص الناقل لها الخيط الذي قاد رجال الأمن إلى تلك المخازن.
وحسب الملازم أول علي الشرعبي قائد القطاع الأمني «بالزهري والنجيبة» أكد أنهم اكتشفوا أمر ذلك الشاص بعد أن فاحت رائحة المبيدات منه على خط «المخا البرح» حينها تم مطاردته حتى وصل إلى مستقره في «البرح».. وقمنا بحراسة المكان حتى انبلج الصباح حيث تم إبلاغ الجهات المعنية بالمحافظة بالأمر.
الشرعبي قال أيضاً إن «المهربين» أمطروه تلك الليلة بسيل من المكالمات الهاتفية والنقدية.. واستمرت «مبياعتهم» من الخمسمائة ألف ريال حتى السبعة ملايين؟!.. موضحاً أن هذه القضية لم تكن الأولى خلال توليه قيادة ذلك القطاع في الثلاثة الأشهر الماضية؟!
بالشمع الأحمر
المحافظ حمود خالد الصوفي كلف لجنة لمتابعة هذه القضية بإشراف وكيل المحافظة عارف مجور وهذا الأخير شكر للمحافظ متابعته المستمرة كما حث على ضرورة أن يتكاتف الجميع لمنع دخول هذه المبيدات القاتلة سواء المهربة أو المصرح بها لأن الخطر واحد والأسمدة ستفي بالغرض وستغني المزروعات عن كل ذلك.
وأضاف مجور : إن الوضع في البرح والمخا وهجدة مأساوي فكثير من المحلات تقع في أماكن مأهولة بالسكان وتتكدس فيها المبيدات التي أضرارها بدأت بدون سابق إنذار تطال الجميع والمصابين بالفشل الكلوي والسرطانات في ازدياد.
من جهته أوضح عبدالله الجندي مدير مكتب الزراعة في المحافظة أنه وحتى كتابة هذا الموضوع لم يتم البت في هذه القضية المستجدة مؤكداً أن اللجنة المرسلة كشفت كميات كبيرة من المبيدات مكدسة في مخزنين وتحتوي على أكثر من 16 نوعاً أغلبها أنواع متداولة وموجودة في الأسواق..
والمخزنان تم تشميعهم بالشمع الأحمر حتى يقول المختبر المركزي في صنعاء قوله.
لجنة للرصد والمتابعة
وهنا يبين الدكتور عبدالرحمن ثابت أستاذ المبيدات وتلوث البيئة بجامعة صنعاء في دراسة ميدانية بأن هناك مبيدات في السوق اليمنية غير مسجلة ويخفيها التجار ويبيعونها للمزارعين ومعظمها مبيدات محرمة دولياً.
وأضاف ثابت: إن المبيدات المهربة تشكل جزءاً كبيراً من حجم المبيدات في السوق وجرى تغيير تركيبتها من قبل الشركات لتعمل على زيادة هيجان النمو الخضري في الشجر..
لمواجهة ذلك التدفق المقلق شكلت في عام 2004م لجنة خاصة من قبل الجهات المعنية تكمن مهمتها بمتابعة تلك المبيدات ورصدها ودراسة الأصناف الموجودة وفقاً لمرجعيات علمية وإجراءات إدارية ومنذ ذلك الوقت خرجت تلك اللجنة بقائمة المبيدات الخطرة والمحظورة كما أنها تعقد اجتماعاتها بين الحين والآخر ويتخللها كثير من العوائق والصعوبات.
وحسب عبدالرحمن ثابت فإن تلك القائمة قسمت إلى قسمين قسم للمبيدات الممنوعة دولياً وتتكون من «195» مادة والثاني «145» مادة وهي مواد قيد استخدامها وعلى أساس أن تدخل بواسطة وزارة الزراعة والري ويمكن أن يستوردها أي شخص، نحن هنا لم ننته بعد من الجزئية الأولى من هذه التناولة وقد سعينا جاهدين للتواصل مع جهات معينة في ذات الجانب تفيدنا على الأقل بحقائق وأرقام مستجدة لعمليات «الضبط والربط » كون القائمة التي كشفتها هذه اللجنة قديمة وطويلة وماكشفته الأيام وتبين لنا ومن أكثر من مصدر أن القائمة لم تتوقف وهي بازدياد مطرد، تتوسع كتلك السرطانات التي تنخر الأجساد.
وكون اثبات حقيقة هذا الأمر لم تتأكد لنا اكتفيت بما ذكرت آنفاً على وعد بأنه حال التأكد من ذلك سيجدها القارئ بين يديه على ظهر هذه الصحيفة وبدون تحفظ.
جهل مُدقع
في تهامة دمر الجهل محصول القطن لعام 2006م بالكامل بعد أن تم رشه بمبيدات انتهت صلاحيتها.. ونفس الأمر تكرر في محافظة الجوف ونتيجة لجرعات زائدة لمبيد زراعي خسر مزارع مسكين حصاداً ، قدر ثمنه بخمسة ملايين ريال غير الجهد طبعاً..
وفي ماوية أكد لي محفوظ عبدالرحمن عبادي أن مزرعة كبيرة «خربت» .. ولم تعد صالحة لزراعة أي شيء بعد ما انهكها مُربي الأغصان، وصار ترابها بلون الفحم..
المهندس صادق علي الرميمة قال رداً على ذلك: لا أحد يضمن في كل الأوقات وفي كل المواقع حسن استخدام المبيدات، هذه حقيقة علمية يتفق عليها الخبراء فسوء استخدام المبيدات احتمال وارد نتيجة للجهل بخصائصها وكيفية تداولها وإعدادها أو نتيجة للإهمال إذ إن نسبة كبيرة من المزارعين في بلادنا لايعرفون القراءة والكتابة.
ويعلن الرميمة استغرابه.. فعبوات المبيدات تخرج من المصنع وعليها ملصقات إرشادية مكتوبة بخط غير واضح أو صغيرجداً وخاصة العبوات الصغيرة الحجم التي لايستطيع الشخص المتعلم أن يفك حروفها فكيف بالشخص الأمي..؟!
التوعية أولاً
من جهته أوضح عبدالرقيب مقبل وهو مهندس زراعي مهتم في هذا الجانب أن التوعية تمثل المحور الرئيسي وحجر الزاوية في هذه المشكلة القاتلة.. محملاً في الوقت ذاته جهل المزارعين الملفوف بالطمع بأنه السبب الأبرز فيما يحصل لغالبيتهم من كوارث..
كما تساءل عبدالرقيب عن دور الجهات المعنية المغيب وبالذات وزارة الزراعة وإعلامها الزراعي.. ولو كان الإرشاد والتوعية حاضرين ماطغى الجهل واستبدت المصائب.
عبدالرقيب ذكرنا أيضاً بمشكلة أخرى هي حسب وصفه أشد وأنكى مما سبق تتمثل بجهل الباعة، تجار المبيدات لخطورة ما يملكون وطرق الحفظ والاستخدام وإرشاد وتوعية المشترين.. فهم ليس لهم من هدف غير البيع والربح المادي وبس!!
السوق مليان
أسواق كثيرة تلم شتات المبيدات والاتجار بها مما شكل صفقات رابحة أغرت كثيرين.. ولكون بلادنا زراعية يتهافت المزارعون وأغلبهم طبعاً أميون على شرائها غير مُدركين أنهم أول الضحايا..
وبذلك تحول الوضع من سيئ إلى أسوأ وصارت تلك الأسواق تعج بأصناف عديدة وجديدة من تلك المبيدات وأغلبها طبعاً مبيدات شديدة السمية ومحرمة دولياً.. ورغم ذلك تباع بشكل عادي ولكنها مواد غذائية؟!
كان لي جولة بأحد أسواق مدينة تعز الشهيرة وهناك التقيت أحد باعة تلك السموم.. «أحمد . م .س» سنوات عدة وهو متمترس في دكانه الصغير يستقبل مئات بل ألوفاً من الزبائن يعطيهم سموماً ويعطونه مالاً وهكذا دواليك.. وقد شبه بضاعته بأنها مثل العلاج الذي يباع بالصيدليات.. وعن كيفية رفد محله ببضاعة جديدة قال «السوق مليان» بل إن بعض البقالات تبيعه كأي سلعة.. وعن أكثر الأصناف التي يتهافت عليها المزارعون، أضاف: كل ماهو مُهرب لأنه قوي جداً ويجعل شجرة القات تنمو بسرعة.
وختم أحمد حديثه بأن «مُفتشي الزراعة يأتون ويشتون حق بن هادي وبس..
عُلب السموم لحفظ المياه
إلى ذلك كشفت استطلاعات ميدانية أن 99% من البائعين لايعرفون شيئاً عن مخاطر تلك المبيدات وكيفية التعامل معها بطرق سليمة .. والأغرب والأخطر من ذلك مايقوم به عدد من أبناء الريف في استخدام علب تلك المبيدات الفارغة في أغراض شخصية.. وقد حكى لي محفوظ عبدالرحمن عُبادي من مديرية ماوية أن بعض المواطنين هناك يستخدمون تلك العلب خاصة الكبيرة منها لحفظ المياه التي يشربونها كونها أداة تجعل الماء بارداً لأنها مصنوعة من القصدير وبعضهم يستخدمها كوعاء للألبان والسمن!! غير آبهين بخطورة ذلك وغير مُدركين أن تلك العلب الفارغة يجب التخلص منها بدفنها وعدم الاقتراب منها واستخدامها بتاتاً.
قنبلة موقوتة
يبلغ عدد المحلات التجارية التي تبيع المبيدات 644 محلاً في مختلف محافظات الجمهورية منها 332 يزاولون عملهم برخصة من الوزارة والبقية دون ترخيص،ومما زاد الطين بلة أن هذه المحال والمخازن المكدسة بأصناف شتى من المبيدات تبنى بشكل عشوائي وأنها غير مطابقة لأدنى المواصفات المطلوبة وتوجد بشكل مكثف في المناطق الآهلة بالسكان..
والأشنع والأفضع من ذلك ما أكده أحد الباحثين المهتمين من وجود مخازن بلا رقابة وهي مكتظة بمبيدات انتهت صلاحيتها مما زاد من أضرارها صحياً وبيئياً ونتيجة وسبق حذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة مؤخراً من مخاطر تراكم المخزون الهائل من المبيدات التالفة وغير المستعملة في أفريقيا والشرق الأدنى ووصفتها بأنها أشبه ماتكون بالقنبلة الموقوتة التي تهدد الإنسان والبيئة حتى عام 2030م إذا مابقي تمويل عمليات التخلص من فضلات المبيدات على مستواه المنخفض الحالي.
ويقدر حجم المخزون من المبيدات التالفة في مختلف أنحاء العالم بمئات الألوف من الأطنان بما فيها أكثر من 100 ألف طن في البلدان النامية.
وقالت المنظمة إنه حتى الآن لم يصرف سوى نحو 4.24 مليون دولار على عمليات التخلص من المبيدات في أفريقيا والشرق الأدنى اليمن وموريتانيا وقطر وقد تم تمويل العمليات المذكورة من عديد دول أوروبية فضلاً عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومنظمة الأغذية والزراعة وتتراوح تكاليف إزالة طن واحد من المبيدات في أفريقيا مثلاً من 3500 إلى 4000 دولار.
لابد من تضافر الجهود
إذا فالتخلص من المبيدات مسألة مستحيلة في بلد مثل اليمن يفتقر للكثير من الإمكانيات والوسائل التي تعزز من إمكانية ذلك التخلص وحسب منظمة الأغذية والزراعة فإن أفضل طريقة للتخلص من المبيدات الخطيرة المتراكمة يتم عبر حرقها تحت درجة حرارة عالية، ومكائن الحرق هذه من النادر توافرها في البلدان النامية وبلادنا جزء من ذلك..
إذا المصيبة كبيرة والخطر فادح ولاحل بنظري إلا بتكاتف الجهود كل الجهود رسمية وشعبية وفوق هذا وذاك الاحتكام للقانون الذي لايعلو فوقه أحد إلا الله.
ومن هذا المنطلق فنحن بحاجة ماسة لتفعيل وتطبيق هذا القانون حتى لايستفحل الخطر ويأتي الأسوأ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.